من الأرشيف

كاتبة أمريكية تكتب عن تفاصيل لقائها بالرئيس في قصره: حفلة سباحة عند صالح

المرة الأولى التي التقيت فيها علي عبد الله صالح، كانت حين خرجت للتو من المحيط. حينها كنت في وضع مزري، شعري مبلل ومتشابك، وبساقين غير محلوقتين. كان ذلك في ديسمبر الماضي، وكان الرئيس اليمني في زيارة لجزيرة سقطرى، الواقعة في الساحل الجنوبي لليمن. دعا الرئيس مجموعة من السياح على الشاطئ للجلوس معه في كوخ محاط بثلاثة جدران مطل على البحر. تبادلنا بعض العبارات العادية، ومعظمها كانت حول مدى روعة الجزيرة، ولاحقاً أكلنا اللحم والأرز مع صالح والوفد المرافق له.

معظم من في العالم يعرفون صالح من خلال التقارير الإخبارية، باعتباره شخصاً ثاقب الذكاء في لعب سياسة العصا والجزرة، وذو قدرة خارقة على إدارة الفصائل والتيارات القبلية المتنوعة في البلاد. ولكن مع التشكيك في إمكانية عودة الرئيس عقب أن غادر إلى السعودية في 4 يونيو/حزيران لتلقي العلاج من جروح الشظايا التي طالته في الهجوم الصاروخي، إلا أني سأواصل العودة إلى تلك الساعة المتوترة في شهر يناير/كانون الثاني التي قضيتها مع ديكتاتور قضى زمنا طويلا في الخدمة.

تجربتي مع صالح كانت ستنتهي بعد لقائنا الأول على الشاطئ إن لم أكن قد التقيت بعبدالعزيز عبدالغني، رئيس الوزراء السابق والرئيس الحالي لمجلس الشورى، وهذا الأخير هو هيئة تشريعية يتم تعيين أعضاؤها من قبل الرئيس. عبدالغني ذهب إلى كلية كولورادو، حيث عملت والدتي هناك لمدة 36 عاما. وكان قد جرى بيننا حديث لطيف وودي حول ينابيع كولورادو – وقد عرف الشارع الذي كنت قد ترعرعت فيه. ولفت نظري حينما كان يتحدث بلطف وبشكل أبوي.

وبعد شهر، عدت مرة أخرى إلى الجزيرة اليمنية، كددت في البحث عن معلومات الاتصال الخاصة بعبدالغني. كان ذلك في 26 يناير/كانون الثاني، وقبلها بيوم واحد فقط، كان الشعب المصري قد خرج إلى الشوارع بشكل جماعي في ثورة سريعة الحركة والتي عملت على إسقاط الرئيس حسني مبارك سريعاً. في اليوم التالي، نزل الآلاف من الشباب وعدد قليل من النساء إلى شوارع صنعاء في أول احتجاجات معارضة كبيرة في اليمن. بعثت رسالة بريد إلكتروني سريع إلى عبدالغني، ألقيت عليه التحية وشكرته على كرم الضيافة الذي قام به طاقمه في سقطرى. في اليمن، تبدو العلاقات الشخصية هي كل شيء، وفكرت في أن الاتصال على مستوى عال قد تأتي بفائدة في المستقبل. وحتى ربما أن أحظى بوجبة غداء مجانية منه.

بعد ساعات قليلة من إرسال البريد الإلكتروني، أتصل عبدالغني. تبادلنا التحية، بعد ذلك بدأ العمل.

"هل بالإمكان أن تحضري إلى القصر؟" سأل عبد الغني. وأضاف "إلى النادي؟ هل من الممكن أن تكوني جاهزة في ظرف نصف ساعة؟ سنرسل لك سيارة". كان كل ذلك مفاجئ جدا.

وبعد أربعين دقيقة من الانتظار خارج محل البيتزا المحلية تسللت سيارة مرسيدس سوداء لا تحمل رقما. ولوح لي الرجل بداخلها. واستدار خارجاً كما يعمل موظف المراسيم، مع انه لم يعطني أي إشعار بروتوكولي. يا للسوء: أنا كان بإمكاني أن استغله.

