رئيسية

خبير بالقانون الدولي يقدم دراسة إلى مؤتمر الحوار حول الوحدة اليمنية ودعوات الانفصال (النص)

انتقد الدبلوماسي السابق والخبير في القانون الدولي السفير مروان عبدالله عبدالوهاب ما يثار من دعوات للانفصال في اليمن أو الدعوت لـ"لاستعادة دولة الجنوب" معتبراً أنها دعوات قاصرة، مبينا الوضع القانوني للوحدة اليمنية وشرعية مثل هذه الدعوات وفق القانون الدولي والاتفاقات.

جاء ذلك في مقدمته لدراسة نشرها في يوليو 1994، أعادها بمناسبة هذه الدعوات إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل، مشيراً إلى أن "موضوع المطالبة بالانفصال في اليمن واستعادة دولة الجنوب أثير من خلال إعلان علي ‏سالم البيض باستعادة الدولة التي أضاعها ودمرها الحزب الاشتراكي اليمني. وقد حدث جدل ‏قانوني حول الموضوع". ‏

وأضاف انه: ويثور حالياً في الحوار الوطني الشامل وخارجه تكرار لمثل هذه المطالبة القاصرة، كرد ‏فعل طبيعي ومفهوم لممارسات النظام السابق، التي كانت ثورة الشباب السلمية في فبراير ‏‏2011 النتيجة الطبيعية لها. والحقيقة التي يجب أن تقال، أنه على الرغم من سمو الوحدة ‏اليمنية، إلا أن كل من قاموا بها إنما قاموا بها هروباً إلى الأمام للاحتماء من تنامي الفشل في ‏أدارة الدولة شمالاً وجنوباً، نتيجة لطبيعة النظامين المركزيين الشديدين الذين افتقدا صواب ‏الرؤية وصواب البصيرة".

وأضاف نعمان أن "كل أطراف العمل السياسي التي تتحاور اليوم ضالعةٌ في ما ‏وصلت إليه البلاد، وعلى الشباب أن يتنبهوا إلى أنهم هم وحدهم أصحاب الحق في صياغة ‏المستقبل الجديد الذين يعود لليمنيين حقوقهم في حكم أنفسهم في ظل دستور جديد وفي ظل ‏المساواة وسيادة القانون!!‏"..

وفيما يلي نشوان نيوز يعيد نشر الدراسة:
‏ ‏
الوحدة اليمنية من خلال وثائقها القانونية
‏ تم في 22 ‏مايو 1990 ‏إعلان قيام الجمهورية اليمنية كشخصية دولية بموجب المادة الأولى ‏من "اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية" المبرم بين شطري الوطن اليمني ‏والموقع في 27 رمضان 1410 ‏هجرية الموافق 22 أبريل 1990، ‏من قبل العقيد علي عبدالله ‏صالح، رئيس الجمهورية العربية اليمنية (سابقاً) القائد العام للقوات المسلحة الأمين العام ‏للمؤتمر الشعبي العام، وعلي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، وكان ‏الحزب الحاكم في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (سابقاً). كما تم مصادقة برلماني ‏الشطرين السابقين على تلك الاتفاقية في 21 ‏مايو‌ 1990، وعلى مشروع دستور البلاد بموجب ‏ما تتطلبته المادة 8 ‏من "اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفقرة الانتقالية" المذكور ‏أعلاه، وقد اعترف المجتمع ‏الدولي بالكيان الجديد للجمهورية اليمنية دون استثناء.‏

‏ التكييف القانوني والشرعية الدستورية: اليمن دولة موحدة
‏ ‏وبموجب ذلك فقد تم قيام الجمهورية اليمنية دولة موحدة بسيطة بوحدة إندماجية كاملة بين ‏الكيانيين الدوليين السابقين، واستكملت الدولة الجديدة كل مقوماتها الهيكلية الدستورية، ‏التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتولى كل من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي ‏اليمني مسئولية إدارة البلاد خلال فترة انتقالية انتهت في 30 ‏نوفمبر 1992، وذلك بموجب ‏الدستور والاتفاق الخاص بإعلان قيام الجمهورية اليمنية المشار إلية أعلاه، ونظراً للظروف ‏الفنية اللازمة لإجراء أول انتخابات نيابية حرة تقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية، ‏جرى تمديد الفترة الانتقالية لتنتهي في 7 أبريل 1993. وفي ذلك التاريخ اجريت الانتخابات ‏النيابية في جو ديمقراطي شهد به العالم أجمع. وكانت كافة الأحزاب المشاركة في الحياة ‏السياسية قد قبلت سلفاً بأية نتائج تسفر عنها تلك الانتخابات، بما فيها الحزب الاشتراكي ‏اليمني.‏

