من الأرشيف

المؤتمر الشعبي العام يقدم رؤيته حول محتوى القضية الجنوبية (نص الرؤية)

قدم المؤتمر الشعبي العام رؤيته لمحتوى القضية الجنوبية لفريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار، وأكد المؤتمر الشعبي العام ان الجذور مرتبطة بأحداث تمت في الماضي، واتهم المؤتمر في رؤيته أطرافا خارجية تدخلت بفعل ارتباطها مع اطراف في الداخل كانت تتلقى منها المساعدات المادية والمعنوية، حرضت وتحرض على الإنقسام وتدعو للكراهية بين أبناء الوطن الواحد

نص رؤية المؤتمر الشعبي العام لمحتوى القضية الجنوبية مقدمه لفريق القضية الجنوبية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل
مقدمه :
قبل الدخول في رؤية المؤتمر الشعبي العام لمحتوى القضية الجنوبية، لابد لنا أن نؤكد أن الجذور مرتبطة بأحداث تمت في الماضي وأصبحت حقائق وليست وجهات نظر, ومع قناعتنا أن السلطة في كل بلاد العالم لها أخطاء بغض النظر عن أسباب تلك الأخطاء التي تحدث نتيجة إدارة الحكم في أي مرحلة من مراحل التاريخ، ولكن الشجاعة تقتضي الاعتراف بتلك الأخطاء مهما كانت مؤلمة وتحديد المسئولية عنها، وبالتالي فأننا كنا نتمنى من شركاء السلطة والحاكمين في الفترات المتعاقبة أن يتحلوا بنفس شجاعة المؤتمر الشعبي العام بالاعتراف بالمسئولية كون أخطاء أي حكم في أي مرحلة يتحمل مسئوليتها من كان في الحكم في تلك المرحلة سواء كان طرفاً أو أطراف، وما كنا نتوقع من تلك الأطراف التي حكمت جنوب اليمن قبل الوحدة منفردة وشاركت في حكم اليمن بعد الوحدة حتى عام 1994م أن تتخلى عن مسئوليتها عن أخطاء تلك المرحلة ومحاولة طمس حقائق التاريخ التي لا يستطيع أحداً أن يخفيها أبداً مهما حاول.وقد لا نلوم الحزب الاشتراكي بنفس درجة لومنا لغيره كوننا ننظر اليه احيانا كطائر جريح تدفعه لبعض التصرفات الامه وجراحه ،لكن الأدهى والأشد هو أيضاً محاولة شريك الحكم الرئيسي في شمال اليمن قبل الوحدة وكذلك الشريك في حكم اليمن بعد عام 1990م والشريك الرئيسي المهم وأحياناً الأهم بعد 1994م والذي ظل شريكاً فاعلاً بصور مختلفة منها المعلن وغير المعلن حتى 21 مارس 2011م أن يتهرب أيضاً عن مسئوليته من الأخطاء التي أرتكبها ومن أهمها خلق الفتنه بين شريكي الوحدة الحزب الاشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام وكان شغله الشاغل ليس الوقوف ضد الوحدة بعد تحقيقها ولكن الدأب ليلاً ونهاراً لإذكاء الخلاف والصراع بين شريكي الوحدة بأي ثمن لأهداف أنانية ضيقة بعيداً عن المصلحة العامة للوطن.