القصر الرئاسي هو هيكل عادي ظاهريا ويجثم باتجاه الشرق بالقرب من منطقة حدة، التي تعرف بمنطقة الدبلوماسيين في صنعاء. للوصول إلى المجمع، مررنا من خلال مجموعتين من الجدران صعبة الوصف. واستقليت ثانياً سيارة أخرى – نوعها تقريبا سيارة جيب أو لاند روفر. حاولت أن لا أخطو على اثنين من بنادق نوع 47s وضعت على أرضية المقعد الخلفي.

مررنا عبر مجموعتين أخريتين من الجدران قبل مصادفة نقطة تفتيش أمنية أخرى. أخذ الضباط حقيبتي وهاتفي، ومع ذلك فقد سمحوا لي أن أحتفظ بدفتر الملاحظات وبضعة كروت أعمال.

وبعد دقائق قليلة، فتح لي الباب أحد الحراس بلباس أحمر وذو هيئة عمودية وقادني إلى داخل نادي القصر. صعدت سلم قصير باتجاه، بهو مفتوح وواسع، مزين بخشب مبهج ومفروش باللون الأحمر والذهبي. نظرت بسرور إلى الباب الواقع إلى يساري، والذي فغر فاه على مركز رياضي مبهج، ومجهز تجهيزا جيدا.

في منتصف النادي وضعت طاولة بلياردو؛ وكان يوجد هناك عبدالغني حاملا بيده مضرب البليارد، ويتحدث إلى صالح.

أتذكر أن ابتسامة لعوبة ارتسمت على الرئيس وهو ينظر إلي. التعبير الخبيث البادي على وجهه ذكرني بشيء ما على غرار (Ta da)* ! لم تكوني تتوقعي هذا، والآن، أليس كذلك؟

كنت مخدوعة. اعتقدت أنني قد أتعلم شيئا، أنني قد أكسب بعض من نفاذ البصيرة الخاصة، والعظيمة في عمق الرجل من خلف الجدران.

ذهبت إلى أكثر من مصافحة اليد، وغصت في خط دقيق من شعر الرئيس المتقلص، الأشيب. صالح ليس رجلا ضخماً. أنا طولي 5 أقدام، و 11 بوصة، ويزيد طولي عنه بمسافة كعب حذاء طوله 3 بوصات. كان يرتدي نظارات غريبة، ملونة لكنها ليست داكنة. أشار لي نحو كرسي خشبي منجد. وفي غضون دقائق برزت قصبة عصير البرتقال على المنضدة بجانبي; وأنا أرتشفه جلت بنظري في جميع أنحاء الغرفة. على يميني، شاهدت حائط زجاجي ضخم يوجد بداخله حمام سباحة، مزين بفسيفساء فرس البحر.

راقبت عبد الغني والرئيس وهم يلعبون البلياردو. لم يكن أي منهم ينجز الكثير من الضربات، ومع ذلك فقد أنهوا لعبتهم وسألت من يريد أن يلعب معي. سلم لي عبدالغني المضرب، وطلب الرئيس مني التوقف قليلا للاستراحة. نظرت إلى السجادة القرمزية المعشبة تحت المنضدة وفكرت فيما إذا كان علي خلع حذائي. كان يوما حاراً، وجواربي كليهما كانا مثقوبين وأكثر من ذلك لم يكونا نظيفين. تركت حذائي البنيين المكتنزين وبدأت بتسديد ضربتي الأولى، أخفقت في إدخال أي كرة في واحدة من الحفر.

أخذ الرئيس مضربه ودفع الكرة إلى موضع أكثر إيجابية على الطاولة.

إذن رئيس اليمن يغش [يحتال] في لعبة البليارد. فكرت بذلك.

"Haram alayk," [حرام عليك]، قلت موبخة [باللغة العربية]. أي: عار عليك [بالإنجليزية]. انفجر الرئيس في الضحك وهو يومئ نحو عبد الغني. "هل سمعت ما قالته؟" قالها (باللغة العربية) وهو يقهقه. "عار عليك". وبينما كان الرئيس يضحك عليّ، كنت محتارة عما إذا كان قد فهم سبب اعتراضي. هل سبق أن قام أي شخص بإزعاجه في شرح قواعد اللعبة؟ هل يعرف حتى أنه كان يغش؟ ربما أنه كان فقط يلهو مع فتاة بيضاء، تتحدث العربية بشكل طريف، أم أنه لم يكن يتوقع بأن يصرخ أحد بصوت مرتفع في موضع خاص في حضرة شابة بدون نفوذ أو أهمية.

