ألقى الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الإشتراكي اليمني كلمة هامة في حفل تدشين الأمانة العامة للحزب لاحتفالات إحياء ذكرى ثورة 14 أكتوبر المجيدة، تحدث عن فيا عن مختلف القضايا والتطورات وفيما يلي نشوان نيوز يعيد نشر نصها:
أهنئكم بالذكرى الخمسين لثورة سبتمبر والذكرى التاسعة والأربعين لثورة أكتوبر .
ارتبط قيام الثورتين بنضال وتضحيات القوى الوطنية الديمقراطية ولا غرابة أن ينعكس ما حدث للثورتين من مصادرة على هذه القوى التي تحملت عبء ونتائج هذه المصادرة في صورة ما لحقها من قمع وتهميش ومطاردة .
اليوم وبعد إعادة الاعتبار لثورة سبتمبر وثورة أكتوبر بالثورة الشبابية الشعبية السلمية يعود لهذه القوى اعتبارها في سياق عملية متلازمة من الترابط الوثيق بين مضامين وأهداف الثورة ونضال وتضحيات هذه القوى التي رفضت الانخراط في عملية مصادرة الثورة وقاومتها ببسالة لتستحق قبل غيرها التهنئة بإنتصار الثورة .
لا ننسى اليوم الشهداء والمخفيين قسراً والذين تعرضوا للسجون والتعذيب والمطاردة والتجويع ، للاحتفال اليوم بذكرى الثورة طعم مختلف غير طعم المرارة بالأمس ، وهي مناسبة تصادف استشهاد زعيمين وطنيين كانت لهما بصماتهما في البناء الاقتصادي السياسي والاجتماعي بروح الثورة وهما إبراهيم الحمدي وسالم ربيع علي .
أهنئكم بالذكرى 34 لتأسيس وإعلان قيام الحزب الاشتراكي اليمني .
دلالة أن نحتفل اليوم بهذه الذكرى الكبيرة بعد أن رفع الحصار عن حزبنا بفعل الثورة ، هذا الحصار الذي دام منذ سنة 1994م ، يعني نحن الاشتراكيين بجوز لنا أن نقول أن الثورة انتصرت من الزاوية التي تحقق فيها تحرير حزبنا من الحصار الذي فرضه عليه نظام ما بعد حرب 1994م ، نظام ما بعد 1994م أراد لحزبنا أن يظل يافطة بلا مضمون .
- رفض مناضلو حزبنا هذا الوضع كما رفضوا الاستسلام للأمر الواقع الذي كرسته الحرب ونتائج الحرب وخاضوا نضالاً حقيقياً ربما لا يستطيع أن يقرأه بموضوعية إلا مؤرخ متمكن من تدوين الوقائع في نطاق الظرف التاريخي ومحدداته .
- الذين بقوا في هذه الحرب هم المناضلون الذين يحق لهم أن يفتخروا بأنهم اشتراكيون لما لهذا الكلمة من دلالات وطنية ونضالية وإنسانية ومعرفية ، وخاض حزبنا معترك الحياة السياسية منذ ذلك التاريخ (كمناضل) لا كمحترف سياسة بسبب طبيعة المهمات الصعبة التي انتصبت أمامه من اليوم الأول بعد حرب 1994م ، وعلى هذا الطريق بدأ بإعداد نفسه من جديد وفي ظل المعاناة والحصار والمطاردة لأعضائه ، للمهام النضالية الإستراتيجية المتمثلة في مواجهة تكريس نتائج حرب 1994م لمعطيات من شأنها أن تقرر مستقبل البلاد ، وفي تعاطيه مع هذه المسألة بدا كما لو أنه كان يسبح ضد التيار في ظروف زخم المنتصر الذي كان يسحق في طريقه أي معترض على سياساته .
- في تلك الظروف ظل الحزب الاشتراكي واقفاً يقاوم الأعاصير ودعوات الاجتثاث أو الترويض ، لكن هذه الدعوات تكسرت على صخرة صموده الأسطوري الذي أكد ولا زال يؤكد أن هذا الحزب لم يكن نيته إرادوية خارج الحاجة الموضوعية المتجددة لشعب يناضل من أجل البناء والتقدم والحياة الكريمة .
