دان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اليوم الأربعاء مشروع مجموعة أمريكية بإحراق مصاحف، معتبراً أن مثل هذه الأعمال لا يمكن أن تحظى بدعم "أي ديانة".
وقد دان الرئيس اللبناني ميشال سليمان اليوم الأربعاء 8-9-2010 عزم كنيسة أمريكية معادية للإسلام إحراق مصاحف السبت لمناسبة ذكرى اعتداءات 11 سبتمبر 2001، معتبراً ذلك "مناف لتعاليم الديانات السماوية".
واستهجن سليمان، بحسب ما جاء في بيان صادر عن مكتبه، "ما أعلنته مجموعة دينية في الولايات المتحدة عن نيتها إحراق نسخ من القرآن الكريم على الملأ"، معتبراً ذلك "منافيا بصورة صارخة لتعاليم الديانات السماوية السمحاء ويتناقض كليا مع منطق حوار الحضارات والأديان والثقافات". ودعا إلى "التبصر ملياً في التعاليم المسيحية والمفاهيم الإنسانية التي تشدد على محبة الآخر واحترامه".
تفرقة بين المسلمين والمسيحيين
وفي سوريا دان المسيحيون دعوة قس الكنيسة الأمريكية البروتستانتية إلى إحراق المصحف في كنيسته واعتبروها معادية للإسلام، معتبرين أن دعوته هذه تهدف إلى التفرقة بين المسلمين والمسيحيين، وترتبط بحملات "صهيوينة"، كما ذكر مصدر رسمي الأربعاء.
ونقلت صحيفة تشرين الحكومية عن النائب البطريركي العام في دمشق للروم الملكيين الكاثوليك المطران جوزيف العبسي وصفه لهذا التصرف "بالمخزي"، معتبراً القس صاحب هذه الفكرة إنسانا "ليس عاقلاً، وما يقوم به عمل شيطاني، لأن أبسط قراءة للإنجيل ترفضه".
وأشار المطران العبسي إلى أن تصرف القس تيري جونز يدل على عدم معرفته بالقرآن، موجهاً إليه دعوة لزيارة سوريا "ليعرف حقيقة الإسلام".
وأكد المطران أن "هذه الجماعات التي تطلق دعوات كهذه، وهدفها الإيقاع بين الإسلام والمسيحية، لم تأت منفردة؛ بل يوجد رابط معها مع الحملات الأخرى التي تقودها الصهيونية".
بدوره اعتبر الوكيل البطريركي لبطركية الروم الأرثوذكس المطران غطاس هزيم أن جونز "لا يمثل المسحية وإنما شخصه" معتبراً أن الذين يريدون استفزاز الناس "هم أعداء المسيحية أولاً والإسلام ثانياً".
وتابع "ما من مستفيد في هذه المنطقة تحديداً إلا إسرائيل التي تريدنا على خصام وتقاتل"، داعياً القس إلى اختبار "الروحانية الشرقية المتأثرة فيها كل الديانات الشرقية بما فيها الإسلام".
من جهته اعتبر مدير الديوان البطريركي للسريان الأرثوذكس المطران جان قواق أن "ليس كل شخص تحدث أي كلمة يمثل المسيحية، فالمسيحية لها مرجعيات ومجالس".
وناشد قواق كل مسلم في سوريا "ألا يحكم على المسيحيين من تصرفات أناس غير مسؤولين (...) والذي أخشاه أنهم مدفوعون من الصهيونية العالمية".
بدوره اعتبر المسؤول في الطائفة المارونية في دمشق الأب طوني دورة أنها "دعوة لإثارة الفتن، ملبية بذلك رغبة من ابتدعوا هذه الجماعات وهي الصهيوينة العالمية لتشويه صورة المسيحية في عيون المسلمين، ودفع ذوي الحمية والبساطة من اخوتنا المسلمين وإقحامهم في ردود أفعال تشوه صورة الإسلام في نظر العالم".
وعبر نائب رئيس المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية في سوريا ولبنان القس صموئيل حنا عن "سخط واستنكار" الكنائس الإنجيلية في الشرق الأوسط "للفكر الذي يطلقه هذا القس"، معتبراً أنه "عمل لا يمت إلى المجتمعات المتمدنة ولا حتى البدائية".
ووصف تصريحات جونز بأنها "غير إنسانية وغير أخلاقية"، معتبراً هذا العمل "يثير النعرات الطائفية والدينية في المجتمعات الإنسانية".
كما دان رئيس طائفة الأرمن في سوريا ورئيس المجلس العالمي للأرمن البروتستانت القس هارونيون سليميان "هذا العمل اللامسؤول"، معتبراً أن مخطط جونز "عمل أخرق يعبر عن حقد أعمى".
ووجه راعي كنيسة دمشق للروم الكاثوليك الأب إلياس زحلاوي رسالة إلى القس جونز يسأله فيها "عن أهداف الدعوة التي أطلقها"، مخاطباً إياه "تعال إلى دمشق لأجعلك تعيش خبرة ما كانت تخطر لا ببالك ولا ببال جميع كنائس الغرب وأساقفته وكهنته وقساوسته".
