يتمسك الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي عاد إلى صنعاء فجر أمس الجمعة بعد غياب دام ثلاثة أشهر، بالسلطة غير مبالٍ بحركة الاحتجاجات الشعبية والضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي لكي يتنحى عن الحكم .
وأمضى صالح منذ مطلع شهر يونيو/حزيران الماضي فترة نقاهة في السعودية حيث تلقى علاجاً اثر إصابته بهجوم استهدف مسجد دار الرئاسة في صنعاء مع مسؤولين كبار في الدولة والحكومة، حيث ظهر في مقابلة تلفزيونية مصاباً بحروق خطرة أنعشت آمال المعارضة في أن تكون مغادرته للبلاد بشكل نهائي، لكن صالح يرفض تخويل نائبه عبد ربه منصور هادي الصلاحيات اللازمة .
والرئيس صالح، البالغ من العمر 69 عاماً، يتهمه خصومه بالفساد والمحاباة، فنجله الأكبر أحمد وأقاربه يتحكمون بأجهزة الأمن ويعارضون أي نقل للسلطات أثناء غيابه .
ويرأس صالح الذي يقول غالباً إن حكم اليمن مثل “الرقص على رؤوس الثعابين”، الجمهورية الوحيدة في شبه الجزيرة العربية منذ عام ،1978 ولكي يتمكن من حكم هذا البلد المعقد جداً، تماشى صالح مع التركيبة القبلية والتقليدية للبلاد التي تفتقر إلى الثروات الطبيعية ويتمتع فيها شيوخ القبائل ورجال الدين بنفوذ كبير .
لكن اندلاع حركة الاحتجاجات الشعبية في فبراير/شباط الماضي حشرته في الزاوية بمواجهة مكونات المجتمع وخصوصاً القبائل الشديدة التأثير بعد أن كان يؤلبها على بعضها لكي يحتفظ بالسلطة .
وكانت الضربة الأقسى انشقاق اللواء علي محسن الأحمر في شهر مارس/آذار الماضي، وكان يعتبر الرجل الأقوى في البلاد بعد صالح، وتتواجه قوات الأحمر مع تلك المؤيدة للرئيس في شوارع صنعاء حاليا .
وقبل حركة الاحتجاجات، كان صالح يسعى إلى ولاية أخرى بعد عام ،2013 وتكشف برقيات دبلوماسية نشرها موقع ويكيلكس أن صالح أصبح سلطوياً أكثر فأكثر خلال الأعوام الأخيرة وتنقل إحداها عن ابن عمه محمد القاضي قوله في 31 أغسطس/ آب 2009 : “لقد قرر منذ عام 1994 أنه الوحيد القادر على اتخاذ قرارات . . لا يصغي لأحد” .
دخل صالح معترك السياسة في 1962 خلال الانقلاب الذي أطاح آخر الأئمة الذين حكموا اليمن، وشارك في إقامة الجمهورية العربية اليمنية في مناطق معزولة وقاحلة، وتحكمها الأعراف القبلية .
وفي أعقاب ذلك، اندلعت حرب أهلية دعمت فيها مصر بقيادة جمال عبدالناصر العسكريين في الحكم، بينما دعمت السعودية، الجار الشمالي الكبير، القادة القبليين الموالين للإمام، وانتهت هذه الحرب في عام 1970 بمصالحة بين الجمهوريين والملكيين .
وفي الوقت نفسه، كانت مناطق جنوب اليمن الحالي تحت سيطرة البريطانيين خصوصاً عدن والواجهة البحرية للبلاد، وغادر البريطانيون جنوب اليمن تحت وطأة انتفاضة واسعة النطاق في ،1967 وقامت بعد ذلك جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية وعاصمتها عدن، وأصبحت هذه الجمهورية تدور في فلك الاتحاد السوفييتي .
وفي ،1978 اختير صالح الذي كان حينها في رتبة مقدم، من قبل هيئة تأسيسية ليحل مكان رئيس اليمن الشمالي احمد الغمشي الذي قتل في عملية دبرت في الجنوب .
وصالح الذي ولد في 21 مارس/آذار 1942 يعتمد على حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، وينتمي إلى قبيلة سنحان، وهي جزء من قبائل حاشد الأكبر والأقوى في اليمن، التي خاض في الأسابيع الماضية مع مناصري شيخها صادق الأحمر معارك طاحنة .
وعمل صالح في البداية على الوحدة مع الجنوب، وقد تحققت هذه الوحدة في 1990 بالتزامن مع سقوط الإمبراطورية السوفييتية، وتحول صالح بعد ذلك إلى أول رئيس لليمن الموحد، ولكن بعد أربع سنوات، استخدم الحديد والنار لقمع محاولة انفصالية في الجنوب .
صالح متزوج وأب لسبعة أبناء، وينتمي إلى الطائفة الزيدية التي تعتبر جزءاً من الشيعية ويشكل أتباعها 30% من اليمنيين، ويشكل الزيديون أغلبية السكان في شمالي البلاد، إلا أن صالح خاض منذ 2004 ست حروب مع متمردين زيديين في شمالي البلاد، آخرها انتهت في فبراير ( شباط ) العام الماضي .
وتمكن صالح، وهو براغماتي بامتياز، من اجتياز أزمات صعبة في الماضي، لاسيما الأزمة التي نجمت عن اجتياح الكويت من قبل العراق بقيادة صدام حسين في ،1990 وعاقبت السعودية اليمن لأنه وقف إلى جانب العراق، وقامت بطرد 700 ألف عامل يمني ما حرم اليمن مصدراً مهماً للدخل .
وواجه صالح أيضاً تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن، الذي تتحدر أسرته من اليمن، إلا أنه استخدم خطر هذا التنظيم من أجل تعزيز موقعه إزاء الولايات المتحدة التي يحصل منها على دعم بـ150 مليون دولار سنوياً