اتخذت الحركة الإسلامية في اليمن، والتي انضوت في سبتمبر من العام 1990 في إطار مؤسسة حزبية عرفت لاحقاً باسم التجمع اليمني للإصلاح، الممثل لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن مواقف شابها الكثير من الضبابية والتحفظ على فكرة الوحدة الاندماجية بين النظامين السياسيين اللذين كانا قائمين في الشمال والجنوب لاعتبارات لاتزال، ورغم مرور عشرين عاماً على قيام دولة الوحدة اليمنية، محل تأويل لدى الكثير من النخب الاجتماعية والشعبية في اليمن.
القيادي البارز في حزب التجمع اليمني للإصلاح وجماعة الإخوان المسلمين في اليمن عبدالوهاب الآنسي في حوار مع صحيفة "الجمهورية" يقدم قراءة مغايرة لما ترسخ في الاعتقاد العام في اليمن إزاء مواقف الحركة الإسلامية من الوحدة اليمنية..
كما استعرض تفاصيل وحيثيات التحفظات التي أبدتها الحركة الإسلامية حيال دستور دولة الوحدة وحقيقة تعاطي الحركة الإسلامية مع فكرة الوحدة في أدبياتها التنظيمية ومفردات التغيير الدراماتيكي اللافت في العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين في اليمن ذات التوجه اليميني والحزب الاشتراكي اليمني اليساري والتي أفضت إلى حالة استثنائية من الشراكة بين الجانبين في تحالف سياسي معارض لا يزال يمثل الرقم الصعب في المعادلة السياسية القائمة في اليمن.
الإخوان المسلمون والوحدة
هل لنا أن نعرف موقع حزب الإصلاح والإخوان المسلمين من الوحدة اليمنية، خاصة وأن هناك علامات استفسار كثيرة على هذا الموقف؟
نحن ندعي ولدينا وقائع تثبت هذا أننا إن لم نقل إننا كنا مبكرين في إدراكنا بضرورة الوحدة، ندعي بأننا كنا ونتيجة لهذه القناعة عاملاً مهماً في الدفع بالسلطة بهذا الاتجاه، وهناك اجتماعات ووقائع تثبت هذا.
ما أعطى شيئاً من عدم الوضوح حول هذا الموضوع هو موقف الشيخ عبدالمجيد الزنداني، الذي كان يعيش خارج اليمن عند إعلان الوحدة، نتيجة للتركة التي خلفتها فترة حكم الحزب الاشتراكي في الجنوب قبل الوحدة والتوتر الذي كان قائماً في إطار العلاقة بين الحركة الإسلامية في الشمال والحزب الاشتراكي في الجنوب كتنظيمين، فلاشك أن الحزب الاشتراكي كان يفهم أن القوة التنظيمية الأساسية التي تستند عليها السلطة في الشمال هي الحركة الإسلامية، وبالطبع كان هناك تناقض واضح نتيجة لعدم اطلاع الشيخ عبدالمجيد على تفاصيل الأمور التي تجري في البلاد، وهو في الحقيقة لم يكن ضد الوحدة من خلال الأشرطة التي وزعها في تلك الفترة، بل على العكس فإنه كان يدعو إلى الوحدة، لكنه كان يحذر من أن تكون هذه الوحدة لصالح الحزب الاشتراكي أو اليسار.
ويبدو أنه كانت هناك جهات يهمها ان تبقى العلاقة بين الحزب الاشتراكي والحركة الإسلامية متوترة، والدليل على هذا أننا عندما التقينا بالإخوة في الحزب الإشتراكي بعد الوحدة بدأ كل طرف يفهم الآخر، بمعنى أنه كان هناك طرف ثالث يوتر العلاقة بينهما، وقطعنا مراحل من الفهم لبعضنا البعض في فترة قياسية.
قبل تشكيل حزب التجمع اليمني للإصلاح وعندما كنا حركة إسلامية فإن الأساس الفكري والعقائدي الذي كنا نربي عليه أعضاءنا يرتكز على الوحدة، كنا نعتبر قضية الوحدة تتعدى أية مصالح أخرى، وهي في نفس الوقت عقيدة في صلب عقيدة الحركة الإسلامية وهذا ينطلق من قول الله تع إلى "ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء"، بمعنى كنا نرى ان كل مقومات الوحدة الوطنية متوفرة، بل كنا نسعى إلى إنعاش مقومات الوحدة العربية ثم مقومات الوحدة الإسلامية.