‏ ونتج عن تلك الانتخابات فوز كل من المؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع اليمني للإصلاح ‏والحزب الاشتراكي اليمني، وفقا لهذا التسلسل، بالإضافة إلى أحزاب أخرى. وتم تشكيل أول ‏برلمان منتخب على أساس التعددية السياسية والحزبية، وشكلث أول حكومة ائتلافية من ‏الأحزاب الثلاثة المذكورة، كما جرى انتخاب أول مجلس رئاسة من قبل مجلس النواب الجديد ‏المنتخب.‏

‏ ومن واقع دراسة اتفاق الوحدة والدستور وما لحقه من تطورات وصولاً إلى فرار المتمردين ‏إعلان الانفصال وتشكيل الحكومة الانفصالية وصدور قراري مجلس الأمن، يمكن استنتاج ‏الحقائق التالية:‏

‏ أولا: أن "اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظم الفترة الانتقالية" مثله مثل أي اتفاق دولي ‏قام على التراضي التام بين شخصين دوليين من أشخاص القانون الدولي هما "الجمهورية ‏العربية اليمنية" و"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، وقد اتفقا، بتراضيهما، على الاندماج ‏الكامل في شخص دولي جديد هو "الجمهورية ‏اليمنية‌" دولة بسيطة موحدة ذات سيادة، كما ‏اتفقا، بتراضيهما، على إنهاء وجود الشخصيتين الدوليتين السابقتين بمجرد نفاد "اتفاق إعلان ‏الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقائية".‏

‏ ثانياً: حصل الشخص الدولي الجديد على اعتراف دولي من قبل دول العالم وكافة المنظمات ‏الدولية والإقليمية، وورث هذا الشخص الدولي الجديد كافة الالتزامات التي كانت على عاتق ‏الشخصين الدوليين المنتهيين، وقبل كافة أشخاص القانون الدولي بذلك.‏

‏ ثالثاً: تشكَّل إقليم الجمهورية اليمنية كنتيجة قانونية لتخلي كل من الجمهورية العربية اليمنية ‏وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقتين عن كامل إقليميهما للشخص الدولي الجديد ‏‏‌"الجمهورية اليمنية" الذي له أصبح له منذ 22 مايو 1990 ‏كامل السيادة.‏

‏ رابعاً: لم يمنح "اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية" حق الانسحاب منه ‏أو تعديله أو إلغائه، لا صراحةً ولاضمنأ، لأي كان، لأن الاتفاق بطبيعته، منشئ لدولةٍ موحدةٍ ‏بسيطةٍ، وبالتالي لا تنطبق عليه أحكام اتفاقية فيينا ‏لقانون المعاهدات لعام 1969، سواءً أحكام ‏المادة 54 الخاصة بانهاء الاتفاقيات أو ‏الانسحاب منها بموجب نصوص الاتفاقية أو بموافقة ‏أطرافها، أو أحكام المادة 56 الخاصة بالحق الضمني بإنهاء الاتفاقيات أو الانسحاب منها عند ‏عدم اشتمال الاتفاقيات لنصوص صريحة بذلك، أو أحكام المادة 60 ‏فقرة 1 ‏الخاصة بإنهاء أو ‏تعليق الاتفاقيات الثنائية نتيجة لإخلال أحد أطرافه، لأن كل تلك النصوص تتحدث عن ‏أطراف ‏في اتفاقيات لا تزال أشخاصٌ دولية لها وجود، في حين أن "اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية ‏وتنظيم الفترة الانتقالية" قد أنهى وجود الشخصين الدوليين الذين أنشئا الشخصية الدولية ‏الجديدة "الجمهورية اليمنية". ومن هنا، فإن "اتفاق ‏إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة ‏الانتقالية" يعتبر سابقة جديدة في القانون الدولي.‏

