arpo14

الموت اليمني.. أكلاف على الأسر وتراكمات على مستقبل الاقتصاد

نُكبت أسرة فيصل حسن بفقدان معيلها، عندما انفجرت قربه قذيفة مضادة للطائرات في العاصمة اليمنية صنعاء، لكنها نُكبت مرة أخرى بتحمّلها الكثير من تكاليف علاجه ومن ثم مراسم الدفن والعزاء.

زوجته، فاطمة، تقول إن الأسرة باعت سيارة الأجرة التي كان يعمل عليها زوجها بثمن بخس، لسداد مبلغ ستة آلاف دولار تكاليف عملية جراحية في مستشفى خاص، لاستخراج الشظايا من جسده، وأكلاف غرفة العناية المركزة والأدوية، لتستدين فوق ذلك من الجيران والأقارب مبلغ أربعة آلاف دولار أخرى للوفاء باحتياجات مراسم الوفاة.

لكن لا تقف المأساة هنا، لتنزل النكبة الثالثة بخروج كبير أبنائها الخمسة "عصام" من التعليم، ليعمل في حمل البضائع عند أحد تجار منطقته بقصد تسديد الديون وسد رمق العائلة المنكوبة.

[b]تكاليف كبيرة [/b]

وعملت الحرب الداخلية طوال السنوات الأخيرة في اليمن على تعميق الخسائر الاقتصادية الضخمة، إلا أن الخسائر البشرية لا يمكن تعويضها. وأدت المناسبات الاجتماعية المتعلقة بوفاة شخص إلى انتعاش سلسلة الدورة الاقتصادية التي تربط بعدد من السلع والخدمات المتصلة بتلك المناسبات. لكنها تشكل نكبة اقتصادية على أسرة المتوفى التي تتحمّل تكاليف باهظة في ظروف الحرب، ما دفع إلى تغيير أولويات الأسر الفقيرة، لتستدين، لإعلان رحيل المتوفى إكراماً للتقاليد، بينما تتأثر بعد ذلك ظروفها المعيشية وقدرتها على الصمود في وجه الأزمات مستقبلاً.

وخلال الأشهر الأربعة الماضية قتل أكثر من 4300 مدني بسبب الحرب الدائرة في 19 من أصل 22 محافظة، غير أن تقارير ‏الأمم المتحدة تقول بأن العدد الحقيقي للضحايا هو أضعاف هذا الرقم بسبب عدم تسجيلها من قبل المنظمات الإنسانية.

يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء الدكتور سعيد عبد المؤمن، إن الحكومة والأفراد يتحملون تكاليف كبيرة لطبابة المصابين بسبب الحرب، كونها حالات طوارئ تستدعي إجراء عمليات جراحية، وإدخال المصابين إلى غرف العناية المركزة وغرف الرقود، بالإضافة إلى الفحوصات الطبية الشاملة، وأدوية كثيرة. ثم كلفة ثلاجة الموتى، في حال وفاة المصابين، وتجهيز الجثة.

وكل هذه الإجراءات، حسب المتحدث ذاته، قد تكلّف الأسرة في المتوسط 7000 دولار. إلا أنه بوفاة الفرد العامل، يضيف الدكتور سعيد عبد المؤمن في تصريحه لـ"العربي الجديد"، يتأثر أيضاً الإنتاج الوطني، لتتحمل الحكومة سداد التأمين التقاعدي لسنوات طويلة لأسرته، وقد تضاف الأسرة المحرومة من هذا التأمين إلى سجلات الإعانات الحكومية الدائمة. كل ذلك يكلّف، حسب سعيد عبد المؤمن، الحكومة ما يصل إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية على أفراد الأسرة.

[b]الإنفاق من المدّخرات [/b]

وتدفع الأسرة اليمنية الكثير من مدّخراتها أو عبر الاقتراض للوفاء بكلفة الدفن والعزاء، لتؤثر كثيراً على معيشة الأسر خاصة وسط الارتفاع السريع في أعداد الفقراء خلال الحرب القائمة بنسبة وصلت إلى 81%. وعادة ما تكون التكاليف التي تدفعها الأسرة في المدينة أكثر منها في الريف، بسبب اختلاف نمط المراسم والخدمات المقدمة أثناء المناسبة.