أي مفهوم وأية وحدة كان يبحث عنها الإخوان المسلمون في اليمن؟
ما كنا نبحث عنه هو إيجاد اللحمة الوطنية، ونرى أن هذه الوحدة تقوم على الأسس والمقومات التي يؤمن بها الشعب اليمني كشعب مسلم، لكن الإسلام المستوعب لمستجدات ومتطلبات العصر، نحن ندعي أن الحركة الإسلامية في اليمن قامت بدور كبير في تغيير المفاهيم التي كانت من مسببات التراجع الإسلامي منذ ما بعد الخلافة الراشدة إلى العصر الحاضر، ونعتقد أنها قدمت جهداً ايجابياً وجيداًً في هذا المجال، فالحركة الإسلامية كان لها دور في تغيير المفاهيم وكان دورها مقدراً لجهة معالجة الطائفية والمذهبية والجهوية وغيرها من المظاهر السلبية.
مفهوم الإسلاميين للوحدة
ما أقصده هل كان مفهوم الوحدة لدى الحركة الإسلامية هو الوحدة الاندماجية أم الوحدة بالقوة؟
موضوع الوحدة بالقوة لم يكن وارداً، فقد كنا مقتنعين بأن المقومات الأساسية للوحدة موجودة وأن النظامين السياسيين هما اللذان يضعفان هذه المقومات، وكنا معتمدين على الواقع، فقد كان الشخص الذي يعيش في الجنوب وهو من مواليد الشمال لا يشعر بأية غربة، وكذلك الحال مع الجنوبي الذي يعيش في الشمال، كنا ندرك أن مقومات الوحدة موجودة لكن شكلها كأن تكون اندماجية أو متدرجة لم تكن متداولة في ذلك الوقت.
كان التواصل من أجل الوحدة محتكراً بين الحكومتين والتواصل لم يكن شفافاً، ولم يتم طرح القضية كقضية تهم الشعب اليمني كله، ولم يأخذ رأي الشعب في شكل الوحدة التي يجب أن تتم، أحياناًً كنا نرى أن النظامين متقاربان وأحياناً أخرى تحصل توترات تصل إلى درجة اندلاع حروب، وأنا أتصور أنه من حسن حظ الشعب اليمني أنه اجتمعت ظروف خارجية إقليمية ودولية، بالإضافة إلى الظروف المحلية جعلت خيار الوحدة إن لم تكن الخيار الوحيد، أفضل الخيارات.
لهذا فإن موضوع الوحدة لم يطرح لكن عندما طرحت السلطتان موضوع الوحدة الاندماجية شعرنا ان هذا أمر جيد، لكن الإشكالية التي حصلت كانت أن الأسس التي يجب أن تقوم عليها الوحدة محتكرة بين السلطتين.
معروف أن تحالفاً نشأ بين الحركة الإسلامية والرئيس علي عبدالله صالح قبل إعلان دولة الوحدة، فقد كان للحركة الإسلامية حضور كبير في معارك المناطق الوسطى، فهل أخذ رأي الحركة الإسلامية عند قيام دولة الوحدة؟
لا أريد ان نؤطر العلاقة بين الحركة الإسلامية والسلطة ممثلة بالرئيس علي عبدالله صالح، هذه العلاقة لم تصل إلى درجة التحالف، ولم يحدث يوماً أن كانت القضايا تطرح على الطاولة ليخرج الناس برأي ما، لكنها كانت تطرح في المناسبات، بمعنى آخر فإن موضوع الشراكة لم يكن موجوداً ولم يحدث خلال الفترة كلها، إنما كانت هناك ظروف تحتم على الجميع أن يكون هناك نوع من التواصل والتنسيق والعلاقة التي لا نستطيع القول: إنها وصلت إلى درجة الشراكة، كنا نعبر عن رأينا من خلال ما يطرح علينا في المناسبات، وكنا نرى أيضاً أن الحل هو الوحدة، وجاءت الظروف التي أنضجت هذه الوحدة وجعلته خياراً لا بديل أو منافس له.
متى بدأتم تشعرون أن الوحدة بدأت تقترب فعلياً من التحقق؟
لاشك أنه كان للظروف الدولية وما حدث من تغيير على المستوى الدولي بخاصة بعد التطورات التي شهدها الاتحاد السوفيتي تأثير، وفي تقديرنا فإن القول: إن الحزب الاشتراكي لم يجد طريقاً للهروب من مشاعر كانت ضده لدى المواطنين في المحافظات الجنوبية غير الوحدة، قول غير صحيح، لأنه كان هناك ظرف اقليمي متخوف من الوحدة، إن لم يكن ضدها ولأسباب متعددة.
