تسارع لندن لتكون أول عاصمة أوروبية تصدر السندات الإسلامية بعد سلسلة من الخطوات التي اتخذتها لتعزيز مكانتها كإحدى العواصم الجاذبة للاستثمارات المبينة على أساس مبادئ الشريعة الإسلامية، وما يعرف أيضا بصناعة التمويل الإسلامي.
ونشرت صحيفة الفايننشال تايمز مؤخرا تقريرا حول قلق بريطانيا من أن تسبقها دول أخرى مثل جنوب أفريقيا أو لوكسمبورغ أو هونغ كونغ في ذلك المسعى، مؤكدة أخذ الريادة بالإسراع بإصدار التشريعات المناسبة.
وذكرت الصحيفة بالخطط التي أعلن عنها وزير المالية جورج أوزبون الخريف الماضي والتي تستهدف أن تكون بريطانيا أول دولة أوروبية تصدر الصكوك الإسلامية لتصبح مركزا غربيا في صناعة التمويل الإسلامي.
وبرز هذا التوجه البريطاني في جولة آسيوية قام بها رئيس الوزراء ديفد كاميرون عام 2012 انتهت باقتناعه تماما بأن هناك فرصة كبيرة لجذب هذه الصناعة الصاعدة.
الدفعة الأولى
وفي حديثه للجزيرة نت قال الخبير في الاقتصاد السياسي الدكتور ناصر قلاون إن الدفعة الأولى من هذه الصكوك تبلغ مائتي مليون جنيه إسترليني.
وجاء الإعلان عنها من قبل أوزبورن، مبينا أن المزاج الرسمي في بريطانيا تغير من معارضة هذا التوجه قبل ثلاث سنوات إلى الاقتناع بضرورة احتضان هذه الصناعة المالية الإسلامية بسبب صعودها الكبير لها مؤخرا، واقتناع البريطانيين بإمكانية أن يكونوا مركزا جاذبا لها.
ولأن قطاع التمويل الإسلامي كان يشهد تراجعا في الثقة جاءت خطوة إصدار سندات حكومية لتعطي إشارة إيجابية جديدة من الخزانة لطمأنة الراغبين في دخول هذا القطاع.
ويبين قلاون أن مسعى بريطانيا لتكون عاصمة للتمويل الإسلامي بدأ يترجم عبر خطوات مباشرة لحث القطاع الخاص، إذ تعد بريطانيا أحد الملاذات الآمنة للأموال من كافة أنحاء العالم وواجهة قانونية معتبرة.
وينطلق قلاون من توافر الخبرة القانونية المالية لدى بريطانيا ليقول إنها قادرة على إصدار تشريعات قانونية تلبي المعايير التي تريدها الصناعة المالية الإسلامية، خاصة أن القانون البريطاني يعد في كثير من الدول العربية والإسلامية مرجعية معتمدة تمت العودة له للبت في الخلافات المالية التي تنشأ في تلك البلدان.
وبحسب قلاون، يبقى هناك غموض بشأن مدى مطابقة هذه المعايير التي ستعتمدها لندن في التعاملات المالية الإسلامية للمعايير الشرعية، مبينا أن هناك بنوكا تتبنى السياسيات العامة للتمويلات الإسلامية لكنها ليست متوافقة تماما معها.
وبحسب مراقبين، يبدو أن توجه الحكومة البريطانية يأتي مدعوما برغبة في توفير البيئة المناسبة لجذب رؤوس الأموال التي ترغب في الاستثمار بالغرب لكنها تتحفظ على التعامل الربوي لأسباب دينية.
الأزمة المالية
من جهته، يرى الأمين العام للمجلس الأوروبي للإفتاء الشيخ حسين حلاوة أن هناك بعدا آخر خلف الاهتمام البريطاني والغربي بصناعة التمويل الإسلامي له علاقة بالأزمة المالية العالمية الأخيرة، والتي شجعت كثيرا من الاقتصاديين في هذه الدول على إجراء دراسات ومقارنات بحثا عن حلول وبدائل. ووجدوا أن النظام الإسلامي هو أفضل بديل وأكثر النظم أمنا، واستفادوا من ذلك في الاتجاه نحو إقرار خفض الفائدة في البنوك والتي وصلت إلى الصفر في بعض البلدان، وهذه هي النظرة الإسلامية في تحريم الربا.
ويوضح الشيخ حلاوة في حديثه للجزيرة نت أن هذه التجربة إضافة إلى الرغبة في جذب الأموال الإسلامية جعلت الدول الغربية تتجه أكثر نحو إقرار تشريعات تتناسب مع رأس المال الإسلامي، فالغرب يعد مكانا آمنا تشريعيا وحياتيا، ولذلك فإن الأموال الإسلامية تتطلع للاستثمار فيه إن توافرت المعايير الشرعية.
وبشأن المعايير الشرعية وتوافرها يوضح حلاوة أن الصكوك الإسلامية يجب أن تكون قائمة على الربح والخسارة، وليس بضمان الربح فقط، والصكوك المزمع إصدارها من بريطانيا وغيرها -حتى تكون وفق المبادئ الشرعية- يجب أن تكون أعيانا قائمة وليست ديونا في الذمة.
وتعرف الصكوك الإسلامية بأنها الوثائق المتساوية القيمة عند إصدارها، وتقوم بتقسيم الأملاك القائمة لصكوك والتي يمكن تداولها دون تجزئتها، وصاحب الصكوك يملك جزءا منها.
ويبين حلاوة أن الحكومة البريطانية تحتاج لسيولة مالية، لذا تسعى لتوزيع هذه الأملاك غير القادرة على در دخل بتحويلها إلى صكوك متساوية قابلة للتداول.
وبشأن أسباب اختيار الحكومة البريطانية الصكوك بدلا من السندات والأسهم يشير حلاوة إلى أن البنوك تأخذ نسبة فائدة ثابتة على السندات والأسهم، بينما الصكوك هي ربح وخسارة وبالتالي فإنها لا تثقل كاهل الدولة بالديون المتراكمة.
ويعد المجلس الأوروبي للإفتاء إحدى المؤسسات التي قدمت دراسات ودورات بشأن المعاملات المالية، بمشاركة خبراء عالميين في الاقتصاد الإسلامي، وأرسلت نتائج هذه البحوث للحكومات الأوروبية.
وتتنافس عواصم غربية عدة على سن تشريعات تستقطب هذه الصناعة المالية الإسلامية. وسارعت لوكسمبورغ وجنوب أفريقيا خططها لإصدار سندات إسلامية، كما أنها تتنافس على جذب الاستثمارات التي تقدر بالمليارات. وأعلن سابقا في بريطانيا عن إنشاء هيئة علماء الشريعة في التمويل الإسلامي، وتهدف الهيئة إلى تنظيم كل علماء الشريعة في مجال التمويل الإسلامية تحت هيئة موحدة.