قالت دراسة أعدتها وحدة الأزمات والرؤى الاستراتيجية في مركز أبعاد للدراسات والبحوث في اليمن أن سعي الحراك الجنوبي لفرض الانفصال بوسائل عنيفة وتحت قوة السلاح يهدد مستقبل القضية الجنوبية الحقوقي والسياسي.
السلاح ضد القضية:
واشارت الدراسة إلى ان التوقيت الذي استغله الحراك المسلح للتصعيد لا يعبر عن وجود رؤية استراتيجية لتحقيق مشروع الانفصال. وأضافت" إن أحداث العنف التي ارتكبها الحراك الجنوبي المسلح اثناء احتفالات قوى الثورة الجنوبية الداعمة لبقاء الوحدة في 21 فبراير، وبعد بيان مجلس الأمن منتصف فبراير الذي ودعم وحدة واستقرار الجمهورية اليمنية، واعتبار نائب الرئيس السابق علي سالم البيض معرقلا للانتقال السلمي، سيؤدي إلى فقدان المشروع الانفصالي كثير من التأييد الداخلي والخارجي".
واعتبرت الدراسة أن استهداف مقرات الاصلاح في الجنوب من قبل الحراك المسلح وقبله ساحات الثورة الشبابية، يصب في إطار إقصاء مبكر لمكونات جنوبية من حق تقرير مصير الجنوب في المستقبل، ما سيجر القضية الجنوبية إلى مربع صراعات سياسية وأيدلوجية".
وأضافت" التيار المسلح يعمل ضد القضية الجنوبية حاليا وقد يعيد سقف القضية من الانفصال إلى حل القضايا الحقوقية والسياسية تحت سقف الوحدة بسبب المخاوف من انفراد جماعات العنف المناطقي بالحكم وعودة قوى شمولية استبدادية على رأس الدولة الجنوبية القادمة إذا ما تحقق الانفصال وتعاملها المتطرف مع المعارضين بذات لغة الاستبداد والشمولية للأنظمة السابقة".
اللعب في ملعب الكبار:
وأشارت إلى أن تحركات العنف المسلح للحراك الجنوبي في اليمن تأتي داعمة ومتزامنة مع تحركات إيران لتفجير الوضع في المنطقة عبر أذرعها الاقليمية " هروبا من تداعيات سقوط نظام الأسد، ولرفع سقف تفاوضها مع المجتمع الدولي حول أجهزة الطرد الحديثة التي ستسرع من تخصيب اليورانيوم وامتلاك السلاح النووي".
وذكرت دراسة وحدة الأزمات والرؤى الاستراتيجية في مركز أبعاد بالموقف الدولي الرافض للانفصال ، واشارت إلى جملة أسباب من بينها : " إن المجتمع الدولي يشعر أن انفصال الجنوب قد لا يؤدي إلى دولة مستقلة تحقق الأمن والاستقرار في هذا الموقع الجيوسياسي المؤثر في السلم العالمي، وكذلك دخول المشروع الانفصالي طرفا مؤثرا في الصراع الاقليمي والدولي بين الكبار".
وجاء في الدراسة ضمن الأسباب التي تثبت أن المشروع الانفصالي لا يمتلك لرؤية استراتيجية " ما يميز الحراك الجنوبي منذ بداياته في 2007م هو النضال السلمي الذي تعد ثورات الربيع العربي السلمية امتدادا له، لكن قيادة الحراك الانفصالي لم تدرك مكمن قوتها الحقيقية، فبعد اطاحة الثورة الشعبية التي خرجت في 11 فبراير2011 بنظام علي عبد الله صالح، تبرأ الحراك الانفصالي من انجازاته في صناعة الربيع اليمني واختزل مشروعه من مشروع أممي إلى مشروع مناطقي يتمثل في تحرير الجنوب اليمني واستقلاله".
وأضافت " القضية الجنوبية تمر بمنعطف خطير تعبر عن تنافس شديد بين مكونات محلية مناطقية وأيدلوجية هي انعكاس لتنافس اقليمي دولي واستقطاب حاد بين إيران وروسيا من جهة وأمريكا والسعودية من جهة أخرى، ما يجعل حل القضية الجنوبية رهنا للتوافق الخارجي الذي فضل حاليا بقاء اليمن موحدا، وهو ما يعني أن تحقيق الانفصال سيكرر الحالة السورية لانعدام التوافق الدولي حوله، ولوجود قيادات على رأسه غير موحدة ومتنافسة وبينها خصومات تأريخية ".