وأتذكر ان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل زار عدن قبل الوحدة، وكانت زيارته مكرسة لكي يقول للجنوب:إننا ممكن ان نساعدكم، وكان هناك أعضاء في الحزب الاشتراكي اليمني يقومون بمساع وخطوات باتجاه التقارب مع هذا التوجه الإقليمي، وأبرز شيء في هذا المجال هو قانون الاستثمار، الذي يمكن وصفه بأنه بمثابة انقلاب على المفاهيم الاشتراكية، وكان ذلك يعتبر في تلك الفترة نوعاً من الانفتاح.
وأنا أعتقد، وهذا تحليلي الشخصي، ان الوحدويين في الحزب الاشتراكي لعبوا دوراً في التسريع بإعلان دولة الوحدة، رغم أننا لا نستطيع القول: انه كان هناك فصيل في الحزب الاشتراكي ضد الوحدة، لكنه كان لدى قيادات الحزب الإدراك بأهمية الوحدة وبالمخاطر المترتبة على الانقسام، خاصة إذا أصبح هذا الانقسام ليس ذا هوية وطنية فقط، على أساس إقليمي، وكانت هناك قناعة لدى الحزب الاشتراكي بقضية الوحدة، لأن قضية الوحدة كانت أساسية في خط الحزب، فقط التزم في الجانب الاقتصادي بالاشتراكية، لكن أصول الحزب الإشتراكي الفكرية كانت ثابتة تجاه الوحدة، فهم جاءوا من حركة القوميين العرب ومن البعث، لكن كان هناك أناس متخوفون من القادم، لكنهم ليسوا ضد الوحدة، وآخرون مدركون بأهمية استغلال الظرف الموجود في تحقيق الوحدة؛ وفعلاً ثبت فيما بعد أنه لو لم تتحقق الوحدة في 22 مايو من العام 1990 لم تكن لتتحقق إلى اليوم.
هل مُثل الإخوان المسلمون في الوفود التي كانت تشارك في مفاوضات الوحدة؟
على الإطلاق، ويعود ذلك لسببين، الأول أنهم كانوا يعتبرون ذلك بأنه أمر يخص السلطتين، ونحن من جانبنا كنا مركزين في تلك الفترة على موضوع التربية والتعليم والقضايا التي تتعلق بالتغيير وبأساليب التغيير، التي كنا مقتنعين بها، منطلقين من قاعدة " إذا تغيرت أنت تغير كل ما حولك"، لهذا كنا مركزين على الجانب المتعلق بالتغيير الثقافي، وكنا نعتبر أن هذا هو الطريق الصحيح لتغيير المفاهيم لأن تصرفات الإنسان هي انعكاس لمفاهيمه؛ فعندما تكون هذه المفاهيم راقية تؤدي إلى رقي الحياة وعندما يكون مفهوماً متخلفاً يؤدي إلى تخلف الحياة.
الوحدة مع الشيوعيين
هل كنتم تخافون من التوحد مع الشيوعيين والملحدين بين قوسين؟
من كان على صلة بالسلطة والرئيس فقد كانت الأمور أمامه مطمئنة، ولم يكن هذا المفهوم موجوداًً،لكن ربما لم يكن الأمر كذلك بالنسبة للشيخ عبدالمجيد الزنداني، وذلك لأنه كان بعيداً، وقد كان يحذر من أن تقوم الوحدة على غير الأسس العقائدية التي يؤمن بها الشعب اليمني، وكان يقول: إنه لو قامت الوحدة على هذا الأساس لن يكتب لها النجاح.
لكن كانت هناك تحفظات للشيخ عبدالله الأحمر على طريقة تحقيق الوحدة، ما طبيعة تلك التحفظات، ولماذا؟
في تلك الفترة لم تكن علاقتنا مع الشيخ عبدالله قوية، كان هناك تواصل بين وقت لآخر، لكن كانت مساحة صلة الشيخ عبدالله بالسلطة أكبر من المساحة التي كنا عليها، يمكن بعض التفاصيل التي كانت عنده كانت تجعله يعتقد أن الإخوة في الجنوب حزب منظم عقائدي، ولديه استراتيجية مقابل الرئيس علي عبدالله صالح وليس حزباً مقابل حزب، يبدو انه لم تكن هناك قناعة لا عند الرئيس ولا عند غيره أننا ندخل كحزب مقابل حزب في قضية مصيرية وسياسية كالوحدة.
لكن المؤتمر الشعبي العام كان قد أُنشئ آنذاك؟
- عندما تقارن بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الإشتراكي فإنك تجد فرقاً كبيراًً.