وكان ذلك الحزب الإسلاموي الصاعد يحلم بأن يصل إلى السلطة بشتى الطرق وأغلبها غير سلمية وغير مشروعه سواء بالتعبئة ضد شريكي الوحدة وخصوصاً الحزب الاشتراكي اليمني أو تكفير بعض قياداته، بل ويعتقد الكثير من اليمنيين أنه من قام بدعم حلفائه المتطرفين والإيعاز لهم بتنفيذ اغتيالات ضد قيادات جنوبية أثناء الفترة الانتقالية وخصوصا بعد فشله الذريع بإسقاط دستور دولة الوحدة الذي أستفتي عليه في 20 مايو 1991م الموافق 7 ذو القعدة 1411ه، إضافة إلى شراء السلاح بشكل واسع وسيارات المطاردة التي كانت مشهورة في وقتها ( الهيلوكس الغمارتين)، وظل هذا الطرف الأيدلوجي المتطرف مستمراً في عمله لشق الصف الوطني بين شريكي الوحدة ولم يوقفه ذلك حتى بعد انتخابات 1993م التي أصبح بموجبها شريكاً في مجلس الرئاسة وفي الحكومة وظل على طبيعته من باب الطمع الأكثر للحصول على حصة أكثر, وكان يعتقد أن ذلك لم يتم إلا بإقصاء أحد شركائه وذلك برفع وتيرة الصراع مع أحد الشريكين وكان هدفه الرئيسي هو الحزب الاشتراكي اليمني وقد نجح في ذلك إذ كان هو السبب الرئيسي في الوصول إلى التراكمات التي فجرت حرب صيف 1994م وكانت من أبرز المشاهد في هذا السلوك الجشع والمتطرف تلك الفتاوى الظالمة وعمليات النهب والسلب الواسعة(التي سماها بالغنائم) والتي قام بها هذا الطرف والمحسوبين عليه للمؤسسات العامة في الجنوب والمعسكرات والمنشئات العامة والأراضي وحتى بعض بيوت قيادات الحزب الاشتراكي الخاصة, والتي مازالت تحت سيطرت بعض قياداته حتى اليوم.
لقد مارس هذا الشريك نفس الأسلوب في قضايا وطنية أخرى وكان فكره المتطرف سبباً لحروب صعده الستة على سبيل المثال، كما أنه لم يكتفي بخروجه المعلن من السلطة بعد انتخابات 1997م بل ظل شريك رئيسي في السلطة بشكل ظاهر وإن كان غير معلن ولا ننسى ما أعلنه رئيسه في عام 1999م بأن الرئيس / علي عبدالله صالح هو مرشحهم ولا يعلم من هو مرشح المؤتمر الشعبي العام، وكان موقف رئيس هذا الحزب ورئيس مجلس شوراه واضحاً في انتخابات 2006م الرئاسية ودعمهم للرئيس / علي عبدالله صالح وكان يحاول دائماً أن يخفي تغلغل نفوذه في صناعة القرار من خلال لعب دور المعارضة ولكن أقدامه التي كانت راسخة على أرض صناعة القرار والحكم لا تخفى على أحد.
لقد ظل هذا الحزب عبر جناحه القبلي المتمثل في الشيخ المرحوم / عبدالله بن حسين الأحمر وأولاده وجناحه العسكري المتمثل في اللواء / علي محسن الأحمر شريكاً فاعلاً في حكم البلاد وصناعة القرار حتى 21 مارس 2011م، وبالتالي فأن أي أخطاء ارتكبت من السلطة في ما قبل 21 مارس 2011م كان شريكاً في المسئولية عنها بحكم شراكته تلك التي ذكرناها, وكان الأولى به أن يتحلى بالشجاعة و يعترف بمسئوليته ولو حتى بشكل جزئي عن أي أخطاء إذ أنه حتى بعد تحالفه مع الحزب الاشتراكي فيما يسمى باللقاء المشترك ظل أعضاء ينتمون إليه يقومون بشكل ممنهج بالتحريض ضد الحزب الاشتراكي وقياداته، ولا شك أن اغتيال الشهيد المرحوم جار الله عمر تلك القامة الوطنية الكبيرة في مؤتمره العام واحدة من الشواهد على التعبئة الخاطئة والمتطرفة ونتائجها الوخيمة، وللأسف ما زالت التعبئة ضد الجنوب وأطراف سياسية مثل الحراك والحزب الاشتراكي مستمرة حتى بعد تخلي الرئيس / علي عبدالله صالح عن الرئاسة في انتخابات 21 فبراير 2012م، وما زالت تصرفات التجمع اليمني للإصلاح وأعضائه القبليين والعسكريين كما هي في المحافظات الجنوبية حتى اليوم وما كان سقوط ضحايا في 21 فبراير 2013م في ساحة العروض بعدد من أبناء الحراك الجنوبي السلمي وغيرها إلا شاهداً على استمرار النهج الخاطئ والمؤسف أن الدماء الزكية التي سقطت في عدن في ذلك اليوم المشئوم يتم الحديث عن أن السبب الرئيسي لتلك المصادمات ما هو إلا ثأر غبي انتقاماً لصورة أحد زعماء الإصلاح التي قام بعض شباب الحراك بإنزالها أو تمزيقها في أحدى لوحات العرض الإعلاني وإن صح ذلك فالطامة أكبر .
