arpo28

اليمن الجديد... والصراع على النفوذ

في هذا الوادي الشمالي الوعر الذي تحيط به جبال وردية اللون، تصرفُ حربٌ متواصلة بين الفصائل اليمنية المواردَ عن حرب أكثر أهمية ضد المقاتلين المرتبطين بتنظيم "القاعدة" في جنوب اليمن المضطرب. و"حاكمة" وأطفالها العشرة هم من بين ضحايا هذه الحرب الكثيرين. إنهم يعيشون في كهف مظلم في سفح الجبل الصخري المطل على بلدتهم. ينامون على بطانيات مغبرة على الأرض الصلبة القاسية، متقاسمين المساحة الصغيرة مع عائلتين أخريين. ذلك أن المنازل التي توجد في الأسفل دمرتها الصواريخ وقذائف الهاون، بسبب المعارك الطاحنة التي اندلعت هنا.

ويقول عبدالله، الذي تعرض منزله لأضرار بالغة: "إن الأطفال خائفون جداً ولا يستطيعون النوم في منزلنا"، مضيفاً "إن القصف يمكن أن يبدأ في أية لحظة".

وحتى في الوقت الذي تكثف فيه إدارة أوباما جهودها الرامية إلى إضعاف فرع "القاعدة" في اليمن، يخوض النظام الجديد لهذا البلد الشرق الأوسطي المدعوم من الولايات المتحدة صراعاً من أجل مستقبله. ويتنافس على النفوذ أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح وخصومه، ولاسيما في العاصمة صنعاء، وبلدة أرحب الواقعة على أطرافها. وهو ما يمثل اختباراً لسلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي كان نائباً للرئيس في عهد صالح، ولقدرته على قيادة اليمن إلى عهد جديد بعد 33 عاماً من الحكم السلطوي.

ولكن التحدي الأكبر بالنسبة لهادي في الوقت الراهن هو إصلاح القوات المسلحة اليمنية المنقسمة. صحيح أنه حقق بعض النجاحات، ولكن الجيش ما زال منقسماً، حيث يدين بالولاء أكثر إما للقادة الذين يناصرون صالح، أو لمن يعارضونه، ومنهم هادي الذي تولى الرئاسة في فبراير الماضي.
وما يحدث في أرحب، الواقعة على بعد 15 ميلاً إلى الشمال من العاصمة، هو امتداد لمواجهة عسكرية عمرها عام، غذتها هذه التصدعات في القوات المسلحة، وهي مواجهة قسمت صنعاء وأصابت حكم البلاد بالشلل. ويتعلق النزاع بالسلطة، ولكن تأثيره محسوس أيضاً في الحرب ضد "القاعدة"، كما يقول مسؤولون يمنيون وزعماء قبليون ومحللون. ذلك أن الجزء الأكبر من قوات البلاد المخضرمة، مثل الكثير من جنود محاربة الإرهاب المدرَّبين من قبل الولايات المتحدة، تم نشرهم في العاصمة وفي أرحب من أجل الحفاظ على القوة السياسية لزعمائهم، بدلاً من أن يتم نشرهم في الجنوب لمحاربة المتطرفين.

يذكر هنا أن فرع "القاعدة" اليمني سبق له أن استهدف الولايات المتحدة عدة مرات، وآخر محاولة وقعت الشهر الماضي عندما أحبط مخطط لتفجير طائرة متوجهة إلى الولايات المتحدة. وفي الأسابيع الأخيرة، قامت إدارة أوباما بتصعيد حملة الضربات بواسطة طائرات بدون طيار وبعثت أعداداً صغيرة من المدربين والمستشارين العسكريين لمساعدة الجيش اليمني.

ولكن الحرب البرية حتى الآن، على رغم أنها تكثفت في الأيام الأخيرة، لم تستطع كسر شوكة المتطرفين الذين اكتسبوا المزيد من الأراضي والتصميم خلال العام الماضي. وفي هذا السياق، يقول عبدالغني الأرياني، وهو محلل سياسي معروف: "إن التوترات حول صنعاء سحبت الموارد من الحرب ضد الإرهابيين في الجنوب".

وعلى جانب من حرب منطقة أرحب يوجد رجال قبليون مرتبطون بحزب "الإصلاح"، الذي يعد أقوى حزب إسلامي في البلاد، وعلي محسن الأحمر، وهو جنرال منشق. وعلى الجانب الآخر يوجد جنود الحرس الجمهوري بقيادة ابن الرئيس السابق، أحمد علي صالح. ويضيف الأرياني قائلاً: "إنهم بيادق في التنافس بين فصيلي النظام".

وأرحب تكتسي أهمية استراتيجية لأنها قريبة من مطار العاصمة الدولي ولأنها تحتضن أيضاً أهم قواعد الحرس الجمهوري في المنطقة. كما أنها تعد المنطقة التي يتحدر منها عبدالمجيد الزنداني، رجل الدين اليمني الأكثر تأثيراً الذي تعتبره الولايات المتحدة إرهابيّاً بسبب ما تقول إنه صلات تربطه ب"القاعدة". وقد بدأت الحرب في أرحب الصيف الماضي بعد انضمام محسن الأحمر والفرقة الأولى المدرعة إلى الانتفاضة اليمنية المطالبة بالديمقراطية، وبعد أن قتلت القوات الحكومية عشرات المحتجين في صنعاء وفي مدينة تعز الواقعة جنوب وسط البلاد. كما انحاز الزنداني، الذي يعد على غرار محسن زعيماً قياديّاً في "الإصلاح"، إلى صف المحتجين أيضاً.

وقد دعم الرجال القبليون في أرحب المحتجين أيضاً، حيث انتفضوا لمنع الحرس الجمهوري من دخول العاصمة وسحق الثورة. فشنوا هجمات على قواعده الجبلية، وأطلقوا عليه صواريخ وقذائف هاون. ورد الحرس الجمهوري على ذلك بقصف الوادي بقذائف وضربات جوية. ونتيجة لذلك، فر الآلاف من منازلهم ولجأ كثيرون إلى الكهوف، بدون ماء أو كهرباء، ولا يملكون سوى القليل من الطعام.

واستعر القتال حتى بعد أن عبّد اتفاق لنقل السلطة -رعاه جيران اليمن الخليجيون والولايات المتحدة- الطريق لتنحي صالح في نوفمبر الماضي.

وهادي، الذي خلف صالح واختير من قبله، فاجأ منتقديه عبر تنحية شقيق صالح وابن عمه من مناصب مهمة في الجيش. غير أنه لم يحاول إقالة أحمد علي صالح أو أبناء عمومته الآخرين، الذين يقودون قطاعات قوية ومهمة من الجيش. وبالنسبة لرجال القبائل في أرحب، يُعد الحرس الجمهوري أبرز رمز من رموز النظام القديم، كما أن الناس حول الوادي يشيرون إلى القوات باسم "حرس العائلة".

ويقول منصور علي، الزعيم القبلي الذي يقود القتال في أرحب: "إن البلاد لا يمكن أن تصبح آمنة ومستقرة حتى يتنحى أحمد علي وأفراد عائلته الآخرون من مناصبهم"، مضيفاً "إنهم لا يخضعون لأوامر وزارة الدفاع أو الرئيس، وإنما يأتمرون بأوامر علي عبدالله صالح نفسه".

سودارسان راجفان

أرحب - اليمن

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»

زر الذهاب إلى الأعلى