طرحت قضية الوحدة على مجلس النواب في الشمال وكنتم ممثلين في المجلس، ماذا طرحتم حينها؟
نحن كنا متحفظين في قضية، وهي منطقية، تتمثل في أنه تم الربط بين الوحدة وبين الدستور، يعني كانت الموافقة على الوحدة مربوطة بالدستور والعكس، ونحن كنا نقول: إن الوحدة محل إجماع الشعب اليمني، وهي حق من حقوق الشعب، وأن موضوع الدستور يحمل القواعد التي تحكم الناس، هذا جانب، الجانب الثاني ان هذا الدستور كان له عشر سنوات منذ أن تم وضعه، وبالطبع كانت هناك متغيرات كثيرة حدثت على مستوى الداخل والإقليمي، وكنا نرى انه لا يمثل متطلبات الشعب اليمني وإنما يمثل توافق السلطتين في الشطرين، أي أنه بني على التوافق وليس على الخطوات الدستورية التي ينبغي ان تكون في أي دستور.
وأتذكر أنني كنت رئيس كتلة حركة الإخوان المسلمين وقبل إعلان يوم الوحدة في 22 مايو 1990 اجتمعنا في آخر جلسة لمجلس الشورى، ولم يكن هناك مقر، وكنا نجتمع في كلية الشرطة ومورست ضغوطات وتهديدات بأن لا نقول رأينا كحركة إسلامية على قرار إعلان الوحدة، في ذلك اليوم جاء الرئيس علي عبدالله صالح وألقى خطاباً قال فيه لنا: " أنا ذاهب الآن إلى عدن وأنا في الطريق سأكون منتظراً بأن اسمع ما هي نتيجة تصويتكم وإذا لم يكن التصويت في صالح الوحدة فسأعود من نصف الطريق"، يومها رفعت يدي لأتحدث بإسم الحركة الإسلامية، وقلت: " نحن مع الوحدة لكننا لنا تحفظ على ربط الوحدة بقضية الدستور"، وقلت كذلك: إن الوحدة حق من حقوق الشعب اليمني والدستور من حق الشعب أن يقول رأيه فيه، وقلت: إن هذا الدستور كان نتيجة توافق سياسي وانه قديم، وأن هناك مستجداًت كثيرة وقد وضع قبل عشر سنوات.
يومها نزلنا إلى عدن، وكان هناك طائرة أعدت لأعضاء مجلس الشورى للمشاركة في احتفالية إعلان الوحدة، وذهبنا إلى عدن لنقطع الطريق على من يقول: إننا ضد الوحدة؛ فموافقتهم على الدستور رغم تحفظنا عليه لا يكون سبباً بأن نرفض الوحدة لأنه تم التصويت على الوحدة، ونحن كنا مع الوحدة وحضرنا يوم إعلانها.
اتفق على أن يجري الاستفتاء على الدستور بعد إعلان دولة الوحدة، هل كان هذا نتيجة ضغوط الحركة الإسلامية؟
كان هناك توافق على أن الدستور لكي يصبح دستوراً لدولة الوحدة لا يجب أن ينسب إلى السلطتين، وإنما يأخذ بعداً شعبياً، كنا نرى في هذا فرصة لأن نقول أيضاً رأينا للشعب في الدستور أثناء الاستفتاء، وكنا موافقين على الاستفتاء لغرض أن نقول رأينا والسلطتان كان رأيهما أن يعطي الدستور بعداً شعبياً.
أين كانت ملاحظاتكم على الدستور بالتحديد باستثناء المادة الثالثة حول الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد وليس الرئيس للدستور؟
كانت عندنا ملاحظات ليس فقط على المادة الثالثة من الدستور؛ وفيما بعد تبين ان الدستور لا يتفق مع قضية الديمقراطية التعددية، يعني كان لايزال يحمل بعض ملامح النظامين الشموليين، مثلاً في الجانب الاقتصادي لم يكن منفتحاً ذلك الانفتاح الذي ينسجم مع التوجه الديمقراطي، كانت لدينا عدة ملاحظات، ولم تكن فقط على المادة الثالثة، التي كانت فقط عنواناً تندرج تحته الملاحظات الأخرى.
لماذا تغير موقفكم بعد الوحدة خاصة خلال المسيرة المليونية التي سيرّتموها ضد الدستور؟
الذي حصل انه بعد تحقيق الوحدة بدأت عملية التقاسم بين الحزبين وتهميش القوى الأخرى، وبعد أن أسسنا التجمع اليمني للإصلاح في سبتمبر 90 تواصلنا مع الأحزاب الأخرى لأنه أصبحت الأمور واضحة، إذ أن الحزبين تقاسما كل شيء، وشكلنا معارضة، وجاءت قضية التعديلات على الدستور لتجمع الكثير من القوى السياسية التي كانت معنا في قضايا أخرى، ومن أهمها رؤيتنا للآثار الشمولية التي يحملها الدستور والتي لا تنسجم مع الديمقراطية ومدى خطورة التقاسم على سير الأحداث في اليمن، وكنا معارضة قوية في حينها، وكان هناك نشاط في هذا الجانب.
