قبل عام من الآن ولذات المناسبة، توقعت أن يكون عام 2010م هو عام المواجهة المفتوحة بامتياز مع تنظيم القاعدة، وقد كان كذلك بالفعل، بل وأكثر من ذلك، فرغم سخونة الملفات الاخرى كالحرب السادسة مع الحوثيين وتصاعد الاحتجاجات الجنوبية، تصدر ملف القاعدة والحرب على ما يسمى الارهاب الاحداث خلال عام 2010م بشكل مثير وغير مسبوق.
والسبب يعود طبعا إلى الضربات الجوية المفاجئة التي اختتمت بها السلطات الأمنية عام 2009م. فقد شن الطيران الجوي في 17 ديسمبر من ذلك العام هجمة مزدوجة ضد عناصر مفترضة للقاعدة في منطقة أرحب بمحافظة صنعاء ومنطقة المعجلة في محافظة أبين، وأدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى الأبرياء، وبعدها بأسبوع، قام الطيران بغارة مماثلة على محافظة شبوة، ثم بعدها بساعات، كاد الشاب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب أن يفجر طائرة ركاب أمريكية فوق مدينة ديترويت.
وجذبت هذه العملية أنظار العالم نحو اليمن، ونقلت تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي اتخذ اليمن مقرا ومنطلقا له، من اطاره المحلي والاقليمي إلى الاطار العالمي، حيث تحركت واشنطن ولندن في حشد الجهود الدولية لتقرير مستقبل البلاد، وتأكدت المعلومات من خلال العديد من المؤشرات بما في ذلك وثائق ويكيليكس الاخيرة أن أمريكا فتحت جبهة حرب ثالثة وغير مرئية في اليمن بعد العراق وافغانستان.
ويمكن الوصول إلى هذه النتيجة بسهولة: ان كل الاحداث والمواجهات الكبرى خلال عام 2010م، لم تكن سوى مجرد صدى أو تداعيات لحادثة الشاب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب وتلك الضربات الجوية على منطقة أرحب وأبين وشبوة.
وافتتح العام على وقع الدعوة الشهيرة التي أطلقها رئيس الوزراء البريطاني السابق جوردون براون بعقد مؤتمر دولي بخصوص اليمن في لندن، وهو ما أثار عاصفة من الجدل والتحليلات المتباينة، وفيه تقرر اشراك المجتمع الدولي والاقليمي للتعامل مع مجموعة من التحديات والمشاكل اليمنية.
وزادت الولايات المتحدة الأمريكية حجم مساعداتها التنموية والأمنية المخصصة من 70 مليون دولار إلى أكثر من 150 مليون دولار. وتوعد الرئيس الأمريكي بمعاقبة من خططوا للهجوم على الطائرة الاميركية. وقال في اشارة إلى هجمات أبين وشبوة التي سبقت حادثة ديترويت، لقد "تم ضرب معسكرات تدريب وتصفية زعماء واحباط مؤامرات وعلى كل المتورطين في محاولة الاعتداء يوم عيد الميلاد ان يعرفوا انهم سيحاسبون هم ايضا".
وتعجلت صنعاء على ما يبدو الترحيب بمؤتمر لندن، حين اعتبرته "خطوة بالاتجاه الصحيح لحشد الجهود الدولية لدعم اليمن في المجال التنموي وتعزيز قدراته في مكافحة البطالة والتخفيف من الفقر". لكن أصداء الدعوة البريطانية، أثارت مخاوف في بعض الاوساط العربية والمحلية من التدخلات الغربية، مادفع المصادر الرسمية إلى التوجس واعلان الرفض التام لأي تدخل عسكري أجنبي في الاراضي اليمنية.
وامتدادا لتلك المخاوف والهواجس، اجتمع نحو 150 عالما، وهددوا في بيان لهم بالدعوة إلى الجهاد في حال حصول اي تدخل عسكري اجنبي في البلاد.
وحاولت السلطات الرسمية مرارا الايحاء بقدرتها على مواجهة القاعدة منفردة ودون الحاجة سوى للدعم المالي والاجهزة والمعدات، وقد أعلنت منذ بداية العام، شن حرب مفتوحة مع عناصر القاعدة اينما وجدت وفي اي منطقة كانت.
وتكرر هذا التأكيد في معظم المواجهات المعلنة لاحقا، حيث أعلن في وقت مبكر من العام، مقتل من وصف بزعيم القاعدة في محافظة شبوة "عبد الله المحضار"، الا أن مصادر صحفية بريطانية علقت ساخرة بعد لقاءات مع مواطنين من شبوة بالقول أن المحضار انتمى للقاعدة بعد موته.
