تقول صور من وثائق تم الحصول عليها مما كان يعرف باسم «وحدة المعلومات السرية» التي كانت تتبع بشكل مباشر مكتب العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، إن المخابرات الليبية في النظام السابق عملت ولعدة سنوات على قدم وساق لتنفيذ عمليات تخريبية في السعودية، كما حاولت عن طريق الكثير من العملاء والإرهابيين والمرتزقة، وضخ ملايين الدولارات، تنفيذ مخططات ضد المملكة. وورد في المستندات اقتراح بالاستعانة بالقراصنة الصوماليين، واستخدام شركة صيد بحري ليبية، وكذا مقترح بإنشاء شركة بحرية أخرى على شواطئ الصومال للغرض نفسه.
«الشرق الأوسط» اطلعت على مئات المستندات المحفوظة لدى قيادات كتائب عسكرية في طرابلس، وتمكنت من الحصول على صور للعشرات منها، وإجراء تحريات عن المعلومات الواردة فيها من مصادر فرت خارج ليبيا بعد أن كانت تعمل بالقرب من العقيد الراحل الذي ظل في الحكم مدة 42 سنة.
ويبدو من صور المستندات أن العمليات الكثيرة التي حاولت مخابرات القذافي القيام بها على مدى عدة سنوات، باءت بالفشل لأسباب كثيرة على رأسها يقظة الجانب السعودي الذي عمل على إرباك خطط القذافي، والقضاء عليها في هدوء، رغم تسبب تلك الخطط في سقوط ضحايا أبرياء في عدة دول خاصة في شمال اليمن التي كانت منطقة نشطة لعناصر عملت لصالح النظام الليبي السابق انتهت بالحرب الفاشلة التي افتعلتها عناصر من الحوثيين ضد حدود السعودية قبل عامين.
هذا بالإضافة إلى أنشطة كثيرة أخرى سيرد ذكرها في حلقات، حاولت فيها مخابرات القذافي استخدام جمعيات وصحف وقنوات تلفزيون وإنترنت، لاستهداف السعودية. وتوجد مجموعات من صور الرسائل، بعضها يكشف العمل المنظم من جانب القذافي ضد السعودية، وبعضها يتحدث عن اختراق المخابرات الأميركية لأكثر من عشرين ألف مكالمة لكبار رجال النظام الليبي السابق بما في ذلك مكالمات القذافي نفسه، وابنه سيف الإسلام، ورئيس مخابراته عبد الله السنوسي، وغيرهم. وتوجد رسائل أخرى تتعلق بعمليات ضخمة للاتجار في الكوكايين بين عناصر من تنظيم القاعدة ومسؤولين محليين آخرين في مالي وعدة دول أفريقية، وبالتعاون مع أطراف من كولومبيا وغيرها.
وتكشف صور رسائل أخرى تم تبادلها بالبريد الإلكتروني أن وحدة المعلومات السرية التابعة للقذافي، كان يشرف عليها كل من العقيد «ع»، ويساعده اثنان من أقارب القذافي كانا من قيادات اللجان الثورية. «الشرق الأوسط» تنشر هذه الوثائق بعد تصويب ما فيها من أخطاء نحوية وإملائية، مع الاكتفاء بذكر الحرف الأول من الاسم الثاني لكل شخصية ممن وردت أسماؤهم في المكاتبات السرية
* المجموعة الأولى من صور الرسائل التي تتحدث عن الدفع بمجموعات من المسلحين والمخربين إلى داخل السعودية، جرى تبادلها بين عملاء للنظام الليبي السابق في اليمن ووحدة المعلومات السرية في باب العزيزية في طرابلس الغرب في الفترة الممتدة من خريف عام 2009 حتى مطلع عام 2010. ويظهر من خلالها الاستهداف للسعودية من نظام القذافي دون أي ذكر لمبرر واضح، واستخدام نظام العقيد، كل ما يمكن من وسائل في مساعيه ومحاولاته الغريبة التي لم تكتمل بغرض إثارة القلاقل داخلها ومهاجمة بعض الأهداف الحيوية بالتفخيخ والتفجيرات، سواء عن طريق بعض التنظيمات أو العناصر المنتمية إلى تنظيم القاعدة، لكن الرسائل تُظهر أيضا أن مخابرات القذافي كانت تتلقى ضربات موجعة من الجانب السعودي، الذي كان يتصدى لتلك المحاولات وإفشالها أولا بأول.
وتتضمن صور هذه الرسائل خطة تجنيد آلاف المرتزقة من المنتمين لحركة شباب المجاهدين المرتبطة بتنظيم القاعدة في الصومال، وكذا تجنيد عناصر من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومقره اليمن، بالإضافة إلى محاولات أخرى لاستقطاب ما يعرف بجيش عدن – أبين في جنوب اليمن، وفصائل من الحوثيين في شمال اليمن، وآخرين من العراق، يعرفون باسم «مجموعة الألوية العراقية».
الهدف من تجنيد هذه الآلاف، المتكونة من خليط من المسلحين ينتمون لدول شتى قريبة من السعودية، هو سهولة التسلل عبر حدود المملكة من الجنوب والشمال في آن واحد لتنفيذ عمليات متزامنة في الرياض وجدة ونجران وجيزان وعسير وغيرها. وتتحدث رسالة سرية تحت عنوان «استكمال العمل الميداني»، وردت إلى وحدة المعلومات السرية التي كان مكتبها يقع بجوار مكتب القذافي في باب العزيزية، عن تفاصيل الترتيبات المطلوب استكمالها لتقويض الاستقرار في السعودية.
يقول نص الرسالة: «لكي يتم استكمال الإجراءات النهائية للمجموعات، التي (يوجد) جزء منها في ترتيباته النهائية، وتجهيز الباقي في المدة المتبقية، لكي تكون جاهزة لأداء مهامها:
1 – الجبهة الشمالية الشرقية: وهي المجموعة العراقية الجاري الترتيب لتسريب أغلب عناصرها إلى الداخل، وستكون مهمتها مقتصرة على الرياض».
وتقول الرسالة في البند الثاني:
- 2 – الجبهة الشمالية الغربية:(جبهة الحجاز)، محمد م» لديه مجموعات وخلايا داخل جدة بالإضافة إلى إمكانية مهاجمة بعض الأهداف الحيوية، وكذلك تقديم المعلومات.
- 3 – الجبهة الجنوبية: مجموعة «ص. بن. ش.» و«س. أبو. ل.» و«ي. أبو.ش». وتكون انطلاقتها من الأراضي اليمنية أراضي قبيلة «و»، وستكون باتجاه نجران وجيزان وعسير وقد تتمكن من الوصول إلى جدة. وكثير هذه القوة (6 آلاف مسلح) يوجدون في حالة جهوزية مع الرغبة في زيادة حجم القوة بإضافة سبعة آلاف مسلح بحيث تصبح في حدود 13 ألفا.
وتواصل الرسالة قائلة بالنص: قبائل «ع» بمأرب – مجموعة الشيخ «ع.م»، وعدد هذه القوة إذا وافقنا على تجهيزها ستكون ألف مقاتل من أبناء مأرب. وهناك خطة جيدة لديهم للتنسيق والتعاون مع مجموعة القاعدة في جزيرة العرب التي هي الآن بأراضي هذه القبائل.
وتتحدث الرسالة عمن تسميهم «الصوماليين المدربين على استخدام السلاح»، وتتحدث أيضا عن شركة بحرية ليبية تقول إنها يمكن أن تقوم بنقلهم من الصومال إلى السواحل اليمنية، ثم إدخالهم عن طريق اليمن، إلى الأراضي السعودية.
وتقول الرسالة: «الصوماليون: – مستعدون لأي عدد.. ويمكن العمل على تجهيز عشرة آلاف صومالي أغلبهم أصلا مدربون على السلاح يحتاجون إلى زيادة رفع الكفاءة والتدريب على التفخيخ والتفجيرات، وجارٍ الآن تجهيز معسكرات التدريب بالصومال، علما أن لديهم مجموعات في الداخل في حدود (300) شخص، وأُعدت خطط لوصولهم عن طريق اليمن بمساعدة القراصنة الصوماليين وشركة الصيد البحري الليبية بمعرفة «ز» و«م». وهناك رأي آخر سندرسه إذا انضم جزء أو أغلب الصوماليين إلى مجموعات «و» و«ع»، وانطلقوا في آن واحد.