- غادره الكثيرون وبقي فيه وبالقرب من فكرته المناضلون الذين تحملوا عبء تاريخ مثقل بالأحلام وحاضر مثخن بالقمع والإحباط ومستقبل كل عناصر معادلاته مجهولة ، وفي تلك الظروف كان لا بد أن يبدأ بإقامة تحالفات سياسية وطنية لكسر أخطار الحياة السياسية من قبل تحالفات نظام ما بعد حرب 1994م في محاولة لإستعادة المبادرة السياسية من قبل القوى الوطنية والديمقراطية التي كان عليها أن تعيد ترتيب أوراقها في إطار الهامش الذي سمح به النظام ثم خارج هذا الهامش بخوض معركة التوازن السياسي التي انضم إليها الإصلاح فيما بعد تكوين اللقاء المشترك .
- كان تكون اللقاء المشترك نقلة هامة في الحياة السياسية اليمنية وكان بمثابة الملتقى الذي تجمعت فيه روافد المشروع الوطني عبر حوارات شاقة بين أطرافه ، في هذه الأثناء كان النظام الذي بدأ يفقد تحالفاته السياسية يعمل على مقاومة المشروع الوطني وحماية نفسه بإنتاج الحروب ودورات الصراع على أكثر من صعيد ، حروب صعدة الستة ، ومقاومة الحراك السلمي في الجنوب بالعنف والقمع والاعتقالات ، ويحمي نفسه بتشجيع إنتاج المشاريع الصغيرة ما دون المشروع الوطني ويتحول هو نفسه إلى مشروع عائلي .
بتوظيف النظام لبعض ركائز المقاومة للمشروع الوطني تعرض الحزب الاشتراكي لضغوط قوية بهدف إخراجه من المعادلة الوطنية تحت عناوين مختلفة تتشدق بالجنوب لكن غاياتها غير ذلك ، مع العلم أن الحزب الاشتراكي هو الذي حمل قضية الجنوب منذ نهاية حرب 1994م ، بل من قبل ذلك ومنذ أن قاوم فكرة دمج المؤتمر والحزب في تنظيم واحد بعد الوحدة ، وطالب عوضاً عن ذلك بإقامة دولة الوحدة على القاعدة التي يكون فيها الجنوب طرفاً في المعادلة الوطنية ، وهذا يرد على من يزعمون أن الحزب الاشتراكي تخلى عن الجنوب مقابل السلطة ، فلو أن الحزب تخلى عن الجنوب مقابل السلطة لقبل الدمج مع المؤتمر مقابل السكوت عن بناء الدولة التي جسدها في النقاط الثمانية عشر التي مثلت أساس معركته السياسية آنذاك من أجل بناء دولة الوحدة والتي واجهها الطرف الآخر بالاستعداد للحرب وتفجيرها لينهي الوحدة السلمية ويبدأ مرحلة الهيمنة وسط النفوذ .
قدم الحزب العديد من المبادرات السياسية منذ نهاية الحرب لمعالجة آثارها السياسية النفسية والاقتصادية ولكنها رفضت ، وظل النظام يناور ويمارس على الأرض أسوأ أنواع الإذلال للناس حتى تفجر الوضع بحالة من الغضب العام الذي أخذ يتحول إلى حراك شعبي ويأخذ طابعه السياسي باستدعاء القضية الجنوبية من محطاتها التاريخية بدءً من المرحلة التي اختمر فيها النضال الوطني في الجنوب والنظر إليه كمشروع سياسي يتجاوز الكيانات المحلية القائمة آنذاك إلى ذلك الوضع الذي أخذ يتجسد فيه طموح وآمال المناضلين الأوائل على مستوى الأرض اليمنية كلها ، ووقف الحزب إلى جانب هذا الحراك وطالب بعدم الوصاية عليه ،
إلا أن بعضاً ممن خرجوا من كهدف التاريخ يمارسون الإنتقام ، ومعظمها أصحاب تاريخ يصعب الدفاع عنه أو الركون إليه ، عهداً على تشويه أهداف الحراك وتحويل المعركة إلى معركة مع الحزب الاشتراكي في محاولة لإخراجه من المعادلة الجنوبية بإدراك خاطئ من اولئك الباحثين عن الزعامة أنهم لا يمكن أن يكونوا زعماء بوجود الحزب الاشتراكي في المعادلة ، وعلى هذا المنوال تصرف البعض باعتقاد أن الزعامة جاهزة لهم بمغادرتهم الحزب وهو ما شجعهم عليه البعض ، لكنهم وجدوا الواقع أكثر تعقيداً مما تصوروا .