كما أعلنت المصادر الأمنية مقتل ستة من عناصر تنظيم القاعدة، بينهم قائد العمليات العسكرية، قاسم الريمي، في ضربة جوية على منطقة تقع بين محافظتي صعدة والجوف. لكن تنظيم القاعدة فاجأ السكان المحليون في محافظة مارب بعد يوم واحد من ذلك الاعلان الرسمي، وأقام احتفالا ومأدبة غداء في منزل أحد قيادات التنظيم بمناسبة نجاة قيادييه الذين استهدفهم القصف.
ومرة أخرى، عادت التأكيدات الرسمية وتضاربت الانباء حول مقتل "عائض الشبواني" للمرة الثالثة عقب خمس غارات جوية معلنة على منزله ومزرعته في محافظة مارب، وهو ما أثار حفيظة القبائل، لكن اتضح لاحقا نجاته من تلك العمليات المعلنة.
وتكرر ذلك مع المطلوب حيا أو ميتا للسلطات الأمريكية، أنور العولقي بعدما ترددت أنباء شبه رسمية عن مقتله في القصف الذي استهدف منطقة رفض بمحافظة شبوة نهاية عام 2009م، لكنه ظهر على قناة الجزيرة، نافيا الرواية الحكومية، وقال إنه لم يكن أصلا بالمنطقة التي طالها القصف.
وظهر الرجل الثاني في تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، سعيد الشهري، مؤكدا نجاته من تلك الغارة.
ومضى الشهري المدرج على قائمة المطلوبين الـ85 للسعودية، يشرح ما قال إنها خطة "العدوان الصليبي"، معتبرا المؤتمرات الدولية التي تعقد من أجل اليمن في لندن أو الرياض بأنها مؤتمرات "صليبية تآمرية" وأنها تسعى لمنع "المجاهدين" من السيطرة على المضائق البحرية، خصوصا باب المندب الذي اعتبره شريان الأمن الإسرائيلي.
وردا على تهديدات القاعدة باستهداف مضيق باب المندب، وصفت وزارة الداخلية هذه التهديدات ب"الفقاعة". وأكدت في بيان لها أن تلك التهديدات لن تخيف الحكومة وأنها ستواصل ضرب أوكار التنظيم أينما وجدت.
وفي منتصف شهر مارس، قال مدير الأمن العام في محافظة أبين العقيد عبد الرزاق المروني أن زعيم تنظيم القاعدة في المحافظة "جميل العنبري" و"سمير الصنعاني" و"أحمد امزربة" قد قتلوا في الغارة الجوية التي استهدفتهم بمديرية مودية.
لكن أحد الذين تم الاعلان عنهم، وهو "أحمد امزربة"، تفاجأ بذلك التصريح، وقال "كدت أجن حين سمعت نبأ مقتلي في تلك الغارة، وضحكت فور سماعي التأكيد على انه تم التعرف على جثتي". ورغم التأكد من مقتل العنبري في بيان للقاعدة، مضى "أحمد أمزربة"، قائلا أن وزير الدفاع زاره شخصيا في منزله وحل عليه ضيفا وقدم له اعتذارا نيابة عن السلطات عما تسبب له ذلك الخطأ غير المقصود.
اغتيال الشبواني ونجاة السفير البريطاني
السفير البريطاني السابق لدى صنعاء "تيم تورلوت" كان على موعد مع القدر صبيحة يوم 26 ابريل الماضي بعد نجاته من هجوم استهدف موكبه بصنعاء، وأسفر الهجوم عن إصابة ثلاثة أشخاص، بالإضافة إلى مقتل منفذ الهجوم" عثمان الصلوي"، وقد أعلنت القاعدة مسؤوليتها عنه، واتهمت السفير البريطاني بقيادة الحرب على المسلمين في جزيرة العرب نيابة عن دولته.
ورغم اعتراف وزير الخارجية الدكتور أبو بكر القربي بأن اليمن قد يراجع أساليبه في مواجهة القاعدة بعد الغارة الجوية التي اودت بحياة نائب محافظة مارب وأمين عام مجلسها المحلي "جابر الشبواني" وعدد من رفاقه في 25 مايو الماضي، الا أن الاخطاء تكررت تباعا.
ويعتقد ان الشبواني قتل بطائرة أمريكية من دون طيار، حيث ادت تلك العملية التي لم يكشف النقاب عن تفاصيلها، رغم الاعلان الرسمي في حينه عن تشكيل لجنة للتحقيق قي ذلك، إلى نشوب مواجهات بين القوات الامنية ورجال القبائل في وادي عبيدة، وقد تعرض انبوب النفط للتفجير أكثر من مرة.