ترافق ذلك مع زوال الكثير من المفاهيم التي كنا نحملها ضد الحزب الإشتراكي والمفاهيم التي كان الإشتراكي يحملها ضدنا، وكان هناك إمكانية للتقارب، لكن للأسف كان الاندفاع أكثر لتقارب الحزبين إلى درجة انه طرحت في حينها قضية وجود جبهة موحدة لمواجهة ذلك، وقلنا للحزبين يومها: دعونا على الأقل نستنشق هواء الديمقراطية قبل أن تجهضوها، لأننا كنا نعتقد أن وجود جبهة موحدة للحزبين مع أطراف أخرى إجهاض لمسيرة الديمقراطية في بدايتها.
ملاحظاتنا على المادة الثالثة من الدستور هي التي برزت ووجدت تجاوباً شعبياً، كون هناك مفاهيم عند البعض قد لا تكون سليمة أو لا تصلح لمواجهة مستجداًت العصر هذه المفاهيم ليست ديناً والأصل العودة إلى المرجع الأصل، وهو كتاب الله وسنة نبيه، لكن المفاهيم تتغير من زمن إلى زمن، وكنا نعتقد ان عندنا من المفاهيم الإسلامية المعاصرة ما يمكنها أن تستوعب إلى حد كبير مستجداًت العصر ومتطلباته.
يوم الوحدة..لحظات ممتدة
نزلتم إلى عدن كيف وجدتم عدن يوم الوحدة؟
بعد وصولنا إلى مدينة عدن ذهبنا مباشرة إلى منطقة المعاشيق المخصصة للتوقيع على إعلان قيام دولة الوحدة، وأتذكر أننا يومها ظللنا ننتظر وجبة العشاء بعد وصولنا جائعين، وكان معنا الأخ محمد جباري الله يرحمه وكان يعرف عدن جيداً، فرتب لنا زيارة للعشاء في أحد مطاعم عدن، وللأسف لم يكن في المطعم ذاك سوى الفول والخبز الرشوش.
كانت الأجواء في ذلك اليوم مميزة والناس كلهم معتزون بها، حيث التقينا بالكثير من الشخصيات في عدن بينهم الدكتور ياسين سعيد نعمان، وكانت هذه المرة الثانية التي التقي بها بالدكتور ياسين بعد اللقاء الأول في تعز، وحصل نوع من الانسجام ربما كان عندهم صورة غير صحيحة عنا ونحن كذلك.
هل تذكرون لحظة رفع علم دولة الوحدة في 22مايو 90؟
ذكريات هذه اللحظة رائعة لأنه لا أحد كان يتصور أن يتم إنجاز الوحدة بهذه السرعة وبهذه الصورة، الناس كانوا قد ملّوا الحديث عن الوحدة وعن اللجان الكثيرة التي شكّلت خلال محادثات النظامين في القاهرة وطرابلس وفي داخل اليمن نفسه، لكن وبعد فترة بسيطة إذا الأمر تحول إلى دافع قوي لإعلان الوحدة، ولاشك أن يوم 22 مايو 1990 كان يوماًً تأريخياً بكل معنى الكلمة وليس مبالغة على الإطلاق.
هل التقيتم يومها بعلي سالم البيض؟
لا، كان من الواضح أن العلاقة كانت فوقية أكثر، كان هناك نوع من الفهم الخاطئ لبعضنا، لكن الطرفين، نحن وهم، كان لدينا استعداد للتقارب.
وحدة بلا ترتيب مسبق
22 مايو 1990 كان يوماًً تاريخياً لدى اليمنيين، لكن دولة الوحدة واجهت الكثير من الصعاب بعد ذلك التأريخ، برأيك هل كانت الفترة الانتقالية كافية بأن تزيل هذه الصعوبات التي اعترضت دولة الوحدة أم أنها عمقتها أكثر؟
أنا أتصور أن عدم الترتيب لمتطلبات الوحدة وعدم توفير هذه المتطلبات التي تضمن نجاح هذا الإنجاز الذي تحقق كان خطأ كبيراًً، لم يتم استحضار مخلفات التشطير سواء مخلفاته التاريخية أو الحديثة ووضع الحلول لكيفية تجاوزها، لم يكن هناك عمل استعدادي في الوضع الطبيعي، فبعد تحقيق الوحدة كان ينبغي استحضار كل المخاطر وسلبيات مخلفات التشطير، لكن يبدو أنه، وهو ما كان يشاع حينها، ان هناك تخوفاً لدى بعض الشرائح من أن الحزب الاشتراكي حزب منظم وانه دخل الوحدة ولديه استراتيجية واضحة، ومن ضمن هذه الإستراتيجية اعتقاده أنه أولى بإدارة دولة الوحدة في المقابل كان الطرف الثاني، وهو حزب المؤتمر الشعبي العام لم يصل في تنظيمه كحزب قائم على أسس حزبية كالحزب الاشتراكي، هذا جانب، الجانب الثاني أنه كان يلاحظ أن هناك اتجاهاً آخر يرى أنه الأولى بإدارة شؤون دولة الوحدة.
