شهدت مدينة اسطنبول التركية أكبر تظاهرة سياسية واقتصادية واستثمارية عربية عرفتها تركيا حيث احتشد وزراء خارجية واقتصاد 22 دولة عضو في الجامعة العربية ومسؤولون أتراك في المنتدى الذي حضره رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان حيث أعرب عن رغبته في توسيع نطاق التعاون مع الدول العربية والتشديد على أن علاقات أنقرة مع الدول العربية تسير في الطريق الصحيح.
وقال اردوغان خلال الكلمة الافتتاحية للملتقى ان العلاقات الاقتصادية والسياسية المتطورة مع الدول العربية حققت طفرة كبيرة في حجم التبادل التجاري من 7 مليارات دولار عام 2002 إلى 37 مليار دولار عام 2008 موضحا أنه بالرغم من الأزمة الاقتصادية العالمية خلال العام 2009 فقد بلغ حجم التبادل التجاري التركي العربي 29 مليار دولار.
واشار اردوغان خلال كلمته إلى وجود أكثر من ألفي شركة عربية لديها استثمارات في تركيا تدعم اقتصاد بلدانها والاقتصاد التركي وبلغ حجم الاستثمارات العربية في تركيا بين عامي 2002 و2009 مبلغ 2ر6 مليارات دولار. واضاف ان العديد من شركات المقاولات التركية وقعت على مشاريع إنشائية ناجحة في الدول العربية وعززت علاقات تركيا بالدول العربية مشيرا إلى التطور الملحوظ في تدفق السياح بين تركيا والدول العربية وكذلك التقارب الثقافي بين الجانبين على كافة المستويات ومن بينها الانتاج الدرامي والنشاط الاعلامي المتبادل.
كما دعا اردوغان إلى مزيد من العمل لتحقيق الانسجام بين شعوب المنطقة مؤكدا أن أبواب تركيا مفتوحة إلى ما لا نهاية للأخوة العرب الراغبين بالاستثمار في تركيا التي تحتوي امكانيات وفرصا مربحة للغاية مشيرا إلى متانة ورسوخ العلاقات السورية التركية وأنه لايوجد أي فرق بين الشعبين التركي والسوري.
وأضاف اردوغان ان العلاقات التركية تسير على نفس المنوال مع لبنان والأردن وليبيا وان هناك تعاونا كبيرا بين تركيا والدول العربية لازالة السدود والموانع الاصطناعية واحدة تلو الأخرى لاعادة العلاقات إلى المجرى الطبيعي الذي يجب أن تكون فيه. واشار إلى أن تركيا تأتي الان في المرتبة السابعة عشرة بين أكبر الاقتصاديات في العالم وفي المرتبة السادسة على الصعيد الأوروبي وأنها تأتي في مقدمة الدول التي تمكنت من تجاوز تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية ومن المتوقع أن تحقق نموا ما بين 6 إلى 7 في المائة كما أنها ستكون في عام 2023 في المرتبة العاشرة بين أكبر الاقتصاديات في العالم.
وقال اردوغان في معرض حديثه نحن كدول صديقة نرجو تحقيق الاستثمارات بشكل متبادل في ما بيننا وهناك قول مأثور لدى الأتراك هو "لا تشتر الدار بل اشتر الجار" ونحن إلى جانب كوننا جيران فاننا أخوة أيضا ويتعين علينا تعزيز أخوتنا وأتمنى أن يفتح هذا المنتدى المجال لتحقيق كل أهدافنا معربا عن شكره لكل من ساهم في انجاح الملتقى.
كما تطرق اردوغان إلى عدد من القضايا السياسية الأخرى فقد أكد وقوف بلاده ضد جميع أشكال الارهاب بما في ذلك ارهاب الدولة ولذلك فانها أصبحت هدفا للدعاية وأجهزة الاعلام التي تقف وراءها اسرائيل والحكومة الاسرائيلية التي تسيطر على أجهزة الصحافة والاعلام في العالم. وتابع في هذا السياق "أنهم يريدون من تركيا أن تسكت على الاعتداءات الاسرائيلية ضد سفن أسطول الحرية التي راح ضحيتها 9 شهداء أتراك واصابة أكثر من 24 متضامنا من دول مختلفة جراء المعاملة غير الانسانية التي تعرضوا لها نتيجة ارهاب الدولة في المياه الدولية".
وأردف قائلا ان "كل ما فعله هؤلاء أنهم كانوا يحاولون ايصال مساعدات انسانية لقطاع غزة" مضيفا لقد هوجم هؤلاء في المياه الدولية وبزوارق حربية اسرائيلية وبطائرات مروحية وبعد جرحهم تم اطلاق النار على رؤوسهم وفي مناطق مختلفة من أجسامهم وأنا شخصيا رأيت الشهداء وكانت هناك جروح رأيتها بأم عيني وإلى حد الآن هناك مواطنون ما زالوا في الإنعاش.
وقال اردوغان أنه" طالما بقيت القضية الفلسطينية دون حل فلا يمكن لأي دولة في المنطقة بالمعنى الكامل أن تقوم بتأسيس الرفاه والاستقرار وهذا ما تثبته التجارب المأساوية التي حدثت مؤخرا مشيرا إلى أن المواقف التركية تجاه القضية الفلسطينية ومعظم قضايا المنطقة نابعة من إيمانها بأن العالم يحتاج للسلام وليس للصراع وقناعتها المطلقة بأن حالات القرصنة وعدم الالتزام بالحقوق تلحق الضرر بالمنطقة برمتها وتسبب لها آلاما أكبر".