‏ ‏ويتضح هذا الأمر أكثر إذا ما افترضنا أن الانتخابات البرلمانية لم تؤدِ إلى حصول ‏كل من ‏الحزب الاشتراكي اليمني أو المؤتمر الشعبي العام على الأغلبية التي مكنتهما من الاستمرار ‏في الحكم بعد 27 ‏أبريل 1993، ونتج عن تلك الانتخابات وصول أحزاب أخرى إلى السلطة. ‏فهل كانت هذه الأحزاب الأخرى التي وصلت إلى الحكم بالطرق الشرعية والدستورية، ستقبل ‏من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، أحدهما أو كلاهما، أن يطلب أو يطلبا ‏إنهاء الوحدة اليمنية والمساس بسيادة الجمهورية اليمنية، الشخص الدولي الجيد، لمجرد كونهما ‏الطرفان الذين وقعا "اتفاق إعلان قيام الجمهورية اليمنية"؟ أم أن السلطة الشرعية كانت ‏ستعتبر أنهما أو أيهما متمرداً على الشرعية الدستورية؟ ما من شك أن عملاً من ذلك القبيل ‏ليس سوى تمرداً داخلياً على الشرعية الدستورية للجمهورية اليمنية وسلطاتها الرسمية في ‏الدولة. ‏
‏ ‏خامساً: كان "اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية" في شق منه إعلاناً ‏بميلاد الشخصية الدولية الجديدة، وقد نفذ هذا الشق في 22 مايو 1990، وفي شقه الثاني كان ‏تنظيماً لفترة انتقالية لحين إجراء الانتخابات النيابية في الجمهورية اليمنية، وقد انتهت تلك ‏الفترة بانتخابات 27 أبريل 1993. وبالتالي فإن ذلك الاتفاق لم يعد سوى أساس تاريخي ‏لإعلان قيام الجمهورية اليمنية. بينما المرجعية والشرعية التي تحكم البلاد الآن هي الدستور ‏المستفتى عليه في 15 أبريل 1991، والسلطات الشرعية هي تلك التي قامت على نتائج ‏انتخابات 27 أبريل 1994.‏

‏ ‏سادساً: ينص الدستور الدائم في المادة الأولى منه على أن "الجمهورية اليمنية دولة مستقلة ‏ذات سيادة، وهي وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها "، ‏ويترتب على ذلك، إن ‏الإعلان الصادر عن المتمردين يشكل خرقا فاضحاً للدستور في مادته الأولى، يعاقب مرتكبة ‏عن تهمة ارتكاب خيانة عظمى. ومن المعروف والمستقر في القانون الدولي أن أعمال التمرد ‏تعتبر شأناً داخلياً تقع في نطاق اختصاص الولاية الإقليمية للولة المعنية، ومن حق السلطات ‏الشرعية الدستورية فيها التصدي لكافة أشكال التمرد، بما فيها التمرد العسكري، وممارسة ‏السلطات تلك تعتبر عملاً من أعمال السيادة.‏

‏ ‏ووفقاً لقواعد القانون الدولي المستقرة فإن اعتراف أية دولة بالجماعات والأفراد ‏الذين ‏يقومون بأية أعمال تمرد داخل أي دولة أخرى عمل غير قانوني، ويشكل مساساً بسيادة الدولة ‏المعنية وتدخلاً سافراً في شئونها الداخلية، كما أن قيام أي دولة بالتورط في تقديم أي دعم مادي ‏أو معنوي للعناصر المتمردة في الجمهورية اليمنية يعتبر انتهاكاً واضحاً لما تقضي به قواعد ‏القانون الدولي من عدم تدخل الدول في النزاعات الداخلية، وبما يستتبع ذلك من حق ‏الجمهورية اليمنية في التعامل مع ذلك بالطرق المناسبة التي يكفلها القانون الدولي، بما في ذلك ‏قواعد المعاملة بالمثل.‏

‏ ‏إن من حق كل دولة استخدام قواتها المسلحة وقواتها الأمنية في أي جزء من إقليمها في قمع ‏أعمال التمرد الانفصالية التي تستهدف السلامة الإقليمية للدولة، وإذا ما أعلنت أية جماعة ‏‏متمردة قيام دولة جديدة على جزء من إقليم تلك الدولة، فإن من حق الدولة المعنية التصدي لذك ‏بكل الوسائل بما فيها استخدام القوات المسلحة وقوات الأمن، حتى وإن نال ذلك الإعلان أي ‏شكل من أشكال الاعتراف.‏