سيناريوهات الجنوب:
وتطرقت الدراسة إلى عدة سيناريوهات لمستقبل القضية الجنوبية يتحدث السيناريو الأول عن حصول انفصال من خلال استمرار نضالات الحراك السلمي بمختلف وسائله ، وتشير إلى ان هذا السيناريو له جوانب قوة تتمثل في السلمية التي ستستوعب المكونات الداخلية بغض النظر عن أدائها السابق وانتمائاتها، وتفتح أيضا أفق مع المجتمع الدولي ، لكن جوانب ضعف هذا السيناريو هو جوانب قوة الحراك المسلح كون هذا السيناريو يريد تحقيق هدف استراتيجي لا يراعي الجانب العاطفي الطاغي على مكونات الحراك الانفصالي المسلح حاليا".
وعن السيناريو الثاني للقضية الجنوبية قالت دراسة مركز أبعاد " إن الانفصال قد يحصل من خلال الحراك المسلح وتحت فرض أمر واقع بقوة السلاح، ونقطة قوته هو تغذيته ودعمه ماليا واعلاميا وعسكريا من قوى اقليمية ومحلية منظمة"، لكن الدراسة أكدت ان هذا السيناريو هو أضعف السيناريوهات لعدة أسباب أهمها" الموقف الدولي الرافض للانفصال خلال مرحلة التحول السياسي، وارتباط الحراك المسلح بالدعم الإيراني وهو ما يثير المخاوف للخليجيين الجوار، وارتباط الحراك المسلح بالعنف وهو ما يضعف شعبيته في الداخل، وارتباط الحراك المسلح بأعمال الإقصاء والتخوين وهي اعمال أنظمة شمولية لم يعد لها مكان بعد الربيع العربي، وحصول انفراج في القضية الجنوبية برحيل نظام صالح القمعي وفتح الحوار الوطني حول كل القضايا بما فيها القضية الجنوبية، وانضمام الفاسدين من أتباع النظام السابق إلى هذا النوع من الحراك وجر القضية الجنوبية إلى مراحل متطورة من التطرف والعنف".
دراسة وحدة الأزمات في أبعاد أكدت أن السيناريو الثالث المتمثل في حل القضية الجنوبية تحت سقف الوحدة بأنه السيناريو الذي يمتلك عوامل قوة داخليا وخارجيا ، مستدركة " لكنه يظل رهنا بقدرة قيادة البلاد السياسية في انجاح التحول السياسي وتحقيق اللامركزية وامتلاكها إرادة سياسية حقيقية في تحقيق التغيير ".
ومقارنة بين سيناريوهات الانفصال وسيناريو الوحدة جاء في الدراسة" حتى لو أن القضية الجنوبية أصبح لها هدف واحد وهو تحقيق الانفصال لكن الجنوبيين لم يصلوا إلى تفاهمات حول عدة قضايا أهمها: الوصول بالبلد إلى الاستقرار لتحقيق انفصال آمن، والدخول في حوارات جنوبية جنوبية بين المؤيدين للانفصال والمعارضين له ، وإنهاء الارتهان لقوى خارجية منعا لحصول حرب أهلية في الجنوب بالوكالة عن المتنافسين الدوليين".
رؤى موحدة وتحالفات متناقضة:
وصنفت الدراسة الرؤى الجنوبية إلى أربعة اتجاهات، وقالت " لقد حققت الثورة الشعبية كثير من أهداف الحراك الجنوبي السلمي لكن نتائجها إلى جانب قرارات المجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن انعكست سلبا على اتجاهات الحراك المستعجلة إلى الانفصال، وظهرت تحالفات وتقاربات متضادة".
وأضافت " الرأي الأول يرى تحقيق استقلال الجنوب من خلال ما يسمى بالكفاح المسلح وهذا الرأي يدعمه تحالف بين رموز النظامين الشموليين السابقين قبل 22 مايو 1990م ، من أتباع علي سالم البيض المدعومين من الخارج الإيراني ، وأتباع علي عبد الله صالح في الجنوب الذين فقدوا مصالحهم بعد انهيار نظامه".
وأشارت إلى أن الرأي الثاني يرى " فك الارتباط وتحقيق استقلال الجنوب من خلال استمرار الحراك السلمي ، وهذا تقوده فصائل في الحراك الجنوبي الداخلي، وهذا النوع لا يخفي تهديده بالانتقال من العمل السلمي إلى العمل المسلح لتحقيق أهدافه، وعلى رأس هذا الحراك رئيس المجلس الأعلى للحراك حسن أحمد باعوم، والدكتور ناصر الخبجي والأمين العام للمجلس الأعلى للحراك الجنوبي قاسم عسكر جبران ورئيس جمعية المتقاعدين العميد ناصر النوبة".