وتتناول الرسالة ذكر مجموعات أخرى من المقاتلين المرتزقة والإرهابيين، وتقول إنهم على أهبة الاستعداد والجاهزية ويمكن تسريبهم إلى داخل السعودية من أجل مهمة تنفيذ عمليات تخريبية فيها. وتقول الرسالة بالنص: مجموعات «ر»: – الآن جاهز منهم (2000) ويكمن تسريبهم أو دخولهم في الوقت المناسب.. مشكلة هذه المجموعات المصروفات العالية بالإضافة إلى أن الأخ مبروك لا يتحمل عملهم في الداخل. ويقول إن هذه من مهمة الدكتور «ع.ع»، والنقيب «ش». وهؤلاء طلباتهم مبالغ فيها فإذا أردنا الاستفادة من «ر» يمكن ضمهم إلى اليمنيين أو العمل مع قياداتهم في الداخل لتحمل المسؤولية. أو تعويضهم بأعداد من الصومال.
وتواصل الرسالة قائلة: «مجموعة ش»: هي مجموعة الجر..، بالإضافة إلى أنه تم الاتفاق مع «ط. ر» على إصدار بيانات ومنشورات باسمه ووافق على ذلك.
- وهناك مجموعة المحامي «ق» ومعه مجموعة ضباط في الداخل وعناصر أخرى من «ش».
- إمكانية الاستفادة من الحوثيين إذا أوقفت الحرب السادسة (حرب صعدة 2009 – 2010) وانتهت بالمحافظة على مواقعهم في (مناطق) الملاحيظ وحرف سفيان وصعدة، حيث لديهم الاستعداد لذلك أو ربما يستعان بهم في خلق فوضى على الحدود اليمنية – السعودية أو فرز قوى منهم للمشاركة. وجاء في الرسالة نفسها تحت عنوان فرعي هو «احتياج المجموعات لاستكمال الإجراءات»، وتتضمن خطة تفصيلية بمطالب كل رئيس مجموعة من المجموعات التخريبية على الجبهات داخل السعودية، وتبين الرسالة أن عملاء المخابرات الليبية قاموا بتحديد تلك المواقع لبدء تنفيذ المخطط فيها لإثارة الفوضى والتدمير والقتل. كما تتضمن الرسالة بيانات تفصيلية عن مقدار الأموال التي تحتاجها الخطة في كل موقع، ورئيس المجموعة الذي سوف تحول له الأموال التي يصل مقدارها إلى ملايين الدولارات:
«1 – جبهة الحجاز – م. م (5) ملايين. 2 – جبهة «و» العدد (6000) نرى إضافة (4000) مسلح بحيث يصبح عدد القوة (10000) ولإتمام الاستعدادات يحتاجون إلى (18) مليون دولار. 3 – مجموعة الألوية العراقية عددهم (2500) وهم على هيئة فرقة منظمة عسكريا لاستكمال إجراءاتهم يحتاجون إلى (7) ملايين. 4 – مجموعة ع. م (قبائل «ع» ومجموعات مأرب) بالإضافة إلى مجموعات جزيرة العرب (فرع تنظيم القاعدة) ويشمل التدريب والتسليح والتجهيز، ويحتاجون إلى (7) ملايين. وتواصل الرسالة سرد بنود المتطلبات المالية وهي بالدولار، قائلة: «5 – الصوماليون.. إجراءات التدريب في حدود (10) ملايين ويمكن زيادة العدد حسب الطلب ولتسريبهم عن طريق البحر وتسليحهم (..) يحتاجون إلى (12) مليونا. 6 – بالإضافة إلى رصد مبلغ للحوثيين».
وفي رسالة أخرى تحمل عنوان «استكمال باقي احتياجات المجموعات» تتحدث بمزيد من التفاصيل عن الأموال الإضافية المطلوبة لكل مجموعة، وتقول:
«1 – مجموعة جبهة الحجاز (م.م)– تحتاج إلى (3) ملايين دولار.
2 – مجموعة ص. بن. ش + س.أبو. ل+ ي.أبو.ش. عدد قواتهم 6 آلاف، ويحتاجون إلى زيادة 4 آلاف – يحتاجون إلى 15 مليون دولار.
3 – مجموعة الألوية العراقية استكمال إجراءات تجهيز الدخول داخل السور – يحتاجون إلى (6) ملايين دولار.
4 – «المبروك. س» + مجموعة الداخل، جاهز ولديه ألفا عسكري ومتدرب، ويحتاج إلى إجراءات دخولهم وتسريبهم – يحتاج إلى (4) ملايين دولار.
5 – «ع. م.» مجموعة جزيرة العرب + 1000 عسكري من قبيلة «ع»، إجراءات تجهيزهم – يحتاج (3) ملايين دولار.
6 – الدكتور «ش» مجموعة (ق) في الداخل – يحتاج إلى (1) مليون دولار. 7 – مجموعة الصوماليين إنشاء معسكر تدريب + إنشاء شركة صيد بحري على الشواطئ الصومالية – يحتاجون إلى (6.5) مليون دولار.
وفي رسالة رابعة تحت عنوان «التقديرات المطلوبة لعدد (1000) مقاتل ولكم التقدير»، قالت إن إجمالي المطلوب شراؤه من أسلحة وذخائر لكل ألف مقاتل يبلغ 7561500 دولار، وتضمنت مزيدا من التفاصيل عن أنواع الأسلحة المطلوبة، وعدد كل نوع وسعر الوحدة والقيمة الإجمالية لكل منها، من أجل تنفيذ عملية الشراء لتوزيعها على مجموعات المقاتلين الذين سيقومون بتنفيذ عمليات تخريبية بها داخل السعودية، بعد التسلل للمدن المستهدفة عبر الحدود خاصة الجنوبية حيث كانت تدور معركة بين الحوثيين، من جانب، والحكومة اليمنية، من جانب آخر، في وقت كانت فيه الحكومة السعودية تتصدى لمحاولات المقاتلين الحوثيين العبور إلى داخل أراضيها، حيث كان المقاتلون الحوثيون يستغلون غياب الحكومة اليمنية عن الحدود مع المملكة.
وجاء في صورة الرسالة أنه مطلوب شراء 150 قطعة من نوع «آر بي جي، بازوكا 9&10»، وقالت إن سعر الوحدة (القطعة) الواحدة يبلغ 1700 دولار، وإن المبلغ الإجمالي لهذا العدد يبلغ 255 ألف دولار. وطلبت الرسالة شراء 100 رشاش من نوع «متوسط محمول»، وقالت إن سعر القطعة يبلغ 800 دولار، وأن إجمالي المبلغ المطلوب 800 ألف دولار.
ومن أنواع الأسلحة التي ذكرتها الرسالة أيضا رشاشات من نوع «م ط 12,7»، وقالت إنه مطلوب منها 30 قطعة، وإن ثمن القطعة الواحدة 11500 دولار، وإن القيمة الإجمالية لهذه المجموعة 345 ألف دولار. وكذا مطلوب 20 قطعة من رشاشات من نوع «م ط 14,5» ويبلغ سعر الوحدة 24 ألف دولار، بإجمالي 480 ألف دولار، و20 مدفعا من نوع «بي 10» قيمة الواحد 11 ألف دولار، بإجمالي 220 ألف دولار، و100 صاروخ كتف من نوع «لو» بسعر القطعة 650 دولارا، بإجمالي 65 ألف دولار.
وورد في الرسالة أيضا باقي المهمات القتالية المطلوبة لمجموعة تتكون من 1000 مقاتل، منها 3000 قنبلة يدوية بسعر 55 دولارا للواحدة، بإجمالي 165 ألف دولار، و20 مدفعا من نوع «هاون 120» قيمة المدفع الواحد 9000 دولار، وإجمالي المجموعة 180 ألف دولار، و20 مدفعا من نوع «هاون 82» بقيمة 7000 دولار للقطعة، وبإجمالي 140 ألف دولار، و20 مدفعا من نوع «هاون 60» بقيمة 6000 دولار للقطعة، وبإجمالي 120 دولارا. ووردت في الرسالة قوائم بشراء الآلاف من الذخائر الخاصة بأنواع الأسلحة المشار إليها في الفقرات السابقة،وهي كالتالي 400 ألف من ذخائر الكلاشنكوف قيمتها 360 ألف دولار (قيمة الطلقة الواحدة 0.9 دولار)، و300 من قذائف البازوكا المتنوعة قيمتها 345 ألفا و500 دولار (قيمة الطلقة الواحدة 115 دولارا، و500 ألف دولار من ذخائر الرشاش المتوسط المحمول، بما قيمته 600 ألف دولار (سعر الطلقة 1.2 دولار)، و150 ألف من ذخائر رشاش «م ط 12,7»، بما قيمته 225 ألف دولار، (سعر الطلقة 1.5 دولار).
