يستريح مجمّع دار الرئاسة اليمني، جنوبي العاصمة صنعاء، أسفل تلّين صغيرين على شكل نهدي امرأة. وعادة ما يسمّي اليمنيون أماكنهم طبقاً لأشكالها التضاريسية، ولهذا عرف مجمّع الرئاسة ب"قصر النهدين". وذاعت التسمية إبان التفجير الذي طال مسجد المجمع في الثالث من يونيو/ حزيران 2011، الذي استهدف الرئيس السابق علي عبد الله صالح وكبار معاونيه. وعاودت التسمية الظهور مجدداً، يوم 20 من يناير/ كانون الثاني المنصرم، تاريخ سيطرة مسلحي جماعة الحوثيين على المجمّع. ولم تخلُ بعض التعليقات من إبداء استغراب تجاه تسمية "النهدين" لكونها ذات دلالة رومانسية وليس سياسية.
ووفقاً لمسؤول سابق في الحكومة اليمنية، فإن فكرة اختيار منطقة النهدين مكاناً للرئاسة، تعود إلى منتصف السبعينيات خلال عهد الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي. وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن بناءه جرى في عهد صالح الذي ظل يداوم في سنوات حكمه الأولى في دار الرئاسة القديم في تقاطع شارعي "الزبيري" و"علي عبد المغني"، وهو المبنى المعروف اليوم بمكتب رئاسة الجمهورية، وكذلك في منشأة رئاسية ثالثة تقع إلى الغرب من المكتب، هي الأمانة العامة للرئاسة، وفيها ما يُعرف ب"القصر الجمهوري" المبني على الطراز الصنعاني العريق.
ويبدو جليّاً أن اختيار موقع النهدين جاء لأسباب أمنية تجعل مجمع الرئاسة محمياً بتلال النهدين التي تحتضنه من جهة الجنوب، وفيهما تعسكر أعتى ألوية الحماية الرئاسية المدججة بالدبابات والمدرعات والمدافع ذاتية الحركة. ويحتوي المجمع على مبان عدة، وفيه سكن للرئيس، ومكاتب وقاعات اجتماعات، بالإضافة إلى الحدائق والمسابح والمسجد، ومحطة للكهرباء وبئر للماء، ومدرج صغير لمروحيات الطوارئ، واسطبل للمواشي بأنواعها، إلى جانب الخيول التي كان صالح مولعاً بها واتخذها رمزاً انتخابياً لحزبه، "المؤتمر الشعبي العام".
ونتيجة اتساع المجمّع (خمسة كيلومترات مربعة تقريباً)، وعدم ارتفاع مبانيه، وبروز النهدين المشرفين عليه، لا تتوفر صور لمعالمه من الداخل، وزاد اختفاؤه أكثر بعد بناء "جامع الصالح"، إلى الشمال من المجمع، كتحفة معمارية فريدة تنتصب فوقها ست مآذن، يبدو المجمع مكشوفاً لها، وإلى الشرق من المجمّع تقع مقبرة "الرحمة"، ويطلق عليها أيضا "النُّجيمات".
ورغم أهمية مجمع النهدين وسياديّته، إلا أن سوره يبدو أقل ارتفاعاً من كثير من أسوار الدوائر الحكومية والسفارات ومنازل المسؤولين، بل هو قصير قياساً بمستوى الأسوار اليمنية عموماً، ولعلّ السبب في ذلك لا يعود إلى مستوى الثقة الأمنيّة المحميّة بالنهدين، ولكن لأن السور، في بعض جهاته، وراءه سور آخر. واللافت أن منزلاً شعبياً قديماً من طابقين، يتوسط السور الشمالي للمجمع، ويقسم السور إلى قسمين، ويعود إلى مواطن رفض بيع منزله للرئاسة أثناء فترة بناء المجمع، فلم تجبره الحكومة على البيع، ولم تقم بإزالة المنزل من طريق السور، وتم إبقاؤه دليلاً على تسامح الدولة.
كان مجمع النهدين وحيداً في سنواته الأولى قبل أن يحيط به التوسع العمراني من ثلاث جهات، جنوباً وغرباً وشرقاً، لكن مساحة لا بأس بها شمال المجمع ظلت محرّمة على زحف العمران، لكونها تتبع الرئاسة، وتم تخصيص بعض هذه المساحة لبناء جامع الصالح، بينما المساحة الباقية حقول خضروات، مخطّط لها أن تصبح في المستقبل منشآت حكومية في نظر الرئاسة، أو مشاريع استثمارية بمثابة "وقف" يصبّ ريعه لخدمة "الجامع".
قبل تنحّي صالح عن السلطة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، كانت الشائعات والأساطير تنسج حول مجمع الرئاسة وتحصيناته وأنفاقه السريّة التي يتمكن الرئيس بواسطتها من الانتقال إلى أماكن أخرى في العاصمة من دون المرور في الشوارع، ولكن عملية انتقال القصر من عهدته إلى عهدة خلفه الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، أثبتت أن تلك الشائعات كانت تحتوي على مبالغات كبيرة، ويقال إن هادي لم يزاول عمله في المجمّع إلا بعدما أجرت طواقم حراسته الخاصة مسحاً دقيقاً للمجمع، وذلك خشية وجود عبوة ناسفة هنا أو أجهزة تنصت هناك. وهو تصرف طبيعي، خاصة بعد تفجير يونيو 2011 في مسجد المجمع. بينما قام صالح عند توديعه القصر، بمسح من نوع آخر، إذ جمع كافة مقتنياته وهداياه التي حصل عليها طيلة 33 عاماً، وأودعها متحفاً خاصاً به، في جامع الصالح المسمّى باسمه.
اليوم، صار مجمع النهدين، أو "إليزيه اليمن"، بلا رئيس للمرة الأولى منذ افتتاحه؛ فهادي فضّل الإقامة في منزله بعد تقديم استقالته المعلّقة. والطبيعي أن مَن سيطر على "النهدين"، سيطر على باقي الجسد، لكن ذلك على ما يبدو، غير متحقق حتى الآن بالنسبة لجماعة الحوثيين.