وتجددت الاشتباكات بصورة أعنف بعد مقتل العقيد "محمد صالح الشائف" واثنين من مرافقيه في هجوم نسب للقاعدة، وهو ما نفته في بيان لها. وقالت مصادر محلية ان منزل "حسن العقيلي" المتهم بمقتل الشائف، قد دمر بالكامل في تلك المواجهات التي اسفرت أيضا عن قتلى وجرحى.
وفي بيان القاعدة حول الواقعة، اعتبر البيان بأن اتهام القاعدة بقتل الشائف هدفه "زرع الفتنة" مع القبائل. واتهم في ذات الوقت الحكومة بقتل جابر الشبواني عبر الاستعانة بطائرة اميركية. وحرض البيان القبائل على الحكومة.
وفي هذه الاثناء، برزت عدن للمرة الاولى في هجمات القاعدة الجديدة، حيث استهدف هجوم هو الأكثر دموية مبنى الأمن السياسي في المحافظة. وبخلاف تأكيد المصادر الامنية عن مقتل 11 شخصا من جنود وحراس المبنى، الا أن بيان القاعدة أشار إلى مقتل 24 شخصا ممن وصفهم ب" ضباط وجنود ومجندات الأمن السياسي الذين يداهمون وينتهكون حرمات الديار".
ورجح مراقبون بأن ذلك الهجوم الدراماتيكي والشبيه بأفلام العنف الهندية، حسبما أكدته مصادر متعددة وكذلك بيان القاعدة، قد جاء لصرف الانظار عن العمليات المكثفة على محافظة مارب واثارة قبائلها ضد عناصر القاعدة.
وهو ما تبين لاحقا من خلال بيان التنظيم حول تلك العملية التي قال بأنها جاءت ردا "على العدوان الغاشم الذي طال أهلنا في ولاية مارب وأتى متعمدا واذلالا للقبائل بحجة محاربة الارهاب".
وتبنى التنظيم الهجوم المزدوج على مبنى الامن السياسي والامن العام في محافظة أبين في 14 يوليو الماضي. وادى ذلك إلى مقتل ثلاثة من عناصر الشرطة واحد المهاجمين من القاعدة. وأرجع ذلك الهجوم إلى ما اعتبره الرد على مقتل "امير المجاهدين في ولاية ابين جميل العمبري ورفيق دربه فواز الصنعاني".
كما أعلن مسؤوليته عن استهداف دورية عسكرية بمحافظة شبوة في 26 يوليو، ومقتل 6 من أفراد الأمن، مهددا بشن المزيد من الهجمات ضد أهداف حكومية.
وفي اغسطس وسبتمبر، شنت السلطات الأمنية أهم حملتين شهدها العام 2010م في المناطق الجنوبية، الاولى كانت في منطقة لودر بمحافظة أبين، وخلفت، طبقا لمصادر متعددة نحو 33 قتيلا من جنود الامن وعناصر القاعدة. والثانية في حوطة شبوة. غير ان اللافت في تلك الحملتين هو تشابه نفس الخطاب السياسي والاعلامي الرسمي في تحدي القاعدة، بينما لم تسفر النتائج عن مقتل أو اعتقال أيا من قيادات القاعدة المشهورة والمعروفة.
وبحسب بيان لتنظيم القاعدة، جاء فيه أن المواجهات التي دارت بين قوات الأمن والتنظيم في منطقة لودر أواخر أغسطس أسفرت عن مقتل حوالي خمسين جنديا ولم تسفر عن سقوط أي قتيل في صفوف التنظيم، بينما كانت الحصيلة الرسمية تشير إلى مقتل 11 جنديا و19 عنصرا من القاعدة إضافة إلى ثلاثة مدنيين.
واشارت تقارير محلية إلى أن سكان "لودر" والذين يقدر عددهم بأكثر من 80 ألف نسمة، نزحوا عنها جميعا إلى المدن المجاورة. وتحولت، طبقا لتلك التقارير، إلى "مدينة أشباح" بعد أن هجرها السكان.
وبنفس الطريقة تقريبا، انتهت معركة الحوطة في محافظة شبوة بعد اسبوع من المواجهات المعلنة، حيث ذكرت المصادر الرسمية تطهير المدينة من عناصر القاعدة وسط شكوك قبلية ومحلية بتضخيم المعركة قبيل اجتماع نيويورك من أجل اليمن.
وتجاوز ذلك إلى تشكيك مسؤول حكومي بارز، صرح لشبكة "سي ان ان" الأمريكية، قائلا أنه ليس من قبيل المصادفة تزامن تلك المواجهات مع زيارة مستشار الرئيس الأمريكي لمكافحة الإرهاب، جون برينان، إلى اليمن، واجتماع "أصدقاء اليمن" في نيويورك، لافتا إلى "مبالغة" في تقدير حجمها لضمان تلقي المزيد من المساعدات، وأردف قائلا: "الحكومة اليمنية تعرف ماذا تفعل.. ما يحدث مجرد لعبة".