الفاتيكان يعتبرها إهانة
من جهته أعلن المجلس البابوي للحوار بين الأديان التابع للفاتيكان في بيان الأربعاء أن مشروع القس الأمريكي "تيري جونز" لإحراق المصحف سيشكل "إهانة خطرة إزاء كتاب مقدس بنظر أتباعه". وقال المجلس البابوي أنه "تلقى بقلق كبير خبر مشروع "يوم إحراق نسخ من القرآن" في 11 سبتمبر".
وأضاف "لا يمكن معالجة أعمال عنيفة تدعو إلى الأسف" على غرار اعتداءات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، بمشروع مماثل لمجموعة مسيحية متطرفة في فلوريدا.
وشدد المجلس على أن "كل ديانة مع كتبها المقدسة وأماكن عبادتها ورموزها، لها الحق في الاحترام والحماية". وتابع إن "هذا الاحترام ينبع من كرامة الأشخاص المنتمين إلى هذه الديانة وخيارهم الحر على الصعيد الديني".
واعتبر المجلس البابوي أن "جميع المسؤولين الدينيين وجميع المؤمنين مدعوون إلى تجديد إدانتهم الشديدة لأي من أشكال العنف وخصوصاً ذلك الذي يرتكب باسم الدين".
وكانت صحيفة "أوسرفاتوري رومانو" الناطقة باسم الفاتيكان نقلت الأربعاء عن أسقف لاهور ورئيس المجمع الأسقفي الباكستاني لورانس جون سالدانها قوله: "نندد بشدة بهذه النية وهذه الحملة التي تتعارض مع الاحترام الواجب لكل الديانات وتتعارض مع عقيدتنا وإيماننا".
كنيسة ألمانيا: هذا استفزاز
وفي ألمانيا قوبلت خطط حرق القرآن في ولاية فلوريدا الأمريكية، بانتقادات شديدة من قبل مسؤولين مسيحيين ويهود. ووصفت الكنيسة الإنجيلية في ألمانيا خطة حرق القرآن في الذكرى التاسعة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر بأنها "استفزاز لا يمكن تحمله" وأكدت أنها تنأى بنفسها عن هذا التصرف المستفز.
وقال القس مارتين شنايدهوته اليوم الأربعاء في هانوفر: "إن حرق نسخ من القرآن لا يتفق مع قيم المسيحية، ولا يساهم بأي طريقة في حل المشكلات وخلق الثقة". مشيراً إلى أن القيام بمثل هذا العمل في وقت يتزامن مع احتفالات المسلمين في العالم بعيد الفطر لن يساعد في حدوث التفاهم بل سيعطي بيئة خصبة للمتطرفين.
وأكد شنايدهوته على ضرورة احترام الكتب المقدسة لأصحاب الديانات الأخرى ولا سيما في دولة مثل الولايات المتحدة التي يستند تاريخها على حرية المعتقدات الدينية.
من جهته أعرب المجلس الأعلى لليهود في ألمانيا عن صدمته من خطط حرق نسخ من القرآن في الولايات المتحدة. وقالت رئيسة المجلس تشارلوته كنوبلوخ اليوم في ميونيخ: "هذا التصور مفزع ويمثل خرقاً واضحاً". ذكرت في الوقت نفسه بعملية حرق الكتب التي نفذها النازيون عام 1933.
واستشهدت كنوبلوخ بكلمة للشاعر الألماني هاينريش هاينة تقول فيها: "أينما تحرق الكتب، يُحرق البشر في النهاية أيضا".
وشددت كنوبلوخ على أهمية عدم السماح بسيطرة سياسة الكراهية وجعلها تنجح في النهاية معربة عن أملها أن تكون الغلبة في النهاية للعقل ولروح الحرية.
الاتحاد الأوروبي يُدين
وفي ذات السياق قالت متحدثة باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون الأربعاء: "إن الاتحاد يدين الدعوة التي أطلقتها كنيسة أميركية معادية للإسلام في فلوريدا لإحراق مئات المصاحف السبت.
وصرحت المتحدثة للصحافيين أن "الممثلة العليا (أشتون) تحترم كافة المعتقدات الدينية، وهذا العمل غير صائب"، في إشارة إلى إعلان قس أمريكي خطته حرق مئات المصاحف في ذكرى هجمات 11 أيلول(سبتمبر) 2001.
وعززت السلطات الأمريكية إجراءات الأمن في مدينة جينزفيل بولاية فلوريدا، وهي المدينة التي تشهد خطة مثيرة للجدل من جانب قس مغمور ينوي حرق نسخ من المصاحف، وذلك يوم السبت الذي يوافق الذكرى التاسعة لهجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) على الولايات المتحدة عام 2001.
وكان القس تيري جونز من مركز "دوف وورلد أوت ريتش"، أعلن أن يوم السبت سيكون "يوماً عالمياً لحرق نسخ من المصحف"، مما أثار انتقادات واسعة من البيت الأبيض وزعماء دينيين من جميع الديانات في أنحاء الولايات المتحدة.