وجاء في طلب شراء المهمات القتالية أيضا، في بند الذخائر، 120 ألف ذخيرة رشاش «م ط 14,5» بسعر إجمالي 240 ألف دولار (بما قيمته دولاران للطلقة الواحدة)، و200 قذيفة لمدفع «بي 10» بما قيمته 14 ألفا (بسعر 70 دولارا للطلقة)، و200 قذيفة «هاون 120» بسعر 24 ألف دولار (بما قيمته 120 دولارا للطلقة» و200 قذيفة «هاون 82» بمبلغ 20 ألف دولار، (بسعر 100 دولار للطلقة)، إضافة إلى 200 قذيفة «هاون 60» بمبلغ 14 ألف دولار (بسعر 70 دولارا للقذيفة).
وفي بند آخر، ورد في الرسالة نفسها تحت عنوان «تجهيزات مطلوبة»، أن الشراء يتضمن أيضا 100 جهاز لاسلكي للاستخدام اليدوي والاستخدام في السيارات، بما قيمته 60 ألف دولار بسعر 600 دولار للقطعة الواحدة، و100 سيارة نقل تويوتا بسعر 3 ملايين و200 ألف دولار بسعر 32 ألف دولار للسيارة الواحدة.
ويتضح من الرسائل المتبادلة بين عملاء القذافي في اليمن، خاصة من على الحدود اليمنية – السعودية، وطرابلس الغرب، أن المخابرات الليبية ووحدة المعلومات السرية أخذت تستشعر خطوات الأمن السعودي، وهي تقتفي مخططاتها، وتغير قناعات بعض الموالين للقذافي وتحييدهم في هدوء. ومع ذلك لم يبادر النظام الليبي السابق بوقف التخطيط لعمليات تخريبية داخل السعودية، ولكنه بدأ في تغيير الاستراتيجية والاعتماد على عناصر أخرى تابعة له على الحدود في شمال اليمن كما سيتضح من الرسالة التالية الواردة تحت عنوان «فحوى الخطابات الجديدة من الإخوة في اليمن للعرض والاطلاع والتصرف».
تحمل الرسالة ثلاثة عناوين فرعية تم وضعها في مقدمة الرسالة لتلخيص مضمونها من جانب وحدة المعلومات السرية قبل تقديمها للعرض على المكتب الملحق بمقر القذافي. نقاط التلخيص أو العناوين الثلاثة تقول « – دعوة للهدوء قبل ساعة الصفر – تلغيم السعودية بالبشر – الاتصال مع نجران وعسير».
تقول الرسالة نصا: «لا نريد أعمالا تخريبية لا تؤدي إلى نتيجة وتوقظ العدو الغافل الآن. الآن يجب تلغيم السعودية بالبشر». وتعطي الرسالة الأولوية لمزيد من الكمون والسرية في العمل من أجل القيام بضربات مباغتة داخل السعودية. وتواصل الرسالة قائلة: «الآن مرحلة إعداد. هذه جبهة نريدها أن تكون جاهزة. عندما تأتي ساعة الصفر، ويجب العمل ضد السعودية من كل الجبهات قبل أن تعمل ضدنا. ويجب ألا نظهر في الصورة. ممكن عمل قيادة شعبية اجتماعية من قبائل بكيل (وتوضح رسائل أخرى كيف ردت قبائل بكيل بقوة أصابت عملاء القذافي بالخيبة). هذا يشجع بقية القبائل لتحذو حذوكم. الآن المطلوب تدريب العناصر.. التي عنده يدربها ويوسع قاعدة المتدربين ويخمن من الآن خريطة عمل لكيفية تسلل العناصر والسلاح للداخل».
وتوصي الرسالة بالعمل على تشكيل «مجموعة على هيئة معتمرين أو حجاج. ويتم استطلاع الأهداف المهمة والحيوية، ويبقون مجموعات هناك على هيئة باحثين عن عمل أو أي ساتر مناسب. الآن المرحلة مرحلة إعداد ليس مرحلة سيارات أو تركيب رشاشات عليها. كما أن المهم هو كيف تحقق اتصالا وتماسا مع نجران وعسير والزعامات داخل السعودية، بمن فيهم الحرامية والزنادقة (..) والمجرمون كذلك، وإيوائهم واستغلالهم بالعكس، والاستعداد للزحف ساعة الصفر مع بقية الجبهات». تشير الرسائل المتبادلة بين عملاء النظام الليبي السابق في اليمن ووحدة المعلومات السرية في باب العزيزية إلى أن النشاط الليبي على الحدود اليمنية – السعودية كان يجري على قدم وساق، ولم يكن يكتفي بإعداد المقاتلين للتسلل إلى داخل الأراضي السعودية فقط، بل كان يجمع المعلومات ويقوم بأعمال التصوير وكأنه يدير معركة كاملة هناك. وفي رسالة تحمل عنوان «اللي جاب الصور مسك»، تقول إن شخصا من عملاء النظام الليبي السابق، لم تذكر اسمه أحضر صورا وتم توقيفه. ويبدو أن الصور تخص مواقع على الحدود اليمنية – السعودية، لأن الحديث عن هذه الصور يقترن بالحديث عن تجهيز دفعة من المقاتلين في تلك المنطقة الحدودية الواقعة بين منطقة نجران في جنوب السعودية ومحافظة الجوف التي تقابلها في شمال اليمن. وتقول الرسالة إن هذا الرجل تم القبض عليه، دون ذكر للجهة التي قامت بتوقيفه، هل هي اليمن أم السعودية؟ والرسالة تم إرسالها من اليمن أثناء احتدام الحرب بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وهي الفترة التي كان فيها الجيش السعودي ينفذ عمليات لحماية الحدود من عدوان الحوثيين على أراضي المملكة عند حدود اليمن.
الرسالة مؤرخة بالتاريخ الهجري يوم 23 ذي الحجة 1430 (الموافق 10 ديسمبر/كانون الأول 2009)، وهي تستشهد ببعض ما نشر في الصحف وقنوات التلفزيون عن سير التطورات على الحدود اليمنية – السعودية.
ويقول نص الرسالة:
«آخر التطورات:
1/ جبهة على غرب نجران في يوم 30-11 (2009) وما زالوا في جبال العشة المطلة على نجران في بلاد وايلة، ونشرتها جريدة «اليوم» السعودية.
2/ جبهة في محافظة الجوف على الحدود اليمنية – السعودية في 2-12 (2009) وما زالوا في منطقة السطر محافظة الجوف ونشرتها قناتا «الجزيرة» و«العربية».
3/ تم تجهيز 2500 (..).
4/ الذي جاب الصور مُسك (أي اعتقل).
——-
—
وثائق مخابرات القذافي (2) – ليبيا دبرت عملية اختطاف مدير المستشفى السعودي في صعدة باليمن لتفجير الخلافات بين قبائل الجوف
طرابلس : عبد الستار حتيتة
تواصل «الشرق الأوسط» نشر وثائق تخص مخابرات العقيد الراحل معمر القذافي، بعد أن صادرتها كتيبة من كتائب طرابلس العسكرية في أعقاب اقتحام مقر حكم النظام الليبي السابق في «باب العزيزية» صيف 2011.
وتعكس مجموعة من صور الوثائق الجديدة فشل استخبارات القذافي في السيطرة على مقاليد الأمور في جبهة حرب الحوثيين على الحدود السعودية الجنوبية، وقيام مجموعة من القبائل اليمنية بالتصدي لمخططات النظام الليبي السابق، من خلال عقد تلك القبائل مؤتمرات ولقاءات للمصالحة من أجل إعادة الاستقرار لليمن بدلا من الحرب المستعرة التي تقول المستندات إن عملاء القذافي في اليمن كانوا يعملون على تغذيتها بكل السبل.
وتبين عدة مراسلات بين عملاء القذافي ومخابراته تأثير النفوذ الذي كان سيف الإسلام القذافي قد بدأ يحظى به في ليبيا، على وتيرة عمل فروع رئيسية سرية تابعة للأمن الخارجي الليبي، حيث تظهر بعض الرسائل بطئا ليبيا في الرد على مطالب العملاء، وتشتت بعض المتعاونين الآخرين، إضافة إلى ابتعاد آخرين، في نهاية المطاف عن الاستمرار في العمل مع الشبكة الليبية.