قال تع إلى قال تع إلى : ({ وَمَا أُبَرِّئ نَفْسِي إِنَّ النَّفْس لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُور رَحِيم }) صدق الله العظيم.
ونخلص من ذلك القول أن هذه المقدمة كان لابد منها لإظهار الحقائق لتمهيد الدخول إلى محتوى القضية.
محتوى القضية :
تشير الوقائع والأحداث إلى إن قضية الجنوب ليست قضية بين شمال اليمن وجنوبه كما يصورها البعض، بل هي قضية وطنية يمنية وفي أغلبها وليدة الظروف السياسية التي عاشها الجنوب منذ إعلان استقلاله الوطني عام 1967م، وامتدت تداعياتها وتراكماتها إلى ما بعد إعلان الوحدة الاندماجية بين الشطرين عام 1990م. وازدادت تعقيداً بعد حرب 1994م.
لقد تناولت الأوراق العديدة المقدمة لهذا الفريق جذور القضية، وعوامل نشوئها، واعترفت معظم هذه الأوراق أن أطراف عديدة قد ساهمت في ظهورها على هذا النحو الذي نعيشه، رغم محاولاتها التي لا تدعمها الأحداث والوقائع إلى تجيير كل الأسباب والدوافع إلى طرف سياسي بعينه.
قبيل الاستقلال في 1967م، كان التسابق المحموم يجري بين فصيلين رئيسيين من الحركة الوطنية للسيطرة على عدن، في أكتوبر من نفس العام كانت معظم المناطق قد خضعت لسيطرة الجبهة القومية، وكانت جبهة التحرير حينها لا زالت تقاوم للحفاظ على مكاسبها في عدن وبعض مناطق أخرى، كان الطرفان يخوضان معركة البقاء، غير أن الجبهة القومية تمكنت من حسم الصراع لصالحها، مما أضطر بريطانيا أن تسلم عدن للجبهة القومية.
أدى الصراع إلى إقصاء جبهة التحرير، وملاحقة عناصرها المتبقية في الجنوب. كان ذلك الصراع بداية لمرحلة من العنف تلتها مراحل عديدة، ذهب ضحيتها قحطان الشعبي، وفيصل عبد اللطيف وأزيح محمد علي هيثم، لتبدأ مرحلة أخرى جديدة من الصراع سمتها الرئيسية التطبيقات النظرية المتطرفة،ختمت بنهاية سالم ربيع علي وعدداً أخر من القادة. بعدها تسلم عبد الفتاح أمانة الحزب، ورئاسة الدولة، لكن سرعان ما اندلعت خلافات جديدة في الحزب أطيح فيها بعبد الفتاح اسماعيل، ولاحقاً بعلي ناصر محمد في أحداث يناير 1986م المأساوية. والتي شلت فعالية الحزب، وأضعفت الدولة التي فقدت حينها نصيرها الدولي الاتحاد السوفيتي.