تمسك حزبنا بخياراته الوطنية التي أخذ يطورها في اتساق مع المسار النضالي للقوى الوطنية والثورية الديمقراطية وطالب بحل عادل للقضية الجنوبية واحترام نضال وتضحيات الجماهير ، وفي هذا السياق دافع بقوة عن أصحاب الرأي السياسي أياً كان هذا الرأي طالما انه محمول سلمياً ، وقيم الوضع في الجنوب على أن سياسات النظام آنذاك هي التي أوصلته إلى ما وصل إليه وأن إصراره على هذه السياسات دليل على اتباعه المنهج التفكيكي للبلاد بما يتناسب مع النظام العائلي لإدراكه أن هذا المنهج هو وسيلته المثلى في مواجهة المشروع الوطني الذي كان قد أخذ يتشكل بقيادة اللقاء المشترك على أسس قوية دعا أي اللقاء المشترك بموجبها إلى حل عادل للقضية الجنوبية ورفض العنف والقمع لمواجهة مطالب الناس السلمية واعتبر أن التطرف في القمع والعنف اللذان مارسهما النظام سبباً في إنتاج المزاج السياسي المتطرف وهو الأمر الذي يغذي المنهج التفكيكي الذي اتبعه النظام ،
وانسجاماً مع هذه الأسس دعا إلى وقف الحروب في صعدة واعتبرها عملاً عبثياً هدفها هروب النظام من حالة الفشل الذريع له في إدارة البلاد إلى هذه الحروب العبثية وشكل موقفه الضاغط لوقف الحروب عاملاً أساسياً في وقفها ، ثم أخذ يبلور رؤيته السياسية لإنضاج الحالة الثورية برفضه المشاركة في الانتخابات المزورة التي كان هدفها إعادة إنتاج النظام نفسه وبصورة موسعة مع كل مرة تجري فيها الانتخابات ورفضه الحوارات الشكلية مع النظام ، ووضع قواعد محددة للحوار ولإنتخابات حرة ونزيهة رفضها النظام ، وتواصلت المواجهة السياسية في الوقت الذي كانت تتشكل فيه على الأرض عناصر الحالة الثورية ،
ولم يكن بالإمكان اقتحام هذا التشكل بتسوية تعيد إنتاج النظام ، فلو أن اللقاء المشترك قبل بذلك في تلك المرحلة لكان ذلك قد أدى إلى خنق التفاعل الثوري وأدخل البلاد في حالة من الإحباط واليأس وخرج النظام منتصراً ، غير ان الرؤية السياسية للمشترك ومعه القوى السياسية والاجتماعية التي أخذت تلتقي في إطار الدعوة إلى الحوار الوطني بين كل القوى كبديل للحروب والتسويات الجزئية وكبديل للإقصاء والإلغاء والاستبعاد السياسي والاجتماعي ، لقد كان الالتفاف حول الدعوة إلى الحوار الوطني الشامل بمثابة المقدمة التي هيأت الوعي الاجتماعي السياسي للقبول بفكرة الثورة السلمية ، ومهدت الشروط لدخول هذه العملية باطمئنان إلى أن الحالة الثورية ليست مجرد حالة طارئة ، ولكنها ستفضي حتماً إلى تغيير النظام بالوسائل السلمية .
انطلقت الثورة في فبراير 2011م بخروج الشباب إلى الساحات في مشهد تاريخي أذهل العالم وقلب معادلات القوة عند النظام ، وكانت تلك المرحلة المبكرة بحق هي ربيع اليمن الذي جاء بعد شتاء قارس وسديم من الإحباط والذي أكد أن للشعوب منطقها الخاص حينما يتعين عليها أن تنقذ بلدانها من الانهيارات في الوقت المناسب ، وكان قد سبق ذلك بثلاث سنوات الانتفاضة الشعبية في الجنوب في صورة حراك سلمي كان لها الأثر في الدفع بمكونات الثورة السلمية إلى مساراتها الصحيحة .
لا نريد هنا أن نخوض في تفاصيل هذا الحدث التاريخي الهام منذ بدايته حتى توقيع المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية والبدء بتنفيذ المرحلة الأولى من العملية السياسية ومكوناتها المختلفة فقد أوردنا ذلك بالتفصيل في مناسبات سابقة ، غير أنه لا بد من الإشارة إلى بعض المسائل التي لها صلة ربما حاسمة بالمسارات السياسية والوطنية للبلاد داخل المرحلة القادمة :
1) لم تكن نتائج اختبار تماسك القوى الحاملة للمشروع الوطني الديمقراطي في الساحات مبشرة ، حتى أنه بدا وكأننا رمينا بمشروعنا الوطني إلى الساحات ليتفجر هناك بسبب عدم القدرة على رعايته وسط ذلك الزخم الثوري وتداخل الأهداف المرحلية (القواسم المشتركة للجميع) مع الأهداف البعيدة البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأحزاب .
2) نشوء ظواهر لصراعات أيديولوجية خارج الحاجة الفعلية لثورة تستهدف التغيير ، الأمر الذي نشأت معه الحاجة وسط الثورة السلمية إلى التمسك بأدوات القوة عند بعض القوى في مفارقة كان لها آثارها السلبية على الثورة ، ولا يمكن أن نتجاهل تأثير ذلك على المشهد السياسي اليوم والعوامل التي تتجاذبه وعلاقة ذلك بحالات الاستقطاب التي نشأت خلال هذه الفترة وفي قلب العملية الثورية .
3) كشفت الأحداث مكانة اليمن في المعادلة الإقليمية والدولية وهو ما يضع أمام اليمنيين مسئولية كبيرة في التعاطي مع هذه الحقيقة ، وعلى الرغم مما أسفرت عنه المرحلة الماضية من نظام الحكم السابق من إضعاف لمكانة اليمن في المعادلتين الإقليمية والدولية إلا أن الاهتمام الذي أبداه الإقليم والمجتمع الدولي بمنع انزلاق اليمن نحو الحرب مع التمسك بتحقيق أهداف الثورة في التغيير قد أكد أن اليمن عنصر فاعل في المعادلة الإقليمية والدولية وأنه لن يصبح كذلك إلا بدولة قادرة على صياغة معادلة الشراكة على أساس المنافع المتبادلة ، وبدون إنتاج المنافع للغير فإنه من الصعب الإبقاء على شراكة درء الضرر القادر من ناحيتها تجاه الآخرين .
أخذت الإستقطابات ذات البعد الصدامي من أجل الثورة تنتج خطابها الذي أربك حالة التماسك الداخلي لعناصر الثورة ، ويمكننا هنا أن نشير إلى ثلاثة نماذج :
أ) مخاطبة الحراك الجنوبي من خارجه من قبل البعض بأسلوب تحريضي تعبوي لتوظيف القضية الجنوبية في معركة أخرى ليس علاقة بالقضية الجنوبية ، وقد استطاع هذا الاستقطاب تحقيق قدر من الإنزياحات ح داخل الحراك لصالح طرف بعينه ضد أطراف أخرى ، وكان الجامع الأكبر لهذا الاستقطاب هو مهاجمة الاتفاق والمبادرة والعملية السياسية .
ب) استقطاب آخر انكمش على نفسه ولم يكن بعيداً عن النموذج الأول واعتبر أن انتصار الثورة (فبراير ) خطر على القضية الجنوبية في أسوأ تقدير لمفهوم الثورة ومقاصدها وذلك من منطلق أن اختفاء علي صالح من الحكم يقضي على فرصة التفاهم مع من تحققت معه الوحدة .
ج) أما الاستقطاب الثالث فقد اعتبر أن خروج علي صالح من الحكم لم يعد يترك أي مجال لنقد الوحدة وحمل جزء كبير من خطابه تحذيرات من الحديث عن الوحدة وتطور هذا الخطاب حتى تبلور مؤخراً في رفض الحوار حول الثوابت ، وهو ما يفهم منه أن الوحدة من الثوابت التي لا يجوز الحوار حولها ما يتعارض مع المنطلقات الأساسية التي قام عليها الحوار بين مختلف مكونات العمل السياسي .
هذه النماذج الثلاثة الأبرز لا يمكن أن تعفينا من التصرف لحالة الارتباط التي عاشتها قوى اليسار والقوى الليبرالية التي قدمت تضحيات جسيمة في معركة التغيير ، ففي الوقت الذي كانت الرؤيا الاستراتيجية البعيدة لديها أكثر وضوحاً فأنها ظلت تفتقر إلى التكتيكات المناسبة التي تصاحب حركتها في الميدان وبصورة منسجمة مع ايقاعات الأحداث ، ولذلك فقد كانت دائماً ما تصطدم بالوقائع والأحداث على الأرض ولم تكن تملك من التكتيكات المناسبة لاستيعابها وزاد من هذا أن الفجوة التي نشأت بينها وبين قياداتها الحزبية كان سببها عدم قدرة هذه القيادات على توصيل خطواتها التكتيكية في قواعدها بسبب حالة الصخب الثوري الذي مارسته قوى أخرى والذي وجد صدى لدى هؤلاء بسبب الاستعداد المتزايد لديهم للتضحية وكأن هذا مبرر كاف للمناضل الثوري أن يواصل رومانسيته الثورية دون أن يلتفت في لحظة معينة للنظر إلى ما يدور على الأرض ويحدد مساراته في ضوء ذلك .