وتوضح المستندات أن بعض عملاء العقيد الراحل، بعد أن استشعروا الضعف وقلة الحيلة على الحدود السعودية الجنوبية، دبروا عملية اختطاف مدير المستشفى السعودي في صعدة، وإلقاء مسؤولية الخطف على إحدى القبائل في شمال اليمن لتفجير الخلافات بين بعض القبائل اليمنية في منطقة الجوف، وذلك بعد أن شرعت عدة قبائل في الدعوة إلى الحوار والمصالحة ونبذ العنف بالفعل.
استمر تبادل الكثير من الرسائل بين عملاء العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ووحدة المعلومات السرية التابعة له، لكن لوحظ في الرسائل الإلكترونية أن عناوين البريد كثيرا ما تتغير، وأن السمة العامة التي اتسمت بها عشرات الرسائل تكمن في تعديل لغتها بمرور الوقت لتتحول إلى رموز غير مفهومة، وبدلا من استمرار تدفق المكاتبات التي تدور عن عمليات تمويل، وأوامر تحريك خلايا نائمة في عدة دول، تجدها فجأة تتحدث عن إجراءات إنهاء مسلسل تلفزيوني ما، لكنها لا تذكر من هم أبطال المسلسل المزعوم أو الإجراءات الخاصة به، غير أشياء محددة من قبيل «تحدثنا مع عبد الله وهو جاهز لأداء الدور»، و«لا بد من زيادة أجرة البطل»، و«نحتاج لإعادة النظر في التمويل، لأن المخصص لا يكفي لكل الخطوات المطلوبة».
من خلال صور من الرسائل التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» تجد أن أهم المتلقين لها هو بريد إلكتروني يسمي نفسه «ديسكفر» discover1991) ، وهو بريد إلكتروني تقول مصادر الاستخبارات الليبية السابقة، إنه خاص برجل يدعى «ع. م»، (عقيد هارب خارج ليبيا حاليا، تمت الإشارة لاسمه في الحلقة السابقة)، وكان يعمل تحت إمرة القذافي مباشرة، وله مكتب مجاور لمكتبه في مقر الحكم في باب العزيزية بطرابلس، أما تنقلات هذا الرجل وتحركاته فكانت تدور تحت ستار النشاط الإعلامي، وفي الفترة الممتدة من عام 2002 حتى الأيام الأخيرة من حكم العقيد الراحل الذي بدأ ينهار مع انطلاق الانتفاضة المسلحة في 17 فبراير (شباط) 2011. يمكن أن تجد اسم هذا الرجل مقترنا بالكثير من مشروعات تأسيس وإطلاق قنوات تلفزيونية ليبية، لكن يبدو أنه لا وجود لها في الحقيقة.
ومن خلال المراسلات، فإن «ديسكفر» كان يستخدم أكثر منبريد إلكتروني، ووفقا للمعلومات وصور الوثائق فإن وحدة معلومات خاصة (داخل وحدة المعلومات السرية لكنها لا تأتمر بإمرة رئيسها)، كانت ترتب هذه العملية التي كانت تجرى، سواء كان «ديسكفر» موجودا في طرابلس أم خارجها، كما أن وحدة المعلومات كانت تقوم بعرض ما يصل إليها أولا بأول على كبار القيادات الليبية وعلى رأسهم القذافي.
ويوجد أكثر من رجل وامرأة كانوا يشرفون على الاتصالات السرية بين نظام القذافي والعملاء المبعثرين في عدة دول في أفريقيا وآسيا وأوروبا، وحتى أميركا، من بينهم رجل يدعى «ع.ع.ق» (من أقارب القذافي وتمت الإشارة لاسمه في الحلقة السابقة)»، وامرأة تدعى «ر.ف»، وكانت لبعضهم علاقات خاصة ومكانة مميزة مع كبار رجال الدولة مثل عبد الله السنوسي الذي يوصف بأنه أهم «صندوق» لأسرار القذافي، ومع أنجال العقيد الراحل أيضا.
وفي السنوات الأخيرة من حكم القذافي، أي بداية من عام 2007 بدأت العلاقات تتداخل مع مجموعة سيف الإسلام القذافي، بل إن بعض صور الوثائق تشير إلى حالة الارتباك بين عدد من متلقي الاتصالات مع عملاء الخارج في وحدة المعلومات، مما تسبب في حالة من الخوف والذعر أيضا بين عدد من العملاء في الخارج، خاصة في اليمن ومصر ولبنان ودول أفريقية، وحتى سقوط النظام في أواخر 2011.
ويبدو أن المراسلات غير مرتبة، لكن كان هناك من يحاول أن يجعل بعضها مخصصا للعمليات في أفريقيا، وآخر مخصصا للعملاء في اليمن، وثالثا يتلقى تقارير عن أنشطة عملاء يواصلون محاولات فاشلة لتنفيذ عمليات تخريبية في السعودية. وتعكس المعلومات الخاصة التنقلات الكثيرة لبعض العملاء وتشعب اتصالاتهم وأماكن وجودهم والمعلومات التي يبلغون عنها.
في رسالة إلى «ديسكفر»، وهو الشخص الرئيسي الذي يتلقى مراسلات الكثير من العملاء، يقول مرسلها، واسمه الأول «عبد الكريم»، ويبدو أنه من لبنان أو سوريا، بسبب كلمة «بدي» الموجودة في متن الرسالة: «تحياتي يا صديقي.. لقد أنهيت الاجتماعات بخصوص إنتاج المسلسل، وطلبوا مني أيضاحات عن أدوار الشخصيات فيه، خاصة دور البطل. سوف نبحث الموضوع خلال اجتماع بيننا قريبا يتم تحديده من طرفكم. كنت بدي أعرف ماذا تم بشأن المستحقات؟ أرجو إعلامي. مع خالص شكري، وإلى اللقاء».
ولا يوجد تاريخ يحدد توقيت هذه الرسالة التي تم الحصول على صورة منها، وتحمل عنوانا بالإنجليزية هو «from»، ولكن يوجد بعد هذه الرسالة رسائل تليها في الترتيب مباشرة ومأخوذة من نفس البريد الإلكتروني في شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2010. ولهذا من المرجح أن يكون تاريخ الرسالة الأولى قريبا من هذا التوقيت، لكن من غير المعروف ما هو المسلسل المقصود هنا، وهل يتعلق ببعض العملاء الذين بدأوا في الهروب من العمل مع مخابرات القذافي، خاصة بعد فشل الحرب السادسة في اليمن كما سيتضح فيما بعد.
من الرسائل التي وردت في خريف عام 2010، رسالة مؤرخة في يوم 29 نوفمبر، تحت عنوان «monday» ومرسلها يلقب نفسه «ذا أونلي» (the only) ، ويبدو أنها، ورسائل كثيرة أخرى قادمة من اليمن، تعكس فشل مخابرات القذافي في الاستمرار في كسب ود عدد من أبناء القبائل اليمنية الكبرى، أثناء محاولات النظام الليبي السابق استخدامها ضد السعودية.
وبدا من صورة رسالة «monday» وصور رسائل أخرى سيرد ذكرها في موضعها، أن مخابرات القذافي كانت قد وصلت إلى الذروة في محاولاتها المستميتة لزعزعة الاستقرار في السعودية، وبدأ عملاء القذافي في اليمن يخسرون الأرض من خلال عدم القدرة على تجنيد أبناء القبائل الكبرى بعد الفشل في مهمة شن حرب على السعودية على أيدي بعض القبائل في شمال اليمن، وبالتحديد في صعدة.
قبل الدخول في مضمون رسالة «monday»، لا بد من الإشارة إلى أن «الشرق الأوسط» أمضت قرابة سنة كاملة من أجل التحقق من مضمون ما ورد في صور الرسائل والمكاتبات التي حصلت عليها. والتقت لهذا الغرض مع اثنين من الشخصيات المهمة في السلك الأمني والسياسي والدبلوماسي الليبي ممن عملوا عن قرب مع العقيد الراحل القذافي.
الشخص الأول كان يعمل في وحدة المعلومات السرية التابعة للقذافي. وفر في شهر مايو (أيار) 2011 من ليبيا، أي عقب نحو شهرين من بدء ثورة 17 فبراير، بعد أن تجمعت تحت يديه حينذاك معلومات تقول إن نظام العقيد منتهٍ لا محالة. ترك كل شيء، زوجته وأبناءه وسيارته ال«بي إم دبليو»، وتسلل عبر الحدود المصرية – الليبية من دون مال ولا وثائق ولا ملابس إضافية. دخل مدينة مرسى مطروح المجاورة بقميص وبنطال فقط ولا شيء آخر. وبعد يوم تمكن من الوصول إلى صديق قديم في مدينة الضبعة التي تبعد نحو 400 كيلومتر غرب القاهرة. ومن هناك بدأ يجري اتصالاته لينتهي به المطاف في إحدى العواصم المطلة على الخليج.
