شبه الرئيس علي عبد الله صالح ذات مرة حكم اليمن "بالرقص على رؤوس الثعابين".على مدى 33 عاما قاد صالح تلك الدولة الفقيرة عبر حرب أهلية وانتفاضات وحملات لمتشددين وصراعات قبلية علاوة على الفقر.
ويبدو أن ايام الرقص قد ولت هذا العام في ظل احتجاجات شعبية حاشدة استلهمت الثورات التي تجتاح العالم العربي. وقد وعد صالح مرارا بالتنحي ليتراجع في اللحظة الاخيرة في كل مرة.
ووقع انفجار في دار الرئاسة في يونيو حزيران في محاولة اغتيال فيما يبدو مما أدى إلى اصابته بجروح خطيرة واضطره للتوجه إلى السعودية المجاورة للتعافي.
لكن صالح الداهية نجح في العودة إلى جحر الثعابين يوم الجمعة ووصل إلى العاصمة صنعاء في خطوة مفاجئة يقول محللون انها تزيد احتمال تكريس اعمال العنف ونشوب حرب أهلية.
وشهد اليمن احتجاجات شعبية تكثفت باضطراد ضد حكم صالح منذ يناير كانون الثاني وبلغت ذروتها حين وقعت اشتباكات بين أفراد قبيلة حاشد والقوات الموالية لصالح في العاصمة وغيرها.
وتحدثت الولايات المتحدة بصراحة عن مخاوفها بشأن من قد يخلف صالح حليفها في الحرب ضد تنظيم القاعدة بجزيرة العرب وهو جناح للقاعدة مقره اليمن.
وتبين في الاونة الاخيرة أن حكم صالح لا يتزعزع فيما يبدو. في العام الماضي ضغط أنصاره من أجل اجراء تعديلات دستورية تسمح له بالترشح لولايات رئاسية بلا حد اقصى مدة كل منها خمس سنوات. وسرت تكهنات على نطاق واسع بأنه يعد أحد ابنائه ليكون خليفته المحتمل.
لكن الانتفاضات الشعبية التي بدأت في تونس في ديسمبر كانون الاول جاءت لتقضي على الخطط. وبعد سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك صعد عشرات الالاف من اليمنيين احتجاجاتهم اليومية في العاصمة صنعاء وبدأ صالح يعرض تنازلات شفهية.
في البداية قال صالح انه لن يرشح نفسه لولاية رئاسية جديدة عام 2013 ونفى فكرة أن يخلفه ابنه ثم عرض اجراء استفتاء على دستور جديد بحلول نهاية العام والانتقال إلى "نظام برلماني" ديمقراطي.
لكن بعد مقتل 52 محتجا ومعظمهم سقطوا بنيران قناصة في مارس اذار استقال عدد من كبار ضباط الجيش وشيوخ القبائل والدبلوماسيين والوزراء أو أعلنوا انضمامهم لصفوف المحتجين. وينتمى كثيرون إلى قبيلتي الاحمر وسنحان اللتين يرتبط صالح بصلة قرابة بهما وكان يعين أفرادهما في مناصب عسكرية وحكومية مهمة.
ومنذ ذلك الحين شارف ثلاث مرات على التوقيع على اتفاق لنقل السلطة بوساطة دول خليجية ليتراجع في كل مرة في اللحظة الاخيرة مما أطال من أمد المواجهة.
أصبح صالح حاكما لشمال اليمن عام 1978 في وقت كان الجنوب فيه دولة شيوعية منفصلة وقاد البلاد بعد دمج الدولتين عام 1990 .
وتتكرر شكاوى معارضي صالح من أن اليمن تحت حكمه لم يستطع توفير الاحتياجات الاساسية للشعب حيث يعيش اثنان من كل ثلاثة على أقل من دولارين في اليوم. وتتراجع الثروة النفطية وتنفد المياه على الرغم من بدء تصدير الغاز الطبيعي المسال عام 2009 .لكن صالح استطاع أن يحافظ على دعم القوى العربية والغربية.
وبعد هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 على مدن أمريكية تنبهت واشنطن إلى أن اليمن مصدر للمقاتلين الذين ينضمون لصفوف تنظيم القاعدة بزعامة اسامة بن لادن. وعلى الرغم من مولد بن لادن في السعودية فان أصوله ترجع إلى منطقة حضرموت باليمن.
وتعاون صالح مع السلطات الأمريكية وشنت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.اي.ايه) هجوما ناجحا بطائرة بدون طيار استهدف شخصية مطلوبة. لكن بحلول عام 2007 كان المتشددون أعادوا تنظيم صفوفهم في اليمن وفي 2008 أعلنوا أن جناحيهم في السعودية واليمن اتحدا تحت لواء القاعدة في جزيرة العرب.
ومنذ عام 2009 بدأ التنظيم يقوم بمحاولات اكثر جرأة لشن هجمات على أهدف أمريكية وسعودية خارج اليمن فضلا عن استهداف السائحين الاجانب داخله. في الوقت نفسه تمرد الحوثيين الشيعة على حكم صالح وبدأ الجنوبيون الذين يشعرون أنهم مهمشون مسعى انفصاليا جديدا.
وردت السعودية والولايات المتحدة وغيرهما من الحلفاء بزيادة الدعم المالي لتعزيز حكم صالح.ولو كان صالح مقاتلا قوي العزيمة فانه ايضا صاحب كاريزما وتمتع بشعبية في أوقات كثيرة وهو يفهم جيدا تفاصيل المجتمع اليمني.
ولد صالح في صنعاء عام 1942 وتلقى قسطا محدودا من التعليم قبل أن ينضم إلى الجيش كضابط صف.
كانت انطلاقته الاولى حين عينه الرئيس احمد الغشمي الذي ينتمي لقبيلة حاشد التي ينحدر منها صالح حاكما عسكريا لتعز ثاني اكبر مدينة في شمال اليمن. وحين قتل الغشمي في انفجار عام 1978 حل صالح محله.
وفي عام 1990 أدت مجموعة من الظروف الداخلية والاقليمية إلى توحيد شمال اليمن بقيادة صالح ودولة جنوب اليمن الاشتراكية في خطوة عارضتها السعودية في البداية.
وأثار صالح غضب الرياض لقربه من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين خلال احتلال العراق للكويت في عامي 1990 و1991 مما أدى إلى طرد ما يصل إلى مليون يمني من السعودية. وقبل الازمة كانت الكويت تقدم مساعدات مالية لليمن.
لكن القوى الغربية أشادت بصالح انذاك لاجرائه اصلاحات اقتصادية وضعها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبذل الرئيس اليمني جهودا لجذب المستثمرين الاجانب.
وحقق صالح انتصارا كبيرا حين حاول الجنوبيون الانفصال عن اليمن الموحد عام 1994 وازداد قربا من السعودية.