كل ذلك بالإضافة إلى التعامل اليومي وربما مخلفات محادثات الوحدة التي طالت جعلت كل طرف يختزن مجموعة من المفاهيم وبعضها كانت مفاهيم سلبية، يعني كان المفروض أن يعمل الطرفان كفريق واحد، لكن لا يمكن ان يعملا كفريق واحد إلا ضمن إستراتيجية وهذه الإستراتيجية تكون نتيجة لقناعة الجميع وأن يشعروا أنهم شركاء حقيقيين في المغرم والمغنم.
أعتقد أن هذه الإستراتيجية لم تكن موجودة لدى الحزبين، ونتيجة لهذا كان متوقعا أن تكون الاجتهادات مختلفة، وربما ان كل طرف وجد عوائق أمام ما يريد وبدلاً من أن يبحثاً عن طريقة لحل هذا الإشكال وإيجاد شراكة حقيقية ليس لهما ولكن لكافة القوى بحثاً عن الطريق الأسهل، كان كل طرف يهتم كيف يحافظ على قوته في المعادلة وبدأت قضية الشكوك تسود علاقاتهما إلى أن أخذت بعدها المعروف، والتي أدت إلى أزمة سياسية عميقة توجت بالحرب.
كان الدستور ينص على ستة أشهر انتقالية، لكنها لم تكن مزمنة، لهذا بدا الوضع يتدهور بشكل كبير وبدأت الخلافات تدب بين الشريكين، وبالرغم من أنهما كانا يحاولان أحياناً أن يلملما الأمور، إلا أن مصطلح "الصوملة" و "اللبننة" برز بقوة في تلك الفترة، لأنه عملياً كان هناك جيشان وحكومتان، فلم يتم دمج مؤسسات الجيش والأمن وعدد آخر من المؤسسات المدينة، ولهذا كان مبدأ التقاسم للسلطة هو الوضع السائد، وهو الذي كان يحكم البلد.
المعارضة الحقيقية كان لها دور جيد جداً، وقلنا:إنه لا حل سوى صناديق الاقتراع؛ وفعلا أخذنا هذا الاتجاه، وكان هناك تأييد شعبي، ووصل الأمر إلى درجة انه ليس هناك من حل إلا صناديق الاقتراع، وجاءت انتخابات 93 والتي أفرزت واقعاً جديداً، وقد أخذت هذه الانتخابات منا وقتاً طويلاً من الدراسة كحزب إصلاح، كنا نتساءل: أين المكان الأفضل لإسهامنا في معالجة الأوضاع في البلاد، هل بالمشاركة أم المشاركة في السلطة عن طريق التحالف الثلاثي الذي ضم حزب المؤتمر الشعبي العام والحزب الإشتراكي، بالإضافة إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح.
والذي رجح مشاركتنا في هذا الائتلاف هو أننا كنا قطعنا شوطاً كبيراً في إزالة مخلفات الماضي في علاقاتنا مع الحزب الإشتراكي، لأننا كنا نعتقد أن الحزب الاشتراكي يمثل ضمانة للوحدة، كما كانت عندنا خشية أن يصل الحزب إلى درجة تجعله يندم على اندفاعه نحو الوحدة، وقتها لم نصل إلى درجة الاعتقاد أنه قد يفكر في الانفصال، لكننا كنا نخشى من انقلاب عسكري وكانت هناك مؤشرات لهذا.