ويكون أكبر جزء تدفعه الأسرة الريفية ما يعادل 1000 دولار كقيمة للوليمة في يوم الدفن، لكنها تدفع أقل من ذلك بما لا يتجاوز 700 دولار أخرى لمصاريف 3 أيام لعزاء الرجال، و11 يوماً لعزاء النساء، وإقامة بعض الأقارب القادمين من مناطق أخرى خلال الأيام الثلاثة الأولى.

في المقابل، تضطر الأسرة في المناطق الحضرية إلى دفع مبالغ أكبر تصل إجمالاً في المتوسط إلى 2700 دولار، مقابل المراسم المذكورة آنفاً. ويعادل المبلغ المذكور مرتبات جندي أو موظف بسيط لعام ونصف. إلا أن تطور السلوك المجتمعي أخيراً في مثل هذه المناسبة، أضاف تكاليف أخرى، حيث تستأجر الأسر قاعات كبيرة لعزاء الرجال لثلاثة أيام مع توزيع المياه المعدنية وأجرة منشد الموشح الديني بحوالي 1400 دولار، بينما تكلف جلسات العزاء النسائية ما يعادل 600 دولار فقط.

وفي تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، يقدّر المختص الاقتصادي في مشاريع مكافحة الفقر التابعة للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في اليمن فيليب كليرك، أن الخسائر التي يتكبدها الناتج المحلي الإجمالي في مناسبات الوفاة تبلغ نحو 1%، إلا أن الخسائر المالية والبشرية بالنسبة للأسرة الفقيرة تفقدها ما تبقى لها من إمكانيات للتكيّف والصمود في مواجهة الأزمات الحالية والمقبلة.

كل هذا، يوضح فيليب كليرك، يحصل في ظل وجود اقتصاد منهار، وخدمات حكومية منعدمة، ودعم إغاثي لا يزال يجد أمامه الكثير من الصعوبات الأمنية للوصول إلى المستحقين. ويضيف كليرك بأن إجمالي الكلفة المالية لمناسبات العزاء وما بعدها ذات أثر بالغ على الأسر الفقيرة.

آثار تنموية

وتولّد وفاة المعيل ضعفاً اقتصادياً وتنموياً طويل المدى، حيث يمكن أن ينقطع دخل الأسرة وتضطر الأم تبعاً لذلك للخروج إلى سوق العمل، بدون مهارات، وسط منافسة شديدة، من أجل أجر ضئيل، لينعكس عليها وعلى أولادها نفسياً وصحياً، نتيجة التعرّض للاستغلال في سوق العمل. ويؤثر الأمر على مستقبل أفراد الأسرة، التي من المرجح أن يعاني أطفالها من التسرّب من التعليم نحو سوق العمل، أو الزواج المبكر للفتيات الصغيرات، وهي خيارات تتكيّف مع الواقع الجديد، تُفرض على الأسر اليمنية من أجل البقاء، ولتوفير مصاريف دراستهم وسداد مستحقات سابقة على العائلة.

وقد ارتفعت الوفيات بسبب الحرب في مناطق القتال والقصف الجوي إلى 12500 وفاة، بمن فيهم المقاتلين، بحسب مكتب الأمم المتحدة والسلطات، غير أن هناك آلافاً أخرى من وفيات المرضى بسبب تعطل كافة المرافق الطبية الحكومية في نصف محافظات اليمن، بسبب تداعيات الحرب.

ويذكر تقرير لوزارة التخطيط والتعاون الدولي، أن الوفيات المرتفعة تقود إلى كلفة تنموية طويلة الأمد، تؤثر على مستوى تقديم الخدمات للمجتمع. وبسبب انعدام المساحات الفارغة، وسوء التخطيط داخل المدن، دفعت الأعداد المتزايدة للوفيات في الماضي والحاضر إلى زيادة أعداد المقابر التي حلّت محل مشاريع خصصت لبناء مستشفيات أو مدارس كان تمويل معظمها من منح خارجية.

زر الذهاب إلى الأعلى