‏ ولا تعتبر أعمال قمع التمرد العسكري في الجزء من إقليم الدولة الذي أعلن قيام دولة بمثابة ‏احتلال عسكري، ذلك إن الاحتلال العسكري عملٌ من أعمال العدوان التي وردت قرار ‏الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 3314 لسنة 1974 في المادة الثالثة منه، ويفترض الاحتلال ‏مسبقاً وابتداء وجود دولتين معترف بهما سلفاً، تقوم أحداهما بالعدوان على سيادة الدولة ‏الأخرى بقوتها العسكرية واختراق حدودها الدولية واحتلال إقليمها عسكريا. ولا ينطبق الأمر ‏على حالة إنهاء التمرد العسكري الجاري في بعض مناطق إقليم الجمهورية اليمنية، الذي تقوم ‏به الحكومة الشرعية حاليا.‏

‏ مجلس الأمن الدولي والحالة اليمنية
‏ إن قراري مجلس الأمن رقم 924 ‏الصادر في 1 ‏يونيو 1994 ‏ورقم 931 ‏الصادر في 29 ‏يونيو 1994، على الرغم من إقرارهما لوحدة "الجمهورية اليمنية"، فقد صدرا مخالفين لنص ‏المادة 2 ‏فقرة 7 ‏من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أنه "لا يوجد في هذا الميثاق ما يخول ‏الأمم المتحدة للتدخل في المسائل التي هي أساسا ضمن الاختصاص الداخلي لأي دولة عضو، ‏أو ما يلزم الدول الأعضاء لتقديم مثل هذه المسائل للتسوية بموجب هذا الميثاق، على أن لا ‏يتعارض هذا المبدأ مع تطبيق الاجراءا‏ت التنفيذية بموجب الفصل السابع".‏

‏ ومن المعروف أن الأمم المتحدة قد استبعدت طلب استشارة محكمة العدل الدولية لبحث هذه ‏المسألة قانوناً رغم المطالبة بذلك في مناسبات عدة، خشية أن يؤدي رأي محكمة العدل الدولية ‏إلى الحد من صلاحيات الأمم المتحدة في التدخل في الشئون الداخلية. وقد أوضح مندوب ‏الصين لدى التصويت على القرار الأول بشأن اليمن بأن تصويت بلاده على القرار يجب أن لا ‏يشكل سابقة، وذلك من منطلق أن ما يجري في اليمن هو شأن داخلي.‏

‏ ‏وما تقوم به الجمهورية اليمنية من أعمال عسكرية لقمع أعمال التمرد العسكري من صميم ‏أعمال السيادة الوطنية الواجبة عليها لفرض النظام والقانون، لأن من واجبها أمام الأسرة ‏الدولية وتجاه المجتمع الدولي هو الحفاظ على الأمن في أراضيها، ولا يرقى ما يحدث في ‏الجمهورية اليمنية إلى ما يمكن اعتباره تهديدا للسلام، وفقاً للمادة 39 ‏من الباب السابع من ‏الميثاق.‏

‏ ‏إن قيام دول مجلس التعاون الخليجي، بزعامة السعودية، بإقحام مجلس الأمن في الوضع في ‏الجمهورية اليمنية، بعد أن تعذر على المجلس إقحام جامعة الدول العربية، هو محاولة منها ‏لتدويل الأمر، وهو عمل من أعمال التدخل في الشثون الداخلية ‏للجمهورية اليمنية ومحاولة ‏منها لدعم المتمردين للإضرار بوحدة وسلامة الجمهورية اليمنية، ومناقضاً لقرار الجمعية ‏العامة للامم المتحدة رقم 2131 ‏في دورتها العشرين والذي ينص على أنه يجب على كل دولة ‏الامتناع عن تمويل وتشجيع وتنظيم أعمال التمرد في الدول الأخرى أو السماح بها أو التدخل ‏في النزاعات الداخلية في الدول الأخرى. وهو المبدأ الذي أكدت علية قرارات لاحقة.‏

‏ ‏ومحاولة مجلس التعاون الخليجي إضفاء "شرعية ما" على الانفصال، التي ضمنتها ‏في بيانه ‏الصادر في 5 يونيو 1994‏، تعتبر تصعيدا لتدخلها في الشئون الداخلية ‏اليمنية وتشجيعا ‏لأعمال التمرد وتتعارض مع قراري مجلس الأمن المذكورين أعلاه الذي أقرا بوحدة ‏‏‌"الجمهورية اليمنية"، وهو الأمر الذي لا يساعد على حل الحالة القائمة في الجمهورية اليمنية ‏بقدر ما يوسع من احتمالات تهديد الأمن والسلم الدوليين.‏
‏ 3 يوليو 1994‏

زر الذهاب إلى الأعلى