هل تقصد انقلاباً عسكرياً من قبل الحزب الاشتراكي اليمني؟
لا، لكن كانت هناك أجواء غير طبيعية داخل الجيش نفسه لأن الأوضاع كانت سيئة جداً اقتصادياً وخدمياً وشعبياً، كانت هناك عدة مرجحات لذلك، حتى عندما عملنا الدراسة بشأن مشاركتنا في الإئتلاف من عدمه، كنا نقارن سلبيات المشاركة وسلبيات المعارضة، ولم يكن أمامنا من خيار إلا ان نختار الخيار الأقل كلفة، لأن كل الخيارات كانت مكلفة، فالجلوس في المعارضة مكلف وفي السلطة مكلف أيضاً، كنا نفكر في كيف يتم ترسيخ الوحدة وعدم وجود نتوءات تغري من قد يضيق بالواقع الذي وصل إليه الحال في البلاد، كان هدفنا هو في كيف نحول دون تفكك عرى الوحدة من جديد وإمكانيات التفكك لاتزال قائمة، فقد كان يومها لايزال هناك جيشان ومؤسستان أمنيتان، وكنا نخشى أن نكون عاملاً من عوامل تخويف الحزب الاشتراكي، وكنا نخشى أن يصل هذا التخويف إلى درجة من اليأس من قضية استمرار الوحدة.
وفعلاً فإن ما ساد بيننا والحزب الاشتراكي من التفاهم أثناء الحديث عن ائتلاف كان كبيراً جداً، وتوصلنا إلى وثيقة الائتلاف التي اعتبرها شخصياً من الوثائق المهمة في تاريخ اليمن وتعطي مؤشرات كيف كان الناس يفكرون، ولو انه تم الالتزام بتلك الاتفاقية لكان ذلك شكّل مخرجاً لما وصلت إليه الأوضاع الفترة الانتقالية.
وأتذكر أنه عندما جاءت مناسبة رأس السنة الهجرية قدم علي سالم البيض للهيئة العليا لحزب التجمع اليمني للإصلاح دعوة للغداء ضمت من جانبهم أعضاء المكتب السياسي للحزب الاشتراكي؛ فذهبنا أنا والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله إلى منزل البيض الذي شيدوه له بالقرب من القصر الجمهوري وكان من ضمن ما طرح يومها أن تحقيق هذا الائتلاف لا يقل أهمية عن تحقيق الوحدة نفسها، وانه من واجبنا كإصلاح وحزب اشتراكي ان نرفع من مستوى العلاقة بين أعضائنا إلى المستوى الذي وصلت إليه العلاقة على مستوى القيادة، أي المكتب السياسي والهيئة العليا، ولم يمر أسبوع إلا وعلي سالم يدعونا مرة أخرى لتناول الغذاء بعد عودته من رحلة إلى الولايات المتحدة، وكان التواصل يهدف إلى كيف نزيل العقبات والصعوبات بين الحزبين، خاصة في ظل المسؤولية التي فرضها الائتلاف الثلاثي والأوضاع التي خلفتها الفترة الانتقالية.
كيف تصفون أجواء ما قبل اندلاع حرب صيف 1994 والأزمة السياسية التي رافقتها؟
أنا أميل إلى أن الحديث عن الملابسات التي أدت إلى الحرب تكون موضوعاً من المواضيع التي يمكن أن يتم النقاش حولها بقصد الاستفادة منها وليس فتح الجراح، أتصور أن هذه الملابسات يفضل أن تكون محل نقاش مسؤول بعيداً عن الحساسيات، أي تكون نوعاً من توثيق الحقائق والحيلولة دون بعض الاجتهادات في تحليل تلك الفترة التي بدلاً من ان يستفاد منها ربما تؤدي إلى نكئ الجروح التي لسنا في حاجة إليها اليوم.
كيف وجدتم أنفسكم في يوم إعلان الانفصال؟
ما اتضح من معلومات غيّرت من النظرة التي كانت موجودة في حينها ولاسيما انه لم تكن هناك الشفافية التي تجعل الأمور بشكل واضح، كانت الكثير من الأمور تأتي بشكل مفاجئ، بعد الحرب اتضحت بعض الأمور، مع ان الانفصال بكل المقاييس لم يكن حلاً أبداً، وأعتقد انه لو تم الانفصال لكان اليمن في وضع أسوأ.
أين كنت في ذلك اليوم؟
أذكر يومها أننا كنا في دار الرئاسة مع عدد من قيادتي حزب المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح.
هل برأيك عجّل إعلان الانفصال في حسم الحرب؟
في تصوري أن الذي عجل بحسم الحرب هو ان الشعب اليمني كان قد ضاق من الفترة الانتقالية؛ فجاءت قضية الانفصال لتعبر عن عمق هذه الأزمة؛ فالاندفاع الشعبي لحماية الوحدة لم يكن فقط لشعور الناس بخطورة الانفصال فقط بين شمال وجنوب فقط، بل شعور بأن البلاد بكاملها ذاهبة إلى تمزق وتشظى لأن الفترة الانتقالية أنعشت، مع الأسف، الكثير من الظواهر التي كان النظامان قد قضيا عليها منذ ما بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 وإقامة النظام الجمهوري في الشمال وثورة 26 سبتمبر 1963 ثم استقلال الجنوب عام 1967، مثل قضية المناطقية والقبلية.