هذه الصراعات شكلت في مجموعها أساساً للقضية الجنوبية التي وقفنا على جذورها ونقف اليوم على محتواها، لكن ذلك كان فقط الجانب السياسي من هذا الصراع المحموم على السلطة، أما الجوانب الاجتماعية فقد كانت أكثر عمقاً، لقد أدى تبني الفكر الاشتراكي العلمي إلى إزاحة طبقات عديدة عن الحياة السياسية، وتعرضت فئات عديدة، وأفراد لانتهاكات صارخة لحقوقهم المدنية، بل ومورست بحقهم أعمال عنف دعت الكثير ممن سلموا من الملاحقة إلى مغادرة البلاد.
كما غادرت البلاد طبقات التجار الكبار ومالكي الأراضي الزراعية بسبب قانوني التأميم والإصلاح الزراعي، واستقرت كل هذه الفئات في شمال اليمن أو دول الخليج، بحثاً عن الأمان ولقمة العيش. كانت تلك هي فترة الحكم في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وحتى 1990م.
بعد ذلك تم توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية بين قيادتي الشطرين ، المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني والاستفتاء على الدستور رغم وجود معارضة شديدة من بعض القوى المتطرفة، وما ترتب بعد ذلك على الانتخابات النيابية 1993م وقيام الائتلاف الثلاثي في الحكومة وشعور الحزب الاشتراكي اليمني بتراجع دوره في السلطة وإدارة البلاد.
ثم تراكمت الأسباب التي أوصلت القضية الجنوبية إلى صورتها الحالية، وكانت حرب صيف 1994م . قد أضافت بعداً جديداً للقضية، خاصة وأن القوى التي أقصيت في المراحل التي سبقت إعلان الوحدة أرادت استعادت مكانتها. واسترجاع حقوقها المغتصبة، وكان من المحتمل إندلاع موجة عنف جديدة وقتها لولا الحكمة وإصدار قرار العفو العام مباشرة، وكانت روح التسامح التي سادت آنذاك قد حمت البلاد والعباد من موجات عنف أخرى.
واستقرت الأوضاع في البلاد وعاشت اليمن فترة من النمو الاقتصادي والاجتماعي لم تعرفها من قبل. وأثبتت الوحدة أنها الانجاز الأعظم للشعب اليمني في تاريخه المعاصر. وإن معظم الانجازات التي تحققت على مختلف الأصعدة تعود إلى تلك الفترة.
إننا في المؤتمر الشعبي العام ونحن نتناول القضية الجنوبية نحاول اليوم الاقتراب من محتواها، ونود الإشارة إلى إننا قد قمنا بتوزيع الأبعاد الثلاثه التي أقرت بمنهجية محتوى القضية الجنوبية على صفحات هذه الرؤية وفقراتها بطريقة عرض مجمل، ولأن للمحتوى علاقة بالجذور فإننا نعتقد أن مظالم ما قبل الوحدة وفترات الحكم الائتلافي بعدها المعلنة وغير المعلنة كانت هي الفترة الأكثر ضرراًعلى الوحدة.
واتساقاً مع رؤيتنا للجذور التاريخية والسياسية والاجتماعية التي شكلت وانتجت ما تعارفنا عليه بالقضية الجنوبية، فإننا ومن خلال استيعابنا لمفردات التاريخ اليمني الحديث، وقراءته الدقيقة لمختلف مراحل الصراع السياسي وتداعياته، وفضلاً عن نهج المؤتمر الشعبي العام الواقعي في تشخيص مظاهر الأزمة الراهنة التي تشكل القضية الجنوبية أحد مكوناتها بعيداً عن المثاليات السياسية أو المزايدات أو محاولات استثمارها لمقاصد ضيقة الأفق. نحاول هنا الاقتراب من القضية. باحثاً في محتواها وماهيتها.
كثيراً ما نطرح على أنفسنا الأسئلة التالية: ماذا نعني بالقضية الجنوبية؟ كيف نفهم مظاهرها العامة؟ وبالتالي ما هو محتواها؟
المؤتمر الشعبي العام يعتقد أن الحقائق والوقائع التالية تشكل إجابة منطقية على هذه الأسئلة.