وقال مدير الاتصالات بالمدينة بوب وودز: "لضمان السلامة العامة فإن مدينة جينسفيل تراقب الوضع عن كثب مع وضع خطط تضم مجموعة واسعة من خطط الطوارئ". ولم يذكر تفاصيل أخرى عن الإجراءات الأمنية المخطط لها، مشيراً إلى مخاوف أمنية.
وتحظر عمليات الحرق في العراء وخارج المنازل بمدينة جينسفيل وتحتاج إلى تصريح. وقال وودز لوكالة الأنباء الألمانية إن إدارة مكافحة الحريق رفضت منح جونز هذا التصريح. وفي حال مضي جونز قدماً في خطة حرق المصاحف، فإنه بذلك ينتهك أنظمة المدينة.
وأضاف وودز أن مسؤولي المدينة التقوا كثيراً مع ممثلين عن مركز دوف لإلغاء الخطة.
وقال عمدة المدينة كريج لو، في بيان، "أدين السلوك العدواني الموجه إلى جيراننا المسلمين وأصحاب العقيدة الإسلامية في أنحاء العالم... جماعة دوف مجموعة متطرفة صغيرة وتسبب الحرج لمجتمعنا".
الشارع الأمريكي غاضب
من جانب آخر، سجلت "العربية.نت" ردود أفعال مسلمين أمريكيين في مركز دار الهجرة في ولاية فرجينا، ودار الهدى في مدينة مناسس الأمريكية، ومسجد البيت المكرم، والمركز الإسلامي في واشنطن ومسجد الهجرة الأولى في منطقة واشنطن دي سي.
وقال الشيخ إحسان محمد لـ"العربية.نت": "باختصار شديد، تيري جونز يريد أن ينصب نفسه حاكماً على النوايا في الأرض, أنا أقسم بالله وأنا صائم، لو وقع بيدي كتاب الإنجيل الآن لرفعته إلى مكان طاهر نظيف، لأنه لا يكتمل عندنا إسلامنا إلا إذا آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خير وشره".
وتابع الشيخ إحسان قائلاً: "حرق نسخ من المصحف لا يحسبه تيري جونز هو خير له بل هو شر له، فأحسب أن هذا الرجل باء بغضب الناس في الولايات المتحدة الأمريكية قبل غضب الله الجبار الكبير، لو كان يعقل ويعلم قدرة الله على خلقه".
أما الشاب الأمريكي الأسود جيررد فيلر (31 عاماً)، وهو من أصول أمريكية وقد اعتنق الإسلام قبل شهرين، فيقول لـ"العربية.نت": والله إن المقصود بحرق نسخة من المصحف هو الرئيس أوباما لقصد إحراجه بحجة سعة الحرية والتعبير عن الرأي، وأن يصنع الأمريكي ما يشاء في بلد رمزه تمثال الحرية المزعوم، لكي لا تجدد ولايته للرئاسة ثانية ونحن في أجواء انتخابات".
وتابع فيلر الذي سمى نفسه يوسف قائلاً: "أخبروني الشباب الذين معي أن للبيت رب يحميه، وأقصد الكعبة الشريفة في مكة المكرمة، وللقرآن منزلة عظيمة لن يحتاج لجهد مسلم كي يدافع عنه، لكن نحن ننصر ديننا بالرفض والشجب والاستخفاف بأفكار المتطرفين سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، كما أرى أن تيري جونز اليوم متطرف تجاوز كل حدود اللياقة في التعامل مع من يشاركوه حب بلادهم من المسلمين".
أما محمد أمين، وهو مسلم باكستاني (22عاماً) فقد أخبر "العربية.نت" قائلاً: "أريد أن أتحدث بوضوح، أن نسخة المصحف الذي يريد أن يحرقها تيري جونز يعلمنا أن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خائبين خاسرين مدحورين، وليس هناك مقارنة بين فرعون وجنوده وبين هذا القس المغمور، الذي لا يتعدى أنصاره 100 شخص".
واستطرد بالقول: "أخشى أن تجلب فعلة جونز الويلات ويقتل الحوار الذي ينمو يومياً في الولايات المتحدة بين الأديان والأعراق والأفكار بسلاسة".
وفي كلمة له خص بها "العربية.نت" قال المواطن الأمريكي من أصول عربية جلال إسماعيل، وهو حافظ للقرآن الكريم عن ظهر قلب، "يحاول تيري جونز وأتباعه حرق أوراق المصحف، لكن لا سبيل لهم إلى حرق القرآن في قلبي, والله سيطفئ ما أوقدت أفواههم من نيران الكلام الحاقد والفعل المشين".
أما المواطنة الأمريكية سندس إسماعيل (44 عاماً)، وهي من أصول عربية تونسية، فقالت: "يا أخي، أريد أن أسأل هذا القس، هل سمع تيري جونز في دولة إسلامية أنه تم حرق إنجيل أو توراة؟ هل سمع أن المسلمين حرقوا تلموداً أو كتاب الوصايا العشر؟ هل سمع أن المسلمين أقدموا على إقامة تجمع للاحتفال والتباهي بحرق مقدس مسيحي؟".