أما فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني فقال اردوغان ان تركيا عندما صوتت ضد العقوبات على إيران في مجلس الأمن انطلقت من مبدأ ضرورة حل جميع القضايا بالطرق الدبلوماسية مشيرا إلى أن الاتفاق الثلاثي الذي وقعته تركيا والبرازيل وإيران كان نصرا دبلوماسيا وتم عقب إجراء المباحثات مع كافة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي منتقدا الانقلاب الذي حصل في مواقف الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن تجاه الملف النووي الإيراني لافتا أيضا إلى أن بلاده تلقت التهاني من جميع هذه الدول عقب توقيع الاتفاق الثلاثي إلا أنها صوتت بالأمس على فرض عقوبات ضد إيران فما الذي تغير.
من جهته جدد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري تقديم العزاء للشعب التركي وقيادته بأرواح المتضامنين الأتراك الذين استشهدوا جراء العدوان الإسرائيلي على أسطول الحرية خلال محاولتهم الوصول إلى قطاع غزة لتقديم مساعدات إنسانية للفلسطينيين مبديا تقديره للتضحيات التي قدمتها تركيا دفاعا عن القضية الفلسطينية.
ودعا الحريري في كلمة ألقاها أمام الملتقى إلى تفعيل التعاون العربي التركي معبرا عن ثقته بما تتمتع به الدول العربية من طاقات بشرية شابة ومبدعة وموارد طبيعية متنوعة بإمكانها أن تؤسس لشراكة حقيقية ولتكامل اقتصادي مع تركيا بما يعزز مواقف العرب وتركيا في وجه التحديات التي تواجه المنطقة ويدعم مكانتهما في المحافل الاقتصادية والسياسية الدولية من جهة أخرى مبديا رغبة لبنان بتحقيق شراكة استراتيجية مع تركيا في مختلف الميادين ومن خلال جعل التبادل الاستثماري بين البلدين ركيزة أساسية لدفع العلاقة بينهم.
بدوره أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أهمية إنماء المصالح الاقتصادية العربية التركية المشتركة لاسيما أن عناصر التكامل الاقتصادي العربي التركي تستند إلى هياكل اقتصادية جرى ويجرى إنشاؤها ويتعين متابعتها بكل حرص واهتمام.
وقال موسى إن هذا الاجتماع يمثل خطوة أخرى نحو تنمية وتعزيز التعاون وفقا للاتفاق الإطاري لمنتدى التعاون العربي التركي الأمر الذي يشكل ضمانا للطرفين لعمل مستمر ومسار مستقر للمسيرة العربية التركية وخاصة في ظل أزمة مالية عالمية وانكماش اقتصادي كبير ظهرت تداعياته على الاقتصاديات في المنطقة وأدت إلى تباطؤ في عملية التنمية معربا عن أمله في زيادة حجم التبادل التجاري العربي التركي بعد الانخفاض الذي حدث عام 2009 بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على المنطقة.
وبحث الملتقى الذي تنظمه مجموعة الاقتصاد والأعمال ووزارة المالية التركية بالتعاون مع وكالة دعم وترويج الاستثمار ومجلس العلاقات التجارية الخارجية في تركيا ومجالات التعاون مع التركيز على الجوانب السياسية والاقتصادية بين الدول العربية وتركيا.
وأكد المشاركون أن الملتقى عكس العلاقات المميزة القائمة بين الجانبين والتي تتزايد سنة بعد سنة وتنطوي على أبعاد استراتيجية وسياسية واقتصادية واستثمارية كما عكس أيضا الدور الحيوي الذي تضطلع به تركيا كلاعب إقليمي يؤسس لشراكة تركية عربية.
كما أشاد المشاركون بدور تركيا وموقفها تجاه القضية الفلسطينية مؤكدين إن استمرار الملتقى يؤكد عمق ومتانة العلاقات العربية التركية وأن الشراكة العربية التركية الاقتصادية واتفاقيات التجارة الحرة بين تركيا والدول العربية ستعزز العلاقات وتساهم في تطوير سبل التعاون الاستراتيجي وتعزز فرص السلام والاستقرار في المنطقة.
كما نوه المشاركون إلى أن الملتقى سيساهم في تعزيز الأمن الغذائي وحركة رؤوس الأموال والاستثمارات البينية وفرص الاستثمار في تركيا ويرفع أطر التعاون بين المصارف والأسواق المالية التركية والعربية مؤكدين على أن الاستثمارات العربية في تركيا ستشكل نقطة انطلاق إلى أسواق آسيوية وأوروبية.
وتمثلت التظاهرة الاقتصادية في لقاء ضم 10 وزراء عرب للمالية والاقتصاد يمثلون قطر والأردن ولبنان وسوريا والعراق والسودان وتونس وليبيا ومصر والمغرب مع 5 وزراء أتراك بينهم نائب رئيس الوزراء وزير الدولة ووزراء كل من الخارجية والمالية والدولة للشؤون الأوروبية. والزراعة والشؤون الريفية.
و إلى المشاركة الحكومية الرفيعة المستوى اقتصاديا استقطب الملتقى الاقتصادي التركي العربي الخامس نحو 600 مشارك جلهم من قيادات الشركات والمؤسسات الكبرى العربية والتركية عاكسا العلاقات المميزة القائمة بين الجانبين التركي والعربي.