تاريخ اليسار والقوى الليبرالية في اليمن هو أنهم كانوا يصنعون النصر ويتخلون عنه لغيرهم بسبب غياب التكتيك في مسارهم الثوري.
- بقراءة متأنية للوقائع والأحداث التاريخية والصدمات التي عاشها اليسار في تجاربه النضالية التاريخية لم يكن أمامنا من خيار نحن في الحزب سوى أن نخوض تجربة متكاملة بأدواتها الاستراتيجية والتكتيكية ، ونستطيع اليوم أن نقول وبثقة أننا بسبب ذلك لم نتخلف عن المسار الثوري حتى وصل إلى محطته السياسية ولدينا الاستعداد الكامل لوقفة نقدية في ضوء ما أسفرت عنه الوقائع اليوم بالمقارنة مع تجارب تاريخية سابقة .
- بعد أن دخلت العملية السياسية مراحل متقدمة حتى الآن كيف نرى المشهد :
1- لابد من القول أن ما تحقق خلال الفترة المنصرمة من خطوات لتفكيك النظام السابق المتغول بمصالح نخب وقوى جرى اختيارها بعناية من قبل قيادة النظام هي على قدر من الأهمية في مسار استعادة الدولة المغتصبة (المصادرة)غير أن ما يؤخذ عليها هو أنها لم تجسد في إنتاج البديل ( مضمون الشراكة الذي استهدفته العملية السياسية) ، ولا أقصد بالشراكة المحاصصة بين أطراف العملية ولكن تحمل المسئولية المشتركة في عملية البناء والتغيير معاً فالضمانة الحقيقية لتجنب الأخطاء هي الانطلاق بمفهوم واضح ومتفق عليه لمضمون العملية السياسية .
2- إن نجاح العملية السياسية مرهون بتخلى الأطراف المختلفة عن أدوات القوة العسكرية التي راكمتها بيدها خلال الفترة المنصرمة في ظل نظام ضرب العمل السياسي وشجع الصراعات التي أفضت إلى تراكم القوة والسلاح والثروة في أيدي قوى بعينها هي التي يشار إليها اليوم بأنها مراكز الفعل السياسي المدعوم بقوة السلاح والثروة ، وهذا الاختلال الكبير في المعادلة السياسية سيظل سبباً رئيسياً في إنتاج الصعوبات أمام إنجاح العملية السياسية ، .
وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض المسائل :
أ) عدم اتخاذ قرارات حاسمة بتوحيد الجيش والأمن وعلى وجه السرعة سيؤدي إلى إستقطابات متناقضة مع جوهر العملية السياسية باتجاه العنف ، وسيعاد بناء المشهد السياسي من مكونات القوة والنفوذ التي تكونت في ظل النظام السابق. .
ب) يتحمل " تجمع الإصلاح " مسئولية كبيرة في المساهمة في إنتاج حياة سياسية متوازنة تستعيد فيها الأحزاب التي جرى تهميشها وضربها في مرحلة معينة عافيتها ومكانتها في الحياة السياسية وتقع عليه مسئولية كبيرة في إصلاح هذا الوضع إذا أراد للحياة السياسية أن تستقيم على قواعد قوية تسمح بمواصلة المشوار على طريق الديمقراطية ، أما إذا أهمل مهمته في المساهمة في إصلاح الحياة السياسية واستطاعت القوى الأخرى أن تجره إلى مشروعها المتصادم مع العملية السياسية فإن ذلك سيشكل نكسة كبيرة للثورة ولعملية التغيير برمتها ، وبدون إصلاح الحياة السياسية فإن "الإصلاح" سيجد نفسه يخوض معاركه القادمة على قاعدة مختلفة تماماً عما بشر به مع شركائه وبأدوات مختلفة ولن يكون ذلك لصالح المشروع السياسي الديمقراطي .
والإصلاح الذي قدم نفسه كقوة للتغيير يجب أن يلتزم بخط التغيير الذي سيفضي إلى تغيير جذري لقواعد العملية السياسية وشروطها ومن ذلك استعادة التوازن للمشروع الوطني بقواه المختلفة والسير في هذا الطريق له استحقاقات يستطيع أن يتحملها ، وكلفتها أقل مما لو أغرته القوة بالسير في مشاريع الغلبة والتي تظل نتائجها مؤقتة لأنها لا تؤسس لحياة سياسية ديمقراطية مستقرة .