تم تحديد اللقاء معه بصعوبة بالغة، وجرى اللقاء في شهر يناير (كانون الثاني) 2012. يقول: هل تريد أن تعرف لماذا لم تتحمس بعض الدول الخليجية الرئيسية لمناصرة المجلس الانتقالي الليبي (السابق)؟ ويجيب: لأنها كانت على علم بأن هناك أعضاء في المجلس كانوا يقومون بأنفسهم بالتخطيط لعمليات تخريبية في السعودية أثناء حكم القذافي.
وفي يناير الماضي طرحت «الشرق الأوسط» جانبا مما توصلت إليه من معلومات على أحد كبار مساعدي القذافي، خاصة في جانب يتعلق بعمليات تنصت غربية على كبار المسؤولين الليبيين، من عدة مراكز على الحدود الليبية، وردت في صور الوثائق المشار إليها، فقال بعد إجراء مقابلة غير مسجلة معه في إحدى العواصم الأفريقية، إن «هذه المعلومات صحيحة، والقذافي أجرى اتصالات وعاتب أحد رؤساء دول الجوار فأخبره أن مراكز التنصت تلك موروثة منذ الرئيس السابق، ولا يمكنه التخلص منها». وسترد تفاصيل قضية التنصت هذه فيما بعد.
ويوجد ما هو أخطر من كل ما سبق، خاصة أن بعض صور المراسلات تكشف عن قيام عضو سابق في المجلس الانتقالي يدعى «م.ك» كان حتى الأيام التي سبقت شهر فبراير 2011 يزرع الخلايا التخريبية في السعودية التي كان يدخلها بين حين وآخر تحت ستار الحج والعمرة، ويقدم نفسه للجاليات الأفريقية في مكة والمدينة والرياض تحت ستار «رجل أعمال لديه مشروعات في أفريقيا».
ويقول مسؤول كبير في وزارة الدفاع الليبية الحالية يدعى «العقيد عادل.م.ب». ممن عملوا في السابق في جهاز استخبارات النظام السابق قبل أن ينشق عنه، إن الأيام الأخيرة من حكم القذافي كان يسود فيها شعور عام داخل جهاز الاستخبارات بأنه، أي الجهاز، يتلقى ضربات متتالية وقوية من جانب السعودية، بسبب قيام القذافي بتمويل أنشطة متعددة ضد المملكة عبر عملاء له في اليمن ومصر والعراق ومن تنظيم القاعدة ومن كل فرصة يجدها أمامه.
ويذكر الرجل أن العمليات التي كان القذافي ينفق عليها ملايين الدولارات كانت تستمر قليلا وتفشل قبل أن تصل لغايتها.. «أكبر فشل كان على جبهة الحدود السعودية الجنوبية.. طبعا كان هناك تخطيط على الجبهة الشمالية، خاصة في ظل الأوضاع المتردية في العراق، وكانت هناك عمليات تمويل لوجهاء وصحافيين من مصر، لكن مسألة الهزيمة على جبهة صعدة، رغم كل ما قدمه النظام الليبي السابق من أموال وأسلحة، جعلت مخابرات القذافي تبحث عن بدائل».
وتبين خلال رحلة جمع صور الوثائق والمعلومات والتحقق منها، وبالتحديد في شهر سبتمبر (أيلول) 2012، أنه كانت هناك بالفعل محاولات مستميتة من جانب القذافي لزرع الفتن في السعودية، سواء من جبهة اليمن جنوبا أو غيرها، بما في ذلك تمويل عرب يقيمون في أوروبا.
ونعود مرة أخرى للرسالة المعنونة ب«monday»، الواردة من العميل الملقب «the only» على البريد الإلكتروني لـ«ديسكفر» يوم 29 نوفمبر 2010، وتتحدث عن تغييرات جوهرية في الولاءات التي كان يقدمها بعض القائمين على الحرب ضد الحكومة اليمنية وضد الحدود السعودية الجنوبية.. تغير الولاءات بدا في هذه الرسالة بمثابة فشل لما كانت تقوم به مخابرات القذافي.
تقول الرسالة: «بسم الله الرحمن الرحيم. الحوثيون اكتشفوا مؤخرا أن الشيخ (س. س. أ. ل) يتعامل مع حزب الله في لبنان منذ أربع سنوات باسم أنه ممثل للحوثيين دون علمهم ويأخذ ويعطي مع رجال الحزب تحت هذا الاسم، وينقل الأخبار أولا بأول إلى السعودية وصنعاء، وقد اندهش الجميع من هذا الأسلوب».
ومن المعروف أن حزب الله له علاقة قوية مع إيران، ومن المعروف أيضا أن إيران متهمة بمحاولة زعزعة منطقة الحدود اليمنية – السعودية عن طريق الحوثيين الذين يعتنقون مذهبا شيعيا مواليا لمذهب ملالي طهران.
ومما يرد في الرسالة بعد ذلك، يشير إلى أن هذا الشيخ الذي يبدو أنه كان يريد فهم الدور الإيراني في اليمن من خلال أصدقاء إيران في حزب الله، كان يتعامل أساسا مع الليبيين قبل أن يبدأ في الابتعاد عنهم، مع أشخاص آخرين سترد تفاصيل عنهم فيما بعد.. ليس الابتعاد عن المخابرات الليبية فقط، ولكن أيضا تغيير بوصلة توجهاته وتوجهات شيوخ آخرين لصالح محاولات فرض الاستقرار في اليمن، خاصة مع تزايد أنشطة الحوثيين العسكرية ضد كل من الحكومة اليمنية والحدود السعودية.
وتظهر في الرسالة محاولات عميل مخابرات القذافي التقليل من شأن النشاط المتزايد لقبيلة «بكيل»، وهي من أكبر القبائل اليمنية التي قررت وقتها الانحياز للدستور والقانون ووحدة الدولة اليمنية، خاصة بعد نجاح المؤتمر الذي عقدته القبيلة برئاسة «الشيخ أمين.ع». يوم الأحد 7 نوفمبر 2010، بمحافظة الجوف وبحضور الآلاف من أبناء القبيلة بناء على اقتراح من «الشيخ س. أ. لحوم».
الهدف من المؤتمر كان توحيد «بكيل» على كلمة واحدة لتحقيق الاستقرار في اليمن الذي كان يشهد وقتها حرب الحوثيين في الشمال، ومناوشات تنظيم القاعدة في الجنوب.
ويعني استقرار اليمن الذي تسعى إليه قبيلة «بكيل» استقرار جيرانه وعلى رأسهم السعودية. لكن العميل الليبي الذي يبدو من رسالته أنه حضر المؤتمر، قلل من شأن التحركات القبلية التي كانت مفاجأة بالنسبة للمتعاونين مع النظام الليبي السابق في اليمن.
وبينما دعا المؤتمر (الذي أطلق عليه عملاء القذافي اسم «مؤتمر العكيمي») أبناء قبائل بكيل واليمن إلى حل الخلافات، وفض النزاعات، وعقد صلح عام بين كافة أطراف الوطن الواحد، قالت رسالة «the only» التي تلقتها وحدة المعلومات السرية المجاورة لمكتب القذافي في طرابلس: «يوجد خلاف على المناصب في مؤتمر العكيمي ولحرصهم على عدم الفشل أخروا الاجتماع الثاني لذلك المؤتمر حتى تتم الاتفاقات على المناصب». وأضافت الرسالة أيضا تفاصيل توحي من خلالها أن السعودية ساعدت على إنجاح المؤتمر، على غير رغبة الليبيين.
ويعتبر وزن قبيلة بكيل اليمنية كبيرا، خاصة أن أبناءها موجودون في منطقة مهمة وقريبة من الصراع الدائر في الشمال. وتنتشر القبيلة أيضا بين صنعاء وصعدة. ويرد في الرسالة أيضا أن عملاء القذافي في اليمن لم يصمتوا على ما بدا أنه ضربة سعودية لمخططاتهم، فدبروا عملية لإحراج «الشيخ أمين.ع» برتبته العالية «شيخ مشايخ» وسط باقي القبائل في منطقة الجوف، من خلال تنفيذ عملية خطف مدير مستشفى السلام السعودي في صعدة، على يد مناصرين لهم من إحدى القبائل المتحالفة مع بكيل وشيخها «أمين.ع».
