لم يواجه دخول مسلّحي جماعة الحوثي، إلى مدينة إب، جنوبي غرب اليمن، يوم الأربعاء الفائت، بإطلاق رصاصة واحدة ضدّهم، ما بدا وكأنّه فصل جديد من "فتوحات" سهلة وسريعة، شملت أيضاً محافظتي الحديدة غرباً، وذمار وسط البلاد.
لكنّ الهدوء سرعان ما تحوّل إلى مواجهات مع قبليين، قَدِموا من مناطق مختلفة من إب، اعتراضاً على تواجد مسلّحي الجماعة.
وتُعدّ "إب"، المعروفة أيضاً ب"اللواء الأخضر"، المحافظة الأعلى كثافة سكانيّة بعد أمانة العاصمة. ولا يحظى الحوثيون فيها بنفوذ مهم، الأمر الذي جعل وجودهم مهدداً بعد تجمّع مئات المسلّحين ومطالبتهم بالمغادرة.
وكان الحوثيون دخلوا المدينة بعشرات الأطقم، وأقاموا نقطة تفتيش في مدخل المدينة الشمالي، ونقاط أخرى وسط المدينة، من دون اعتراض القوات الحكوميّة، في سيّاق سيناريو تكرر في بقية المدن.
وطلب الحوثيون من فنادق المدينة، التي تُصنّف على أنّها عاصمة سياحيّة للبلاد، قاعدة بيانات النزلاء، كما أوقفوا أعياناً من أبناء المحافظة، كانوا في طريقهم إلى المدينة، ما عجّل بتصعيد الموقف.
ويوضح أحد مشايخ المحافظة لـ"العربي الجديد"، أنّه "من غير المقبول إطلاقاً أن يقوم قبيلون بتفتيش قبيليين مثلهم". ويؤكد أن "التفتيش ونصب النقاط على المداخل يجب أن يكون حقاً حصرياً للدولة".
وكانت اشتباكات، اندلعت يوم الجمعة الماضي، بين مسلّحين قبليين وآخرين يتبعون للجماعة، عند نقطة تفتيش نصبها الحوثيون في المدخل الشمالي لمدينة إب، فضلاً عن معارك في الخط الدائري وسط المدينة. وجرت محاصرة عناصر الحوثيين داخل ملعب رياضي في المدينة، كانوا قد اتخذوه مركزاً لحشد أنصارهم، في وقت تشير فيه الأنباء إلى سقوط العديد من القتلى من الجانبين.
وتحرّكت، صباح اليوم ذاته، تظاهرة شعبيّة رافضة لتواجد المسلّحين، باتّجاه منزل محافظ محافظة إب، يحيى محمد الإرياني، الذي طلب من جميع المسلّحين (حوثيين وغير حوثيين) مغادرة المدينة، مشدّداً على أنّ "محافظة إب لن تقبل ان تكون مسرحاً لعمليات العنف والاقتتال والفوضى بين الجماعات المسلّحة والمتصارعة، وستتخذ جميع التدابير وفقاً للإجراءات القانونية والدستورية المحددة بهذا الخصوص، لحفظ النظام والقانون والسكينة العامة، بما يضمن استقرار المحافظة وسلامة أبنائها".
ووفق معلومات لـ"العربي الجديد" من مصادر موثوقة في ديوان عام المحافظة، فقد وقّعت جهات اجتماعيّة وسياسيّة في المحافظة، مساء يوم الجمعة الماضي، اتفاقاً مع مسلّحي جماعة الحوثيين، يقضي بوقف إطلاق النار في المدينة، واستئناف الحوار بدءاً من يوم أمس السبت". ويقضي الاتفاق "بانسحاب جميع المسلّحين من المدينة ومداخلها، وأن تحلّ قوات الجيش والأمن محل المليشيات المسلّحة من جميع الأطراف وتجنيب المحافظة الصراع".
[b]تصعيد سريع[/b]
ويثير انتشار الحوثيين في إب، معارضةً وتذمراً واسعين، وهو ما قد لا يسمح بتغلغلهم لفترة طويلة، لأسباب عديدة أهمّها أنّ معظم سكان المحافظة يختلفون مذهبياً وسياسياً مع الحوثي، وينتمي إليها عشرات آلاف العسكريين والأمنيين، كما تحتل صدارة قائمة المحافظات، لناحية عدد المغتربين من أبنائها وخصوصاً في السعودية والولايات المتحدة الأميركيّة.
ولا يوجد في إب حامية عسكرية كبيرة، عكس الحال في ذمار والحديدة، كما أن نطاق الاعتراض على تواجد مسلّحي الحوثي تجاوز دائرة الخصوم التقليديين للجماعة، كحزب الإصلاح والسلفيين، ليمتد إلى قطاعات واسعة من كوادر حزب المؤتمر، علماً أن قيادة الحزب الذي يقوده الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، تُتهم بتسهيل تقدم مسلّحي جماعة الحوثي في أكثر من مدينة.
وتشهد محافظة تعز، وهي من أهم مدن اليمن وتقع إلى الجنوب من إب، حراكاً سياسياً وشعبياً رافضاً لدخول الحوثيين، في وقت أكّد فيه قائد المنطقة العسكرية الرابعة، اللواء محمود الصبيحي، التي تقع تعز ضمنها، أن "قواته ستصدّ أيّ محاولة للمسلّحين لدخول المدينة".
ويبدو أن لمحافظة إب نموذجها الخاص، في التعامل مع انتشار المسلّحين الحوثيين، فهي تحمل غصن الزيتون في يد وتحرص عليه، لكنها تحمل في اليد الأخرى بندقية.
وبين الغصن والبندقية، تستمر جهود الحل الآمن، الذي يبعد عن إب شبح الدمار، ونقاط المسلّحين، مع الإقرار بحقّ جماعة الحوثي في الانتشار غير المسلّح، كمكون سياسي يتنافس سلمياً مع باقي المكونات، للظفر بثقة المواطنين.
ولا يتوقّع مراقبون أن يصمد الحوثيون في معاركهم في المحافظات التي تتمتع بأغلبية مطلقة مخالفة لتواجهاتهم، وخصوصاً محافظتي إب وتعز. والأرجح أنّهم لن يتأخروا في التراجع تحت وطأة التحرّكات المعارضة لسيطرتهم، أو يسعون إلى صيغة توافقية، تحفظ ماء وجههم. وكل ما عدا ذلك، فإن ضريبة المقامرة ستكون باهظة على الجميع.