3 أما الحوثيون فقد آن الأوان أن يكونوا أكثر وضوحاً في المشروع السياسي الذي أصبحوا جزءً منه بانخراطهم في الحوار وبوضعهم الحالي يتحملون هم أيضاً جزءً من المسئولية في إصلاح الحياة السياسية ومن الخطأ أن يقبلوا تأسيس مشروعهم على قاعدة القطيعة مع النسيج الوطني من منطلقات عرقية يستسلموا بموجبها لما يريده خصومهم أن يكونوا عليه .
4 المؤتمر الشعبي هو نقطة ضعف العملية السياسية فالقوى المقاومة للتغيير هي التي لا زالت تهيمن عليه ، وتخليص المؤتمر من هيمنة هذه القوى سيمكنه أن يلعب دوراً أساسياً وفاعلاً في العملية السياسية الديمقراطية ، ونقطة البداية هنا هو أن على الرئيس السابق أن يقبل بحقيقة أنه قد غادر السلطة بالمفهوم الذي جسدته السلطة أثناء حكمه وبالمفهوم الذي تضمنته المبادرة والآلية التنفيذية وكافة مرجعيات نقل السلطة ، ونحن لا نتفق هنا مع ما جاء على لسان السفير الأمريكي الذي قال أن المبادرة لم تتضمن إلزام صالح بالتخلي عن العمل السياسي ، هذا غير صحيح بالمرة ، فنقل السلطة تم إلى نائبه كرئيس للدولة وكرئيس للمؤتمر ، فلو أن سلطة الحكم انتقلت إلى شخص آخر خارج حزبه لحدث مثل هذا اللبس ، إن المسألة في تقديري لا تكمن في التفسير الملتبس "التفسير هو مسئولية أصحاب المبادرة الأصليين وكذا اللجنة التي صاغت الآلية التنفيذية" ، ولكن في الظروف التي رافقت تنفيذ المبادرة فيما بعد والاستقواء بمصادر القوة التي لا زالت مغتصبة وضعف إرادة المؤتمر في السير نحو إنجاح العملية السياسية .
5 الحراك في الجنوب معادل سياسي موضوعي ، التحول إلى العنف خطير ، لأن مشاريع العنف كثيرة ومتداخلة ، والحل العادل للقضية الجنوبية يكمن في منح الشعب حق المبادرة السياسية وعلى النخب أن تفرد في خطابها مكاناً للشعب في تقرير هذه المسألة وفي ظروف يمارس فيها مبادرته السياسية بدون ضغوط ، والحوار مشاريع سياسية أكثر تأثيراً من التمسك بالتمثيل الجغرافي .
6) لا يبدو أن بعض القوى في المعادلة السياسية اليمنية قد أدركت حقيقة ما يعتمل في اليمن بشكل عام من ثقافة تفكيكية خطيرة سببها الحروب ومنهج القوة في تكريس مشروعية الحكم ، وأن هذه الثقافة تتطلب بداية إدانة الأسباب التي قادت إليها ، ولذلك كانت لجنة الحوار حكيمة عندما تقدمت بتلك النقاط العشرين إلى رئيس الجمهورية ومن ضمنها الاعتذار عن حرب 1994م وحروب صعدة وحل المشكلات الناجمة عن هذه الحروب لتهيئة المناخات لحوار ناجح يجسد الانتقال إلى مرحلة جديدة من البناء بعيدة عن ثقافة الحروب ومنهج القوة ، غير أن الحملة التي شنها البعض ضد الاعتذار عن الحروب قد أغرى تجار وسماسرة الحروب للحديث عن التحضير لحروب أخرى وتصفيات قادمة وهو أمر لا يمكن فهمه إلا بأن حسابات أطراف " القوة " من العملية السياسية لا زالت محكومة بمعرفة مسار هذه العملية وإلى ماذا ستفضي (يعني العملية شور وقول ) فهل ينسجم هذا الوضع مع التضحيات الضخمة التي قدمتها الثورة من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة هي القاسم المشترك بين كل الناس باعتبارها الضامن لحرية الجميع في تسويق مشاريعهم السياسية سلمياً والكلمة الفصل في ذلك للإرادة الشعبية . والسلام عليكم ورحمة الله