كانت محادثتنا أحيانا متكلفة لأن لغتي العربية هي لهجة عامية ممزوجة من العربية الفصحى واللهجة اليمنية. صالح لم يتحدث اللغة العربية الفصحى على الإطلاق. بعض الأوقات التي كنت أقول فيها شيئا ما بلغة رسمية، كان عبدالغني يعيد ترجمتها إلى اللهجة العامية.

الإعادة الوقحة التي كان يقوم بها الرئيس لكرة مضرب البلياردو قبل كل ضربة منحته الأفضلية، وفي نهاية المطاف غلبني. وبعد أن أعدت المضرب إلى الرف أشار لي الرئيس نحو مكتبه، باتجاه فضاء مفتوح مليء بعدد كبير من الصور الخاصة به: صور صالح على ظهر حصان، صالح واضعا ذراعيه حول شباب وسيمين، يرتدون الزي الرسمي الأبيض، صور شخصية لشباب يافعين بمفردهم وهم يرتدون الزي العسكري (الأبناء؟ وأبناء الأخ؟). وعلى الطاولة الخاصة به ينتصب حصان برونزي. رفوف المكتبة الخاصة به كانت جميعها تغص بالكتب العربية الموضوعة بدون ترتيب.

تحرك عبدالغني بعيدا عنا. حينها سألني الرئيس ما إذا كن لدي رغبة في أن أسبح في حوض السباحة. فكرت في أن أعترض بحجة عدم امتلاكي بدلة خاصة بالسباحة.

لكني بدلا من ذلك أجبته قائلة "أنا بكل صدق لا ارغب في السباحة". بعدها قام الرئيس بأخذي في جولة حول النادي. وربما كان يتوجب علي هنا أن أؤدي دور الشرير بشكل أكثر، لكنني كنت ما أزال في منتصف الذهول، اردد في داخلي: كيف أن حياتي وصلت إلى هذا الحد؟ تجولنا نحن الاثنان إلى ما وراء بركة السباحة ثم انعطفنا مع نهايته باتجاه غرف مغلقة، غرفة ساونا، غرفة حمام بخار، وحوض استحمام مياه ساخنة كبير يكفي لصالح وجميع زوجاته (لديه أربع زوجات وجميعهن لا يشاركن في الحياة العامة). في هذه الأثناء تخيلت أكثر من صحفية شابة وهي تتجول داخل هذه الغرف والشعور الذي راودهن عند بلوغ هذا المعتكف الداخلي.

"متعي نفسك"، أخبرني الرئيس. "هل ترغبين الذهاب للسباحة؟ أم استخدام الساونا؟ أم الاستحمام في حوض المياه الساخنة؟"

أومأ لي الرئيس للجلوس على مقعد جذاب صغير بالقرب من حوض المياه الساخنة، جوار قطعة زهرية لا توصف من الأثاث والتي يبدو كما لو أنها قد أحضرت من كريغسليست.

"إذن" قال الرئيس. "هل أنت متزوجة؟" لعله لم يفتتح الحديث على هذا النحو المفاجئ تماماً، لكن هذا ما أتذكره. "هل أنت متزوجة؟" لم يعد عبدالغني يدهشني كشخصية لطيفة تماما. لماذا اختفى عني فجأة؟

أجبته بأنني لم أكن متزوجة، وكان قلبي يخفق بشدة.

لا يمكنني أن أتذكر كيف دارت المحادثة، ولكن فجأة، بدأ الرئيس بالسخرية من حذائي الجلدي– البني المكتنز – والذي كان لدي منذ الصف الثامن ورفضت خلعه قبل قليل للعب البلياردو.

"أنت امرأة طويلة جدا. فلماذا ترتدين حذاء طويلا؟ إنها تشبه الأحذية التي يجب انتعالها من أجل..."

