كيف يمكن للحكومة، التي منحت الثقة الخميس الماضي من البرلمان، أن تعيد الدولة في اليمن إلى مسارها الطبيعي، وكيف يمكنها، وهي لا تمتلك مقومات النجاح، أن تنجح في إعادة الأمن والاستقرار وتوفير الخدمات المعيشية اليومية للمواطن وأن تحافظ على ما تبقّى من اقتصاد؟
الدولة في اليمن مخطوفة من قبل جماعة مسلحة، ولا يمكن لعاقل يتابع الوضع بدقة أن يقول غير هذا.. جماعة انقلبت على رئيس عاجز وكهل، واستغلت حال الدولة وهشاشتها لتنقضّ على ما تبقى منها، فحاصرت المحافظات بقوة السلاح واقتحمت المؤسسات الحكومية ونصّبت نفسها جهة شعبية حقوقية تدافع عن مصالح الشعب وأمواله، فراحت تتمادى في أفعالها انطلاقاً من هذا الاعتقاد، الذي أعتبره أنا مرضاً، فقامت باقتحام شركات النفط ومؤسسات الاعلام الرسمية وشركات رجال الأعمال الخاصة واستبدلت مدراء تلك الشركات والمؤسسات بمدراء جدد ينتمون لها بقوة السلاح.
يقول زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، بأن جماعته قامت بكل هذا من أجل المحافظة على أموال الشعب ولمعاقبة الفاسدين وعلى رأسهم الرئيس"المظلة"، ويقصد به، عبد ربه منصور هادي، مهدداً ومتوعداً كل مَن يقف في طريق جماعته بالويل والثبور وعظائم الأمور.
ما تقوم به الجماعة على أرض الواقع، لا شك أنه سيعمل على نسف ما تبقى من الاقتصاد المنهار وسيعمل على تجسيد مبدأ القوة و"البلطجة" وقدرة أي جماعة قادمة من كهوف الجهل والتخلّف، ما دامت تمتلك السلاح والنفوذ، في مجابهة الدولة واقتحام مؤسساتها، وما دامت تلك الدولة هشة وفيها المؤسسات قائمة على الرشوة والمحسوبية ولم تُبنَ بشكل قوي يمكّنها من التصدي لأي خطر كالذي يحدث.
ما تقوم به الجماعة، لا ينتصر للمواطن ولا يعيد الحقوق لأهلها، كما تتوهم، بل يجسّد لحقبة جديدة من النهب والسلب وعدم احترام حقوق الانسان وحرية التعبير والاعلام، ويقضي على اقتصاد البلد الذي يعاني من معضلات اقتصادية كبيرة، كان الأحرى بالجميع الوقوف جنباً إلى جنب لحلها، بدلاً من تعقيدها ومراكمتها على كاهل الأجيال القادمة.
وانطلاقاً من كل ما سبق، ولأن الوضع يحتاج إلى وقفة مسؤولة من هذه الحكومة، التي قبلت بالمهمة في ظل هكذا وضع، فإن عليها مسؤولية لم تتحملها حكومة من قبل، وعليها آمال يجب أن تعيها وأن تعمل على تحقيقها، ولن يسامحها المواطن اليمني البسيط في حال فشلت أو ساهمت في تدهور الوضع أكثر، لأنها المسؤولة أمامه عن تغيير الخارطة وتحقيق الأفضل وليس الميليشيات المسلحة.