تقول الرسالة بالنص، إنه بعد ما حدث في مؤتمر بكيل: «صنعنا نقمة على الشيخ «أ.ع» غير عادية في قبيلة آل حمد الجوف، بسبب مقتل أولادهم في التفجير الأول الذي لا يرضاه إنسان فيه خير أو ذرة رمل من كرامة أو إنسانية.. «آل.ع «من «آل أ. ج « من قبيلة « و«خطفوا مدير مستشفى السلام السعودي في صعدة أثناء مروره من بلادهم قادما من إمارة نجران، وذلك بهدف الضغط على صنعاء لإطلاق سجين لهم في الأمن السياسي.. فعل طبيعي من دون دوافع».
وتشير الرسالة إلى توريط عملاء القذافي لقبيلة «آل ح» في العملية، وتصوير الأمر على أن لها يدا في خطف مدير المستشفى ردا على مقتل عدد من أبنائهم من قبل في التفجير المشار إليه.
ماذا حدث بعد ذلك؟ وهل بالفعل تم زرع الفتنة هناك كما أراد عملاء النظام الليبي السابق في اليمن؟ تقول الرسالة إنه بعد عملية خطف مدير المستشفى: «قامت الحكومة اليمنية بإرسال حملة عسكرية مكونة من 30 طاقما عسكريا، والربع (من هذا الطاقم عبارة عن) دبابات وطائرة هليكوبتر على «آل ع» لتسليمه».
ويبدو أن هناك شابا نشيطا داخل قبيلة «بكيل» كان يقلق مخابرات القذافي، يدعى «ح أبو.ه»، خاصة بعد أن أسهم في جمع شمل شباب القبيلة حول الشيخ «أ.ع»، فتقول عنه الرسالة، وهي تحاول أن تطمئن الجانب الليبي وتقلل من شأن هذا الشاب: «(ح أبو.ه) الذي يدعي أنه رئيس شباب بكيل شخص عادي، ليس شيخا، وهو مكروه من كل القبائل الشريفة».
هذه الرسالة الواردة من «the only» ليست الوحيدة التي خرجت من عملاء القذافي في اليمن في تلك الفترة التي كان فيها كل من اليمن والسعودية يكبحان جماح المتمردين الحوثيين الذين تعدوا على حدود المملكة.. هناك رسائل أخرى يظهر منها أن النظام الليبي يشعر بالفشل في خططه التي عمل عليها طويلا مع شخصيات من الحوثيين ضد السعودية من جهة حدودها الجنوبية، وكان الداخل الليبي يعاني كذلك من الشد والجذب بين رجال سيف الإسلام ورجال والده البيروقراطيين الأقوياء.
معظم الردود الليبية على الرسائل التي وردت إلى وحدة المعلومات السرية في باب العزيزية في خريف عام 2010 توحي بأن الاتصالات بين عملاء القذافي في اليمن وغير اليمن، والمسؤولين عنهم، تتأخر لدرجة أن بعض العملاء أصبحوا يشعرون بالحرج من تكرار إرسال الرسائل التي لم يعد مقر «باب العزيزية» يرد عليها.
وسبق رسالة «the only» رسالة من عميل آخر في اليمن يلقب نفسه ب«سمران» (semran)، وتلقتها وحدة المعلومات السرية الليبية على البريد الإلكتروني الخاص ب«descover» يوم السبت 30 أكتوبر 2010.
ويقول نص هذه الرسالة، مع تصويب الأخطاء: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخي العزيز. كيف الحال؟ المعذرة للإزعاج.. تحياتي للأستاذ.. الموضوع: كان فيه رسول من لديكم اسمه أبو سفيان أرسل معي أمانة وأعطاني رقم واسم الشخص، وعندما اتصلت بالشخص وجدت الاسم مختلفا فأوقفت التسليم حتى أتأكد منكم هل أسلم لصاحب الرقم نفسه دون التأكد من الاسم.. أرجو الإفادة لكي أبلغهم بالتسليم. هذا من جانب. الموضوع الآخر، للمواضيع الذي تفاهمت والأستاذ، أنها الآن كلها جاهزة للعمل. منتظر التوجيه».
وتختتم رسالة «semran» بالإشارة إلى استمرار نشاط نظام القذافي في محاولات إفشال التوافق بين القبائل اليمنية والحكومة، وكذا محاولات إفشال عقد الاجتماعات والمؤتمرات للم الشمل ووقف الاقتتال والحرب. وتقول الرسالة: «المؤتمر الذي أبلغت عنه عملت على فشله، ولكن قبل ثلاثة أيام قاموا بإعادة المحاولة للإعداد، ولكن بدعم قوي من الجهتين المحلية والشمالية. سوف نعمل على إضعافه وعدة مواضيع أخرى. إذا أمكن أن آتي خلال هذين اليومين، ليوم أو يومين لكي أعود للعمل للأهمية.. مع التحية».
*******
****
مخابرات القذافي (3): رسائل تكشف تجنيد ليبيا قيادات دينية وقبلية من مصر والعراق وسوريا
طرابلس: عبد الستار حتيتة
تواصل «الشرق الأوسط» نشر حلقات من وثائق مخابرات العقيد الليبي الراحل معمر القذافي. وتتناول الحلقة الثالثة تفاصيل دارت داخل عوامة في النيل بالقاهرة، حين استشعر أحد عملاء النظام الليبي السابق أنه قد يكون وقع ضحية لخدعة من جانب أجهزة استخبارات عربية كانت تريد على ما يبدو التأكد من النشاط الليبي المستتر تحت اسم «حركة الأشراف» التي حاول القذافي أن يوجهها لإثارة النعرات المذهبية والعرقية ضد دول عدة.
وتكشف رسائل ومحاضر اجتماعات أشرفت عليها قيادات من النظام الليبي السابق في القاهرة منذ عام 2002 حتى سقوط القذافي في 2011، خططا لتجنيد قيادات دينية وقبلية وصحافية من بلدان عربية وأجنبية لتشويه صورة بعض الدول من بينها السعودية.
ويتزامن نشاط أجهزة القذافي في قضية «الأشراف» مع ترويج العقيد الراحل لما كان يسميه عودة نظام حكم «الدولة الفاطمية»، لكن خططه كانت كلما تقدمت خطوة للأمام، تقهقرت إلى الخلف خطوات عدة.
كما تشير الوثائق إلى نشاط ليبي محموم من أجل تجنيد قيادات كانت تعمل في السابق مع نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ومحاولة استغلالها انطلاقا من سوريا لدعم أفكار القذافي. وتشير المراسلات الليبية إلى أن الرئاسة المصرية ومؤسسة الأزهر تلقت كل منهما شكاوى من أنشطة القذافي انطلاقا من القاهرة. وجاء في إحدى الرسائل أن «إحدى نقابتي الأشراف في مصر قدمت شكوى إلى الأزهر وإلى رئاسة الجمهورية المصرية مفادها أن (م.ش) يقوم بنشاط سياسي ليبي ضد السعودية باسم آل البيت، وأنه يعقد اجتماعات في القاهرة، وأن ذلك يسيء إلى مصلحة الأشراف».
صور لوثائق ورسائل جديدة حصلت عليها «الشرق الأوسط» مما كان يعرف باسم «وحدة المعلومات السرية»، التي تعد من الوحدات الأساسية التي كان يعتمد عليها العقيد الراحل معمر القذافي في متابعة خططه الغامضة في الداخل والخارج. وتكشف مجموعة من صور الرسائل التي يحتفظ بها عدد من قادة الكتائب العسكرية في طرابلس، قيام عناصر تابعة للاستخبارات الليبية في النظام السابق بالعمل على تجنيد قيادات دينية وقبلية وصحافية من مصر والعراق وسوريا وماليزيا وأميركا وغيرها من شخصيات عربية وأجنبية لتشويه صورة السعودية، وذلك من خلال لقاءات عقدت في القاهرة منذ عام 2002 حتى سقوط النظام الليبي في 2011.
وتتضمن الرسائل تفاصيل مخطط ما أطلق عليه «سلاح الأشراف»، الذي اخترعه القذافي لشن الحرب المذهبية والإعلامية ضد السعودية. والمقصود ب«سلاح الأشراف» هو خلق حراك لجماعات مذهبية وعرقية في العديد من دول العالم.
وعلى الرغم من أن صور وثائق «سلاح الأشراف» لم تتضمن إشارة تذكر إلى إيران، فإن مخطط القذافي ضد السعودية يتشابه مع عمليات تحريك الشيعة في اليمن وبعض الدول المجاورة للمملكة، وهي تحركات تعكس في الأساس كراهية كل من إيران والنظام الليبي للسعودية.