وعن الرأي الثالث الذي وصفته الدراسة بالبراجماتي وقالت " إنه يرى تحقيق استقلال الدولة الجنوبية من خلال التفاوض والقبول بالدخول في الحوار الوطني وهذا يمثله وزير داخلية حكومة الانفصال التي أعلنها البيض في 1994م ومحافظ أبين السابق محمد علي أحمد، أو بالمضي باتجاه استقلال الجنوب تدريجيا دون الدخول في صدامات مع المجتمع الدولي وذلك من خلال القبول بحكم فيدرالي خلال ما بعد الفترة الانتقالية في 2014م، وهذا يشجعه الرئيس السابق علي ناصر محمد، ورئيس الوزراء الأسبق حيدر أبو العطاس، والقياديين في المؤتمر الشعبي الحاكم سابقا الدكتور صالح باصرة، والدكتور محمد قباطي".
أما الرأي الرابع فوصفته الدراسة بأنه يتيم لكنه ينطلق من منطلقات الحراك السلمي ويستفيد من نتائج الثورة اليمنية ، ، وقالت " إن هذا الرأي مع تصحيح مسار الوحدة اليمنية وعدم التفريط فيها"، مشيرة إلى أن اهم مؤيدي ههذا الري هم أمين عام الحراك الجنوبي سابقا عبدالله الناخبي، وقوى الثورة الشبابية في الجنوب مثل الدكتور عبد الله العليمي وبعض قيادة التجمع اليمني للاصلاح في الجنوب.
الاشتراكي وفقدان البوصلة:
وعن الحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب سابقا والمتحالف مع تيارات قومية واسلامية فيما يعرف باللقاء المشترك حاليا فقالت الدراسة بأنه " في مرحلة التحول السياسي بعد الثورة الشبابية فقد الاشتراكي البوصلة تماما بشأن القضية الجنوبية، بل فقد السيطرة حتى على مؤسساته التنظيمية بعد أن فقد السيطرة على أعضائه".
وأضافت دراسة ابعاد " شاركت كثير من العوامل في اضعاف دور قيادة الحزب التي ترى ان القضية الجنوبية قضية عادلة وتحتاج إلى عمل سياسي لحلها بدون الدخول في صدامات مع مكونات الحراك التي يقودها قيادات سابقة في الحزب من جهة، وبين شركاء التغيير السلمي من جهة أخرى".
وقالت " وصول الاسلاميين إلى السلطة في بلدان الربيع العربي، واختيار عبد ربه منصور هادي لقيادة المرحلة الانتقالية وهو أحد أهم القيادات العسكرية الجنوبية التي ساهمت في انتصارات قوى الوحدة على قوى الانفصال في 1994م ، وكان ضمن قيادات أحد الفصائل التي تناحرت في 1986م ، زاد من حالة اللاسيطرة لقيادة الحزب على مؤسساته وأعضائه، التي تعيش أيضا حالة من الإستقطابات الداخلية المدعومة من جهات خارجية".
وأظهرت الدراسة لتناقضات تعيشها مؤسسات الحزب الاشتراكي اليمني ، وقالت " الأمانة العامة للحزب تبذل كل الجهود لإعادة القضية الجنوبية إلى وضعها الحقيقي كقضية وطنية عادلة لها مطالب حقوقية وسياسية وهي تضغط باتجاه المجتمع الدولي والرئاسة وحكومة الوفاق والشركاء الحزبيين للبدء في تنفيذ حلول واقعية للقضية ودعم نظام حكم فيدرالي يحقق للجنوبيين مطالبهم، وتضغط ايضا باتجاه قوى الحراك للاستمرار في النضال السلمي وعدم الانجرار للعنف المسلح".
أما عن اللجنة المركزية للاشتراكي فجاء في الدراسة " علنا يدعم أعضاء اللجنة المركزية موقف الأمانة العامة إلا أن غالبية أعضاءها يتجنبون أي انتقاد لأخطاء الحراك الجنوبي بما فيه الحراك المسلح شعورا منهم ان الجنوب يذهب للانفصال وذلك سيساعدهم في حجز مكان في النظام الجنوبي القادم ، والبعض منهم يستغل الأحداث لتشويه الشريك الحالي والخصم المتوقع حزب الاصلاح وأعضائه في المؤسسات الحكومية بالذات في المحافظات الجنوبية دفعا لإقالتهم والاحلال بدلهم لدعم المشروع الانفصالي".
وفيما أشارت الدراسة إلى أن غالبية قيادات فروع الحزب الاشتراكي تدعم الخيار الانفصالي ميدانيا وتورط البعض منهم في دعم العنف المسلح ، اعتبرت أن القطاع الطلابي لم يعد للحزب سيطرة عليه، وقالت " اخترق قطاع طلاب الاشتراكي من قبل شخصيات ذات علاقة بتيارات مسلحة في الشمال والجنوب وممولة من إيران وهو ما تظهره بياناته البعيدة في رؤاها عن رؤى الحزب الذي يعبر بها من خلال بيانات الأمانة العامة أو اللجنة المركزية ".