لذلك فإن الاندفاع الشعبي لحماية الوحدة وإنهاء الحرب كان من العوامل الأساسية التي أدت إلى وقف الحرب، بالإضافة إلى رغبة الشعب اليمني في الخروج من الأزمة وأن هذه المؤامرة ستكون آخر المطاف في الأزمة، وسيدخل الناس في وضع جديد، ولم تعد هناك مبررات لتقاسم بل إلى التحام القوى السياسية ببعضها البعض.
العامل الثاني كان على ما يبدو الحماس الذي أبدته بعض دول الإقليم لمشروع الانفصال، فهذا حفز الناس لأن يتمسكوا بالوحدة أكثر.
الإصلاح وانسحابه من السلطة
بعد الحرب أقيم تحالف بين حزبي المؤتمر والتجمع اليمني للإصلاح ما لبث أن انتهى بعد عامين أو ثلاثة، لماذا؟
وقفنا في حزب التجمع اليمني للإصلاح بعد انتخابات 93 نفس الوقفة التي وقفناها بعد انتخابات عام 1993، ودرسنا ما هو الأقل سلبية في المسألة كلها، هل الاستمرار في ائتلاف جديد، وهو إئتلاف ثنائي مع حزب المؤتمر أو الانتقال إلى المعارضة أو انتخابات مبكرة، وتبلور عندنا في الأخير رأي مفاده أن سلبيات المشاركة أو الاستمرار في الائتلاف رغم أنه كان هناك بوادر غير مشجعة أفضل من المقاطعة، كنا نقول: إنه أصبح هناك إمكانية اكبر لإصلاح الأوضاع والأجواء موفرة لأن يحدث تغيير حقيقي للسير بإدارة البلد بطريقة مستفيدة من الماضي والذي أدى إلى الحرب، كان لدينا هذا الأمل، كما فكرنا ان الأجواء كانت في ذلك الوقت غير مهيأة لإجراء انتخابات مبكرة.
هل تعتقدون أن هذا القرار كان صائباً بمنظار اليوم؟
هو صحيح في ذلك اليوم، لأنه كان أقل تكلفة، وليس صحيحاً بالمعنى الحرفي.
عشرون عاماً من الوحدة مر خلالها اليمن بالكثير من العواصف والتحالفات كيف تقيم هذه السنوات، هل حقق اليمنيون ما كانوا يصبون إليه أم أنهم أخفقوا؟
كون الوحدة مستمرة حتى اليوم على الرغم من كل ما كان يمكن أن تتجنبه البلاد يعتبر مكسباً ودليلاً على أن الشعب اليمني متمسك بالوحدة، في رأيي هذا مكسب لأن الطريق الذي سارت فيه السياسات أو الإدارة التي أديرت بها شؤون دولة الوحدة لو لم يكن هناك رصيد أو مقومات أساسية هي في عمق الشعب اليمني كانت كفيلة بأن تزهد الناس في الوحدة.
هل تشعر بالخوف اليوم على الوحدة من أية انتكاسات ؟
نتيجة للمرحلة التاريخية التي نمر بها في اليمن كغيرنا من بلدان المنطقة لاتزال مسؤولية السلطة هي مسؤولية تاريخية في الحفاظ على الوحدة.
برأيك، هل خروج الناس في بعض مناطق المحافظات الجنوبية إلى الشارع هو خروج ضد الوحدة أم للحصول على مطالب؟
ما يحدث في المحافظات الجنوبية انه وجدت أجواء أو فضاءات جديدة نتجت عن تشكيل تكتل اللقاء المشترك ومشاركته في انتخابات الرئاسة والدور التوعوي الذي قام به اللقاء المشترك من خلال ممثليه في انتخابات الرئاسة، هذا أوجد فضاءات دفعت البعض في المحافظات الجنوبية إلى الخروج إلى الشوارع.
هذه التحركات تلقائية وطبيعية، وعدم إيجاد الحلول لها، زاد الناس يأساً، ولا شك أن هناك جهات استغلت الشعور بالظلم عند هؤلاء ووجدت فرصة لمن يركب الموجة ويحاول أن يتجه بها في اتجاه آخر.. لو أتيحت فرصة لمناقشة هذه المطالب بشفافية قد أتصور أنه حتى الذين يتحدثون عن الانفصال اليوم أو "فك الإرتباط" سيكون لهم نفس الحجج المقنعة بأن الانفصال يشكل حلاً.