اكدت السلطات المصرية السبت "التزامها الكامل بتأمين" البعثات الدبلوماسية على اراضيها وقررت تطبيق بنود قانون الطوارئ الساري العمل به منذ ثلاثين عاما لحفظ الامن، غداة اقتحام متظاهرين لمقر السفارة الاسرائيلية في القاهرة.
وقال بيان صدر في اعقاب اجتماع مشترك للمجلس الاعلى للقوات المسلحة، الممسك بالسلطة منذ اطاحة مبارك في شباط/فبراير الماضي، ومجموعة الازمات في الحكومة ان "مصر تؤكد التزامها الكامل باتفاقياتها الدولية بما في ذلك تأمين كافة البعثات الدولية" الدبلوماسية.
واكد البيان، الذي تلاه وزير الاعلام اسامة هيكل وبثه التلفزيون المصري، انه تقرر "تطبيق كافة بنود قانون الطوارئ" الساري في مصر منذ اكثر من ثلاثين عاما للحفاظ على الامن ومواجهة "خروج عن القانون".
ويحظر قانون الطوارىء الذي اعلن عقب اغتيال الرئيس الاسبق انور السادات في تشرين الاول/اكتوبر 1981 القيام بتظاهرات. وكان الغاؤه من مطالب "ثورة 25 يناير" التي اطاحت بنظام الرئيس حسني مبارك.
كما نص البيان على "قيام اجهزة الامن من الان فصاعدا باتخاذ ما يلزم" من اجراءات للحفاظ على الامن "بما في ذلك حقها الشرعي في الدفاع عن النفس حفاظا على امن الوطن".
ولم يحدد البيان طبيعة الاجراءات التي يمكن ان تلجأ اليها الشرطة في اطار هذا الدفاع الشرعي عن النفس.
واوضح البيان انه سيتم احالة من "يثبت تورطهم" في اقتحام السفارة الاسرائيلية والمواجهات التي وقعت في محيطها مع الشرطة إلى "محكمة امن الدولة العليا-طوارئ" وهي محكمة استثنائية تشكل بموجب قانون الطوارئ ولا يمكن الطعن في احكامها.
واعتبر البيان ان "مصر شهدت (السبت) يوما عصيبا وبات وضحا ان تصرفات البعض اصبحت تهدد الدولة المصرية" وان "مصر تتعرض لمحنة حقيقية تهدد كيان الدولة كلل وهو ظرف استثنائي يستهدف اجراءات قانونية حاسمة".
واكد البيان ان "ما حدث بالامس خروج عن القانون ولا يمكن ان يوصف من ارتكبوا هذه الافعال بانهم شرفاء" كما انه من شأنه "المساس بصورة مصر امام المجتمع الدولي".
وكان متظاهرون اقتحموا مساء الجمعة مقر السفارة الاسرائيلية ووقعت اشتباكات عنيفة بينهم وبين قوات الشرطة اوقعت ثلاثة قتلى واكثر من الف جريح. وسمع دوي اطلاق نار غزير في الحي فجر السبت، ارجعته مصادر امنية إلى اطلاق قوات الامن النار في الهواء لتفرقة المتظاهرين الذين اشعلوا النيران في عدد من سيارات الشرطة.
ونقلت وكالة انباء الشرق الاوسط عن شهود عيان قولهم ان المتظاهرين اقتحموا غرفة مخصصة للارشيف الدبلوماسي وقاموا برمي وثائق "سرية" منها احد مكاتبها الواقع في اعلى مبنى مؤلف من عشرين طابقا.
وكتب بعض هذه الوثائق باللغة العربية لكنه يحمل اختاما دبلوماسية اسرائيلية وبدا واضحا انها برقيات من موظفين اسرائيليين إلى نظرائهم المصريين.
وقام متظاهرون في وقت سابق الجمعة بهدم جدار بارتفاع مترين ونصف كان تم بناؤه خلال الايام الماضية امام البناية التي تقع السفارة الاسرائيلية في اعلى طوابقها كما انزلوا العلم الاسرائيلي من فوقها.
وغادر السفير الاسرائيلي في مصر اسحق ليفانون فجر السبت عائدا إلى اسرائيل على متن طائرة اقلعت من القاهرة عقب اقتحام مبنى السفارة الذي انتشرت قوات الشرطة والجيش بكثافة في محيطه صباح السبت.
وقررت اسرائيل الابقاء على علاقاتها الدبلوماسية مع مصر رغم وقع صدمة الهجوم العنيف غير المسبوق السبت على سفارتها في القاهرة.
وفي القدس، اعلن مسؤول حكومي اسرائيلي رفيع السبت ان المسؤول الثاني في السفارة الاسرائيلية بمصر سيتابع مهامه في القاهرة على رغم الهجوم على مبنى السفارة موضحا ان وحدات خاصة مصرية انقذت ستة اسرائيليين كانوا في مقر السفارة عند افتحامها.