أمسك الرئيس بحافة تنورتي الزهرية الرمادية ورفعها إلى الأعلى باتجاه ركبتي، مشيراً نحو الحذاء.

"من أجل ماذا؟" قلت. وأضفت "ماذا تقصد بتلك الكلمة التي قلتها لتوك؟"

وبقليل من المناورة اللغوية، فهمنا بأنه كان يعني ركوب الخيل. كالأحذية التي ينتعلها أي شخص لامتطاء الخيل.

أخفض الرئيس حافة تنورتي، فيما قمت أنا بصقل ظهر تنورتي لإعادتها على ركبتي، وأنا أقول له أن أحذية الفروسية كانت تعتبر موضة. فجأة نهض الرئيس، مشيرا بفظاظة إلى كتاب كتبه أحد الصحافيين الأميركيين حول اليمن. تحرك بخفة باتجاه مكتبه بينما تبعته دون أن أنبس بكلمة، فقط كنت أرتجف، مع شعور عميق بالخوف ينمو في جوف المعدة، ونظام الاستشعار في جسدي يرفسني بقوة. شجعني مرة أخرى لاستخدام حوض السباحة، وهو يحاول أن يبدو منشغلا بطريقة مرتبكة ما بين تحسس مكتبه تارة وأخرى يتحسس رف مكتبته وكأنه يبحث عن الكتاب.

ظهر عبد الغني، متعباً ومتعرقاً، كان لتوه انتهى من ممارسة التمارين على الدراجة الرياضية. غير القميص الوردي وجلس معنا.

"لدينا مقولة في اليمن"، عاد الرئيس لمواصلة حديثه، "الفتيات الجميلات جدا يتزوجن. والفتيات غير الجميلات يحببن جداً إنهاء الدراسة. لماذا لم تتزوجين؟"

"ربما أني لست جميلة جدا"، أجبت ساخرة.

"لا، لا، أنت جميلة جدا" قال الرئيس. ورفضت العرض الذي قدمه لي، بتعريفي على أحد أصدقائه، رجل أعمال يمني ثري و"منفتح". أخبرته بأن الاختلافات الثقافية تحول دون حدوث زواج سعيد. وخزني الرئيس أكثر بتجديد حديثه حول حذائي: "انظر إلى تلك الأحذية! قل لها أنها من تلك الأنواع التي تلبسها عند امتطاء الحصان!" وعبدالغني، لأمانته، أوضح بكل سرور أن ولاية كولورادو، التي جئت منها، كان فيها العديد من المزارعين الذين ينتعلون هذه الأحذية

وعند ذلك كانت النهاية. نهض الرئيس ومستشاره

وقال عبدالغني"الرئيس لديه اجتماع الآن، لذلك ستذهبين".

الرئيس المخفق أذنَ لي بالخروج، بعد أن أخذ كرتي الشخصي وبياناتي. وأوصلني موظف التشريفات التابع له بسيارته إلى المدينة، وتجاذب معي بلطف، حول المسائل التفصيلية عن حياتي في اليمن. جعلته ينزلني في السوبر ماركت بدلا من بيتي وتجولت وأنا في شبه غيبوبة خلال الممرات المبتهجة، فيما كنت أحاول معرفة ما حدث للتو.

الكثير من أمور اليمن مبهمة. وفي كل مرة أتعلم شيئا جديدا أنها أشبه بسراب كاذب؛ أستطيع أن أرى ما هو أبعد بكثير مما يتوجب علي الذهاب إليه. وفي الوقت الذي يسأل العالم فيه ما التالي لليمن، أتساءل أنا ما الذي سيحدث الآن لهذا الرجل الفظ ولكن الشخص الحيوي بينما يتحرك باتجاه ما يمكن أن يطلق عليه بسخاء بالغ ب"التقاعد". وداعا، سيدي الرئيس. لقد عرفناك جيدا جداً وفهمناك ولكن ليس تماماً.

* (Ta da): مصطلح عامي ويعني صرخة الانتصار أو الاعتزاز بإنجاز أمر ما.
* لورين هي كاتبه أمريكية ومخرجة سابقة أقامت في اليمن لمدة ستة أشهر خلال 2010 و2011.

زر الذهاب إلى الأعلى