لقد ارتكبت بحق أبناء المحافظات الجنوبية أخطاء كثيرة في المراحل السياسية التي أعقبت الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر وصولاً إلى الوحدة في1990م، وما زال الأخوة في الحراك السلمي الجنوبي يتحدثون في الفترة الراهنة عن انتهاكات تمارس بحقهم في عدن وغيرها من مناطق الجنوب.
ومن هنا فإننا في المؤتمر الشعبي العام ننظر إلى القضية الجنوبية في محتواها الوطني والسياسي والإنساني، انطلاقاً من حقائق الواقع ودونما تمييز لفئة عن أخرى على أساس زمني أو تصنيف وفق حقب التعاقب السياسي للسلطة، فالوعي بالقضية في أبعادها المختلفة شرطاً للوصول إلى الحقيقة.
إن القراءة السليمة للتداعيات التي شهدتها الساحة الجنوبية والتي نشأت منها القضية الجنوبية تؤكد أن جميع الأخطاء التي حدثت في المحافظات الجنوبية في جزء كبير منها كانت هي في الأساس حصيلة صراعات القوى السياسية المختلفة على الحكم، وتضارب المشاريع النضالية مع بعضها البعض، وكنتيجة لافتقار تلك القوى لتجارب سابقة في الحكم جراء الاحتلال البريطاني.فبالرغم من نجاح القوى الوطنية في الجنوب من بناء دولة يمنية في الشطر الجنوبي من الوطن بعد الاستقلال، إلا أن حداثة تجربة الحكم والتحديات الداخلية والخارجية ذهبت بالتجربة نحو العنف، أدى بدوره إلى مزيد من العنف في الفترات اللاحقة.
كما لعبت الأوضاع الاقتصادية دوراً سلبياً في بروز القضية الجنوبية، ففي السنوات الأخيرة تضاءلت الكثير من الموارد المالية، وتراجعت معدلات الاستثمار وعائدات النفط لأسباب عديدة، وازدادت مظاهر الفقر. بالرغم أن الوطن اليمني قد تحمل عبء هذه التحولات غير الايجابية في اقتصاد البلاد، ولكن المواطن في الجنوب الذي تعود على نظام اقتصادي مختلف عن النظام الاقتصادي الجديد الحر لدولة الوحدة تحمل العبء الأكثر لهذا الأثر.
أما الوجه الآخر لنشوء القضية الجنوبية في محتواها العام، ما بعد الوحدة فقد كان نتيجة متوقعة لحداثة التجربة الديمقراطية في اليمن عموماً والتي كان يعول عليها في خلق سبلاً آمنة للتداول السلمي للسلطة، وهو ما لم يحدث بصورة مثالية خلال العقدين الماضيين، بالإضافة إلى عدم تنفيذ بعض بنود اتفاقية الوحدة والتي من أهمها دمج الجيش قبل الانتخابات النيابية الأولى، وهو الأمر الذي مهد لحرب 1994م بعد انتخابات 1993م.
بعد هذه المقدمات يمكننا الآن أن نقف على بعض مظاهر القضية كي تساعدنا في فهم المحتوى المقصود من عنوان هذه الورقة، وذلك على النحو التالي: -
أولاً : أنها حركة احتجاج ظهرت في 2007م وتمتد جذورها إلى ما قبل الاستقلال مروراً بمراحل الصراع في الجنوب وانتهاء بأزمة 2011، 2012م، ساهم فيها العديد من فئات المجتمع في المحافظات الجنوبية والشرقية. واستقطبت ولا زالت تستقطب حولها المزيد من الأنصار. بما في ذلك بعض القوى التي ناصرت الوحدة بقوة وأيدتها في السنوات الماضية، ويمثل الحراك السلمي الطرف الرئيسي فيها.