ويقول محضر اجتماع تحت عنوان «فريق عمل الأشراف» عقد في القاهرة يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2006، ما يلي: «التزاما بتوجيهات الأخ القائد الشريف معمر القذافي، اجتمع فريق العمل الميداني لأشراف الصعيد والأدارسة بحضور الأخوة الآتية أسماؤهم». وسنكتفي هنا بالإشارة إلى الاسم الأول وبالأحرف الأولى لباقي الاسم، مع لفت الانتباه إلى الوظائف التي كانوا يقومون بها أيام عهد القذافي، سواء من الشخصيات الليبية المسؤولة أو مساعديهم وعملائهم من الدول الأخرى الذين كانوا يعملون وفقا للخطط الليبية تحت ساتر العمل المذهبي أو القبلي أو الإعلامي أو غيره.
ويأتي في مقدمة الأسماء «الأخ: عبد الله. م. م.»، وهو عقيد ليبي شهير ظل لسنوات طويلة يعمل بالاستخبارات الليبية تحت غطاء «مسؤول في الإعلام»، وسبقت الإشارة إليه في الحلقتين السابقتين. وتوجد العديد من القصائد الشعرية المسجلة باسم هذا الرجل، التي تحول بعضها إلى أغان كانت تمجد القذافي، وتذاع في الإذاعة الرسمية الليبية في ذلك الوقت، بغض النظر عما إذا كان هو مؤلفها الحقيقي أم لا.
أما ثاني الأسماء المذكورة في مقدمة محضر الاجتماع فهو لرجل ينسب للسلالة الإدريسية، وهي إحدى السلالات التي جرى الاعتماد على قيادات فيها في «حركة الأشراف» التي أسسها القذافي لاستخدامها واجهة للعمل ضد السعودية. ولتأكيد أصول هذا الرجل الإدريسي تم وضع اسمه خماسيا مسبوقا ب«الأخ الشريف»، ويدعى «أحمد م. أ. ش. إ».
وقبل الدخول في محتويات الرسائل المتبادلة بين عملاء القذافي في الخارج ووحدة المعلومات السرية في باب العزيزية بطرابلس، تتوجب الإشارة إلى أن القذافي كان في تلك السنوات التسع التي سبقت مقتله يروج لعودة نظام حكم «الدولة الفاطمية» في شمال أفريقيا، بقوله إن «الدولة الفاطمية ستقوم» وإن «زمن اضطهاد الأشراف انتهى». وبغض النظر عن العلاقة بين الدولة الفاطمية ذات التوجهات الشيعية وحركة الأشراف التي تقول إنها تنتمي لبيت النبي محمد صلي الله عليه وسلم، فإن القذافي ظل يعمل على الترويج للحكم الفاطمي بالتزامن مع دعمه القوي والكبير لحركة الأشراف في مصر ودول أخرى، في سبيل استهداف السعودية باعتبارها الدولة السنية الأولى في العالم، لكن خططه كانت كلما تقدمت خطوة للأمام، تقهقرت إلى الخلف عدة خطوات.
ولا توجد معلومات تفصيلية عن الجهود التي كانت تقوم بها السعودية لمواجهة خطط القذافي في هذا الصدد. وتبين من صور الوثائق أن العقيد الراحل نشر عملاءه لهذا الغرض عبر مصر والأردن ولبنان وسوريا والعراق وغيرها، لكن مخابرات من هذه الدول أدركت أن ما يقوم به عملاء مخابرات القذافي على أراضيها موجه في الأساس إلى الرياض كما سيرد بالتفصيل، ولهذا كانت تلك الدول؛ خاصة مصر، تقوم باستبعاد المتورطين الليبيين وغير الليبيين عن أراضيها والتضييق على العملاء المتورطين في تنفيذ خطط القذافي، سواء كان أولئك العملاء على علم بما ترمي إليه تلك الخطط، في الحقيقة، أم لا.
كانت اللقاءات والاجتماعات والمراسلات تجري على قدم وساق، إلى أن تعرض مشروع جبهة الأشراف الذي كان يشرف عليه القذافي لانتكاسة بسبب أغراضه المشبوهة التي كان يجري تأسيسها في مصر وغيرها. في تلك الظروف، وبالتحديد في عام 2007، انسحبت قيادات معتبرة في حركة الأشراف العالمية وأخذت العملية برمتها تواجه الفشل على مدى نحو 18 شهرا، فعاد القذافي ليضرب بقوة دفاعا عن مشروعه وحركته. وقال في عام 2009 أثناء زيارة له إلى موريتانيا إن «قيام الدولة الفاطمية من شأنه إنهاء مأساة الأشراف، لأنها الدولة التي تبنى على العلم والثقافة والتوسع نحو أرجاء المعمورة».
وبالعودة لمحضر الاجتماع الذي عقد في القاهرة عام 2006 تحت عنوان «فريق عمل الأشراف»، والذي كان من بين المشاركين فيه كل من «محمد م.ر.ر» و«الأخ: عبده م.م»، و«الأخ: محمد أ. أبو ح.ج»، و«الأخ محمد م. أبو خ.ش».ويقول نص محضر الاجتماع: «وبعد مداولات واستعراض تاريخي ومنهجي للثوابت والمتغيرات، وقراءة موضوعية للواقع وتحديدا للأهداف والمنطلقات تم الاتفاق على الترتيبات التالية:- أولا:- يقوم الشريف (أ.م.أ.ش.إ) بتشكيل فريق في الحجاز ونجران (داخل السعودية) ومشايخ قبائل المريدين والأنصار، ودعوتهم لعقد الاجتماع التنسيقي المقترح، ثم يقوم بتكثيف الاتصالات لعقد اجتماع تنسيقي لقيادات الأدارسة بمدينة أسوان (في جنوب مصر) خلال شهر محرم القادم».
ويتابع نص محضر الاجتماع قائلا إن الاجتماع التنسيقي المقرر عقده في أسوان خلال شهر محرم «يستهدف:- أ) أدارسة الحجاز ونجران (15) مندوبا. ب) أدارسة صعيد مصر (15) مندوبا. ج) أدارسة السودان (10) مناديب. د) أدارسة اليمن (10) مناديب. ه) أدارسة أميركا وماليزيا وإندونيسيا (5) مناديب. على أن ينتج عن الملتقى التنسيقي اختيار لجنة عليا مكونة من سبع شخصيات إدرسية مختارة بعناية تتوجه للقاء بالأخ القائد (القذافي) لعرض خطة التحرير عليه للاستفادة من توجيهاته وخبرته وانطلاق مسيرة التحرير بعدها».
ويقول محضر الاجتماع أيضا في بند آخر إنه تقرر رفع قضية أمام المحكمة الدولية للحصول، على ما يبدو، على اعتراف دولي بحركة الأشراف وتحركاتها عبر دول العالم. ويقول نص المحضر: «ثانيا: – كلف الأخ (م. م.ر.ر.) بتشكيل فريق عمل من القانونيين المحليين والدوليين لرفع قضايا أمام المحاكم المختصة وصولا إلى المحكمة الدولية التابعة للمفوضية الأوروبية، وسيقوم الأخ (م) بإعداد مذكرة الدعوة النهائية وتصور شامل لسير الدعوة المقترح وعرضه في أقرب وقت».
وجاء في محضر الاجتماع بند آخر بتأسيس صحيفة وموقع إلكتروني وقناة تلفزيونية. يقول هذا البند بالنص: «ثالثا:- تم الاتفاق على وضع دراسة لتأسيس صحيفة ناطقة باسم الأشراف، وموقع إلكتروني على شبكة المعلومات الدولية، وقناة فضائية، وكلف الأخوين (ع.م.م.) بتقديم تصور بذلك. هذا وتم الاتفاق عليه، وحرر يوم الجمعة 17 – 11 – 1374 و. ر (تقويم اتبعه القذافي بوفاة الرسول) الموافق 2006 ميلادي».
وبالتزامن مع مخطط القذافي الذي كان يرمي إلى استغلال بعض المنتسبين لـ«الأشراف»، كانت المخابرات الليبية تسعى للاستفادة من العسكريين الفارين من العراق بعد أن كانوا يعملون في الجيش وأجهزة الأمن التابعة لحكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وتوضح صور الوثائق عمليات متابعة ومراقبة لشخصيات قبلية سنية وكردية وشيعية وغيرها من العراق لاستخدامها ضد السعودية.