وقال هذا المسؤول لوكالة فرانس برس طالبا عدم الكشف عن هويته، "سنبقي في القاهرة مساعد السفير لمتابعة الاتصالات مع الحكومة المصرية". ووصف الحادث بأنه "ضربة مؤلمة للسلام بيننا وانتهاك خطير للمعايير الدبلوماسية".
واضاف "كان ستة اشخاص محتجزين في السفارة وكان ثمة قلق حقيقي على حياتهم. واخيرا انقذتهم وحدات خاصة مصرية". وذكرت الاذاعة العامة الاسرائيلية انهم موظفون امنيون في السفارة وقد عادوا إلى اسرائيل.
وتابع المسؤول الحكومي الاسرائيلي "عندما خرجت اعمال العنف عن السيطرة، تم اجلاء 80 اسرائيليا. وجميع عناصر طاقمنا سالمين".
واعلن متحدث حكومي اسرائيلي السبت ان السفير الاسرائيلي في مصر اسحق ليفانون سيعود إلى القاهرة ما ان "يتم ضمان امن السفارة". وقال رون سوفر لاذاعة الجيش الاسرائيلي ان "اسرائيل ستعاود ارسال سفيرها في مصر ما ان تقوم مصر بتوفير الظروف التي تضمن امن السفارة" في القاهرة التي اقتحم متظاهرون مصريون مقرها ليل الجمعة-السبت.
واعتبر المتحدث باسم رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ان "هذه القضية من الخطورة بمكان بحيث لا يمكننا الاكتفاء بقلب الصفحة". لكن سوفر شدد على انه "في النهاية، فان جنودا مصريين انقذوا عناصر امنيين (اسرائيليين) من السفارة المحاصرة".
واسفرت المواجهات العنيفة التي وقعت خلال المساء والليل في القطاع بين قوات الامن والمتظاهرين عن مقتل اربعة اشخاص واصابة نحو الف معظمهم بجروح بسيطة.
كما اوقفت الشرطة 19 شخصا يشتبه في تورطهم في هذه الاشتباكات واحيلوا إلى النيابة العسكرية التي بدأت التحقيق معهم.
واعلنت وزارة الداخلية المصرية حالة الاستنفار بين قواتها وقررت الغاء جميع عطلات افراد الشرطة للسيطرة على الامن.
وعبر الرئيس الاميركي باراك اوباما مساء السبت عن "قلقه الشديد" لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو وطلب من السلطات المصرية حماية السفارة الاسرائيلية كما اعلن البيت الابيض.
وجاء في بيان للرئاسة الاميركية ان اوباما "استعرض الاجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة على جميع المستويات للمساعدة على ايجاد حل لهذا الوضع بدون عنف اضافي كما دعا الحكومة المصرية إلى الوفاء بالتزاماتها الدولية لناحية تأمين حماية السفارة الاسرائيلية".
وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الاميركية في بيان "نشعر بالارتياح لعدم اصابة احد من العاملين في السفارة" خلال الهجوم عليها واقتحامها، مشيرة إلى ان الولايات المتحدة "ستبذل كل ما في وسعها لدعم العلاقة" بين اسرائيل ومصر وهما "حليفتان وشريكتان رئيسيتان للولايات المتحدة".
وادان وزير الخارجية الالماني غيدو فسترفيلي السبت في برلين الهجوم على السفارة الاسرائيلية في القاهرة. وطالب الوزير بضرورة تفادي اي تصعيد جديد للعنف داعيا السلطات المصرية إلى تنفيذ التزاماتها الدولية في مجال حماية السفارات.
وارغمت صحافية تعمل في قسم الفيديو بمكتب وكالة فرانس برس في القاهرة السبت على تسليم شريط فيديو يتضمن تصريحات جمعتها من متظاهرين امام سفارة اسرائيل عقب الهجوم عليها.
وفي البداية قام رجال بالزي المدني بدفع داليا حسن، المصرية التي تحمل ايضا الجنسية الفرنسية، وحاولوا اخذ الكاميرا منها وعندها اخرجت لهم بطاقتها الصحافية.وبعد دقائق، طوقتها مجموعة من خمسين شخصا شكلهم مريب طالبوها بتسليمهم الشريط لتركها تغادر المكان.
ويتضمن شريط الفيديو لقاءات مع شبان يؤكدون استهدافهم بالرصاص الحي خلال الهجوم العنيف على السفارة الاسرائيلية الليلة الماضية. واتصل مكتب فرانس برس في القاهرة بالجهاز الحكومي المصري المكلف الصحافة معبرا عن استنكاره لهذا الحادث. وقد وعد هذا الجهاز بالتحقيق في الامر.
وتجتاز العلاقات بين مصر واسرائيل مرحلة حساسة بعد مقتل خمسة من رجال الشرطة المصريين في الثامن عشر من آب/اغسطس بينما كانت القوات الاسرائيلية تلاحق اشخاصا تتهمهم بارتكاب هجمات على اسرائيليين في ايلات في جنوب اسرائيل قرب الحدود مع مصر.
وارتفع عدد ضحايا حادث اطلاق النار الاسرائيلي على الحدود إلى ستة اثر وفاة شرطي السبت متأثرا بجراحه.