ثانياً : أن هذه الحركة الاجتماعية ظهرت في صورة مطالب حقوقية في عام 2007م، ( جمعيات المتقاعدين العسكريين)، ثم تحولت إلى مطالب سياسية، متعددة يتبناها كثيرون من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية ، هذه المطالب الحقوقية والسياسية تبدأ بالبحث عن معالجات قانونية للمشكلات التي يعاني منها أبناء الجنوب كتلك التي تتعلق بالحقوق في الوظيفة العامة أو قضايا الأراضي لتصل مؤخراً إلى البحث عن صيغة اتحادية أو فيدرالية للحكم، وتنتهي بمطالب فك الارتباط، وحق تقرير المصير.
ثالثاً : وفي خضم هذه المطالب يتبنى بعض أبناء الجنوب رؤية تمثل منزلة بين المنزلتين تقبل بالوحدة سقفاً لمطالبها السياسية، يعبر عن هذه الرؤية، أفراد، ومنظمات، وأحزاب، ومكونات سياسية أخرى يشارك بعضهم في مؤتمر الحوار الوطني بحثاً عن حلول عادلة للقضية.
رابعاً : يرتبط بهذا اختيار نظام الحكم، فقد أدى النظام الحالي دوره في مرحلة البناء الأولى لدولة الوحدة، لكنه الآن أصبح عاجزاً عن استيعاب التناقضات التي تراكمت عبر مراحل في بنيتها.
خامساً : رافقت القضية الجنوبية مظاهر شتى من المقاومة المشروعة أحياناً، وغير المشروعة أحياناً أخرى، كالاعتداء على المؤسسات، المدنية والعسكرية،والممتلكات العامة والخاصة بما في ذلك الاعتداء على الحياة، مع إصرار واضح لدى البعض في عدم الاعتراف بحق الآخرين في الاختلاف، أدت أحياناً إلى عنف وعنف مضاد.
سادساً: تأثرت القضية الجنوبية، بعوامل الصراع على السلطة في المركز. بين معارضي النظام ومؤيديه. شكل هذا الصراع لاحقاً أحد مظاهر وعوامل بروز هذه القضية، فقد توحد الحراك مع بعض القوى السياسيةبهدف إسقاط النظام. جمعتهم أطروأشكال عديدة من التجمعات، والمسيرات، والاعتصامات، وغير ذلك.ربما لم يتوقع أطرافها أنها ستدخل بمجرد التوقيع على المبادرة الخليجية في مواجهات جديدة فيما بينها البين.
سابعاً : أن هذه الحركة تنقسم على نفسها فيما يتعلق بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، إذ تقبل بعض فصائلها هذه المبادرة وآليتها التنفيذية من خلال مشاركتها في الحوار الوطني الشامل، وهي تدرك مسبقاً أن كل الحلول التي يمكن أن يتمخض عنها مؤتمر الحوار لا بد أن تفضي في النهاية إلى الحفاظ على اليمن بلداً وشعباً ودولة موحدة. لكن بعض الفصائل الأخرى ما زالت ترفضها.
ثامناً : رافق الحركة ( القضية ) اختلالات أمنية واسعة.. سمحت لأطراف عديدة لأن تؤسس لها وجوداً في المحافظات الجنوبية والشرقية، أكثرها خطراً الوجود العسكري للقاعدة، الذي تغلغل في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية.
تاسعاً: غذى ويغذي هذه الحركة إلى جانب العوامل الموضوعية تحريض مستمر من بعض المنابر المتعددة والإعلام المنفلت، لكن أخطر هذه المنابر تأثيراً على وعي المواطنين هناك هي المنابر التي تستخدم خطاباً سياسياً غير مسئولاً. كانت التحالفات خلال الأزمة تكتيكية، وكان ضرر هذه التحالفات التكتيكية بالغاً على الوحدة الوطنية، لقد غلبت بعض القوى السياسية مصالحها الحزبية على المصالح الوطنية، ودخلت في تحالفات مشبوهة حتى مع القوى الساعية نهاراً جهاراً لتقويض الدولة فكانت النتيجة هي المآل التي آلت إليه القضية الوطنية برمتها.