ومن أبرز الأسماء التي رشحتها وحدة المعلومات السرية للعقيد القذافي، شخص يدعى «م.ج» امتلك محطة تلفزيونية كانت تبث من سوريا وحصل على شهرة واسعة في الأيام الأخيرة من حكم القذافي، بسبب تأييده لنظام حكم العقيد الراحل، وتبنيه مواقف مضاد لثورة 17 فبراير (شباط) الليبية. وتتضمن ورقة الترشيح الموجهة للقذافي عن هذا الشخص اسمه رباعيا وما يتميز به من خبرة عسكرية وعشائرية تفيد مشروع القذافي ضد السعودية.
وورد في ورقة الترشيح ما يلي: «الاسم: م.ر.ض.ج. من مواليد (1957) عضو مجلس النواب العراقي، قتل والده في إحدى المعارك التي خاضها النظام العراقي ضد الأكراد. عاش في كنف زوج أمه، ورعاية مباشرة من الرئيس السابق صدام حسين في إطار رعايته الخاصة لأبناء الشهداء، وتحصل على دورات خاصة أهلته لأن يكون ضابطا في الحرس الجمهوري، وتدرج في المراتب حتى وصل إلى رتبة مقدم. ارتبط بعلاقة مع العقيد صدام كامل زوج ابنة الرئيس صدام حسين وشقيق حسين كامل زوج ابنته (رغد). خرج من العراق وانشق عن النظام العراقي السابق مع حسين كامل، وحمل رسائل منه إلى بريطانيا وأميركا ودول عربية، وحاول (م.ر.ض.ج) فتح طريق بين حسين كامل والرئيس السوري حافظ الأسد الذي كان جوابه قاطعا (إن سوريا لا تستقبل من يهرب من وطنه) وقد حمل (م.ر.ض.ج) أخطر رسالة من حسين كامل إلى الإدارة الأميركية كشف فيها أهم أسرار الأسلحة (..) التي تبحث عنها أميركا». وتواصل رسالة الترشيح مفصلة أهمية القبيلة التي ينتمي إليها الرجل: «قبيلة (ج) التي ينتمي إليها (م.ر.ض.ج) من أهم القبائل العراقية، ولبيان أهميتها كان هناك ستون ألفا من أبنائها أعضاء بالحرس الخاص عدا الآلاف المؤلفة الذين كانوا في الحرس الجمهوري منهم (25 قائد فرقة، 5 قادة فيالق من مجموع سبعة). وكان منهم وزير للدفاع ومدير للاستخبارات العسكرية ناهيك عن المؤسسات الأمنية». وتضيف ورقة الترشيح قائلة: «يعمل (م.ر.ض.ج) حاليا على استقطاب البعثيين غير الصداميين، ويطرح نفسه ممثلا للمقاومة المسلحة ويعارض الحكومة الحالية ويتخذ من دمشق مقرا دائما لحركته ويتردد كثيرا على عمان. يواجه حاليا مشاكل مع الحكومة المصرية التي أصبحت تعرقل نشاط قناة (ز)، وحاولت أن تفرض تسويات يقول إنه لو أعلن عنها سيفضح النظام المصري ويؤكد عمالته».
كانت مثل هذه المحاولات تجري في ظل أوضاع سياسية تعصف بمنطقة الشرق الأوسط بسبب غزو القوات الدولية للعراق واحتلاله منذ عام 2003، وما أسفر عنه من تفرق لآلاف الشخصيات التي كانت تبحث عن ملاذ آمن. ومع ذلك، كانت الرسائل المتبادلة بين عملاء القذافي ومكتبه في باب العزيزية تشير إلى أن الجانب السعودي كان يراقب ما يحدث في ما يتعلق بموضوع الأشراف وغيره من الممارسات الليبية المحمومة ضد الرياض. ويبدو هذا الأمر واضحا من خلال رسالة من عميل يمني اسمه «أ.ع»، وهو الاسم نفسه الذي كان من بين من ينقلون رسائل للقذافي بخصوص النشاط الحوثي المعادي على الحدود السعودية الجنوبية مع اليمن، وعمليات تجنيد مرتزقة من اليمن والصومال وغيرهما لإدخالهم إلى السعودية للقيام بعمليات تخريبية.
ورسالة «أسد.ع.» قادمة هذه المرة من القاهرة، وموجهة إلى وحدة المعلومات السرية في طرابلس للعقيد عبد الله الذي سبقت الإشارة إليه. وكان نظام الرئيس السابق حسني مبارك يحتفظ بعلاقات جيدة مع كل من السعودية وليبيا، لكن رئاسة الجمهورية حينذاك تلقت شكاوى من أنشطة القذافي ضد الرياض انطلاقا من القاهرة. ويضيف نص الرسالة: «كما ذكر اللواء أن الأردن حذر جدا من هذا النشاط الليبي بخصوص آل البيت وكأنه يريد أن يحذرني، وفي أثناء الحديث قال لي: وهل تقبل أن يعمل (محمد.ش) أي نشاط في الأردن للأشراف مهما كان نوعه بدون موافقة الحكومة الأردنية وموافقتكم أنتم كقائمين على أمور آل البيت؟ أجبته بالنفي، فأخبرني أن إحدى نقابتي الأشراف في مصر قدمت شكوى إلى الأزهر وإلى رئاسة الجمهورية المصرية بأن (محمد.ش) يقوم بنشاط سياسي ليبي ضد السعودية باسم آل البيت، وأنه يعقد اجتماعات في القاهرة، وأن ذلك يسيء إلى مصلحة الأشراف».
وتضمنت رسالة «أسد.ع» مخاوف من التسريبات غير المباشرة التي يبدو أن العميل اليمني لمخابرات القذافي شعر من خلالها بالقلق.
في نهاية اللقاء المتقطع من كثرة الضباط الداخلين للمكتب، أخبرني اللواء وبصوت خافت وعلى شكل استفسار منه: هل القذافي يعتقد أنه يستطيع أن يقف في وجه السعودية؟». ويواصل «أسد.ع» قائلا، وهو يعرب عن مخاوفه من حديث اللواء المشار إليه: «أنا لا أعرف هدفه وانفتاحه غير المعهود، ولكني رغم صعوبة الأمر لصعوبة اللواء نفسه، على استعداد أن أتابع الموضوع إذا وجدتم أنه مهم لكم».
وتضمنت الرسالة نفسها في البند التالي إشارة إلى نشاط حزب الله بتمويل من إيران في عدة دول من بينها السعودية. وتقول الرسالة: «4) حزب الله وبتمويل من إيران لا يزال يرعى حركة التشيع لآل البيت وإيقاظ الشيعة النائمين وتحريك السنة أيضا في عموم أفريقيا وفي دول المغرب العربي وفي السعودية والأردن وأفغانستان، وقد تم اعتقال بعض الأشخاص من الأردن لهذا السبب، وأن (حسن نصر الله) يريد من تشييع المنطقة أن يعمق قاعدته في الخارج تحسبا لظروف داخلية قادمة عليه لاحقا, قاسية وصعبة. إلا أن هذا الموضوع بحد ذاته خطر».
ويواصل «أسد.ع» في رسالته للعقيد «ع.م.م.» في طرابلس الغرب: «وأنوه أن تحركنا وسرعته ودقته لتجميع آل البيت بطريقة سريعة مدروسة كفيلة بأن تحد من نشاطهم وتقربنا من هدفنا. وأن الدعوة لمؤتمر خاص بالأشراف في القاهرة الذي يحضر له حاليا قاصر على شكله الدعائي وأن الطريقة التي يفكر بها بإدارة أنشطته القانونية الدعوية الرسمية مشكوك في نجاحها مع هذه المجموعة، أعتقد أن حنكتكم وخبرتكم (و) إخلاصكم رغم كثرة مشاغلكم (تجعلكم) قادرا على أن تتلمس الأمر أكثر مني، وأنا مثلكم أحرص على ألا تضيع جهود القائد (القذافي) وجهود المخلصين في هذا الموضوع في مهب الريح». ويختتم الرسالة قائلا: «لذلك بادرت باتخاذ الخطوات المكتوبة في التقرير المطبوع، وإني أتطلع إلى مناقشة الموضوع معكم إذا رغبتم، وبكل الأحوال أتمنى أن يجري العمل على دعم وتأسيس المجلة بالسرعة اللازمة لأنه جرى تأخير وتمديد ترخيصها مرتين بانتظار دعمكم للموضوع. وفى الختام تحياتي مع أطيب تمنياتي لكم بالصحة والعافية. أخوكم/ أسد.ع».