وتداخلت الاتهامات الرسمية جنوبا في تحميل عناصر الحراك الجنوبي وتنظيم القاعدة بتدبير بعض العمليات الهجومية، ومحاولة الربط بينهما، الامر الذي دفع محافظون هناك للتوضيح خلافا لتلك المصادر. فقد نفى محافظ شبوة على حسن الاحمدي مسؤولية الحراك الجنوبي عن محاولة اغتياله في العملية التي سبقت مواجهات الحوطة.
وبعد تأكيد مصدر أمني بأن القاعديين خالد الوحيشي وسالم الصبري لقيا مصرعهما أثناء هجوم مسلحين من الجماعة على نقطة أمنية في منطقة لودر بمحافظة أبين. الا أن المحافظ أحمد الميسري، نفى أن يكون القتيل خالد وشقيقه صبري على علاقة بتنظيم القاعدة.
ونشرت القاعدة في محافظة أبين لائحة بأسماء 55 ضابطا في جهاز الامن السياسي والبحث الجنائي، وقالت أنهم مشاريع مستهدفة بالقتل حتى يتوبوا. وقد قتل الضابط في ادارة البحث الجنائي بالمحافظة "غازي السماوي"، وهو ضمن القائمة، وقال نائب مدير جهاز المخابرات في محافظة ابين أحمد عتريس، وهو في أعلى القائمة المذكورة، انه نجا من محاولة اغتيال دبرها التنظيم قبل نحو اسبوعين.
وبخلاف التأكيد الامني حول مقتل شخص واصابة أخرين في العملية التي استهدفت حافلة تابعة للأمن السياسي بصنعاء أواخر اغسطس الماضي، قال تنظيم القاعدة أن الهجوم أدى إلى مقتل (14) من كبار ضباط الأمن السياسي"شعبة مكافحة الإرهاب"، وأنها جاءت بعد انهاء اولئك الضباط دورة استخبارتية في مكافحة الإرهاب بإشراف ضباط أمريكان.
وللمرة الثانية، تعرضت الدبلوماسية البريطانية لهجمات القاعدة بعد أن تعرضت إحدى السيارات التابعة للسفارة البريطانية بصنعاء وكانت تقل أربعة بريطانيين لاعتداء بقذيفة أصابت مؤخرة السيارة ونجا من كان بداخلها.
وعادت المواجهات إلى مدينتي لودر ومودية بمحافظة ابين منتصف اكتوبر الماضي بعد اغتيال مدير أمن مودية ونجاة محافظة أبين من محاولة اغتيال مماثلة في نفس اليوم. ولم تتبين النتائج الحقيقية لتلك المواجهات، فيما يتوقع أن تظل المواجهات مع القاعدة مؤجلة ومفتوحة على شتى الاحتمالات.
وبنهاية أكتوبر الماضي، قفزت اليمن إلى الواجهة الدولية مجددا بعد اطلاق انذار عالمي في المطارات الدولية عقب اكتشاف طردين مفخخين مصدرهما القاعدة في اليمن وكانا في طريقهما للولايات المتحدة الأمريكية. واعلن تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية مسؤوليته عنهما. ويعتبر هذا الحادث الذي أعاد التذكير بهجمات 11 سبتمبر أهم حدث خلال العام الذي نوشك أن نودعه، لكنه مكلف الثمن ولا يبدو أن اليمن ستتعافى منه بسهولة بعد أن قررت عدة دول حول العالم رفضها استقبال طائرات الشحن القادمة من اليمن.
وتخلل العام محاكمات والاعلان عن استسلامات للعديد من عناصر القاعدة، الا أن المفاجآت والمفارقات كانت كثيرة، حيث لوحظ ان تلك المواجهات المعلنة رسميا لم تسفر عن مقتل أو اعتقال أي من عناصر القاعدة البارزة، وبالعكس حصدت المواجهات العديد من ضباط وجنود الامن، كما نفى بعض من تم الاعلان عن استسلامهم قصة انتمائهم للقاعدة، وقال أحد الخاضعين للمحاكمة ان عناصر في الامن السياسي هي من جندته للعمل في أوساط القاعدة.
وللمرة الاولى منذ تفجر حرب صعدة في صيف عام 2004م، تعلن القاعدة استهداف من سمتهم بالحوثيين الروافض في هجوم دام قبل أسابيع، مؤكدة مسؤوليتها عن مقتل "بدر الدين الحوثي" في ذلك الهجوم.