عاشراً: كما تأثرت القضية الجنوبية، بعوامل التدخل الخارجي، فكل المؤشرات تشير إلى أن طرفاً أو ربما أطرافاً ارتبطت بعلاقات مشبوهة مع قوى خارجية، تتلقى منها المساعدات المادية والمعنوية، حرضت وتحرض على الإنقسام وتدعو للكراهية بين أبناء الوطن الواحد. وما حالات الاعتداء المتكررة على حياة بعض أبناء المحافظات الشمالية وممتلكاتهم في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية سوى مظهر واحد من مظاهر التحريض السياسي والمناطقي ، والطائفي المتطرف.
وبالعودة إلى الوقائع والأحداث فإن أحد مظاهر القضية الجنوبية، بروز المشاريع الصغيرة الانقسامية، والمناطقية والطائفية.. متكئة على تاريخ انقسامي في بعض مراحله الممتدة عبر الزمن، ووحدة غضة حديثة لم يتصلب عودها بعد.
إنه من غير المجدي البقاء عند دراسة هذه الظاهرة بعيداً عن الأسباب الحقيقية التي منها الاعتراف بحقائق الواقع كما هي منذ قيام الوحدة وحتى اليوم.. فالوحدة مشروع وفعل وطني كبير، لكنه مشروع محكوم بإرادة الإنسان، ووعيه، ومصالحه. وقد تعرضت إرادة الإنسان في المحافظات الجنوبية والشرقية لتحولات غير قليلة، وتشوه وعيه بالوحدة، ربما بسبب الإحساس العميق والشعور بالمرارة بأن مصالحه قد تعرضت للاعتداء المقصود أو غير المقصود.
الخاتمة:
إذاً وكما أسلفنا فإن القضية الجنوبية حركة احتجاج شعبي تشارك فيها فئات عديدة من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية وهي ليست قضية شمالية – جنوبية كما يحاول البعض تصويرها بل هي مشكلة وطنية تكونت بفعل عوامل الصراع السياسي في مراحل تطور الدولة اليمنية المختلفة، كما أنها قضية ناتجة عن بعض الأخطاء التي حدثت في المحافظات الجنوبية شاركت في حدوثها معظم القوى السياسية الفاعلة. والتي مارست الحكم قبل وبعد قيام الوحدة.
كما تعود في جانب منها إلى حداثة التجربة الديمقراطية في اليمن الموحد. وانخفاض مستوى الوعي بقيمة وعظمة منجز الوحدة.
وهي حركة بدأت بمطالب حقوقية، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى مطالب سياسية تدرجت مطالبها من تصحيح مسار الوحدة والمطالبة ببعض الحقوق إلى المطالبة بفك الارتباط، وحق تقرير المصير لدى بعض الفصائل. التي ترفض الحوار ولا تعترف به، ومن المحتمل إنها إذا ما ظلت على نفس الموقف قد لا تعترف بنتائجه.
رافق ظهور القضية، مظاهر شتى من الاحتجاجات السلمية وغير السلمية، والعنف و العنف المضاد. وتأثرت القضية والحراك بالصراع في المركز بين مؤيد للنظام ومعارض له، وتزامن مع المراحل الأخيرة للقضية ظهور القاعدة، وازدياد حالات العنف. مما أربك المشهد السياسي وزاد من حدة الاختلافات. استدعى تدخلاً خارجياً ونشاطاً دولياً في المنطقة غير مسبوق.
وأخر قولنا :ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطئنا،,والله ولي التوفيق

مواضيع متعلقة:

التجمع اليمني للإصلاح يقدم رؤيته لمحتوى القضية الجنوبية (نص الرؤية)

زر الذهاب إلى الأعلى