فتح توقف نشاط أكبر مجموعة صناعية يمنية، الباب أمام انهيار القطاع الخاص اليمني الذي تكبد خسائر فادحة بسبب الحرب وغياب الدولة وتدمير الاقتصاد الرسمي، إذ تعددت تحذيرات المحللين والخبراء بشأن موجة إفلاس تضرب القطاع الخاص في اليمن؛ جراء الحرب الطاحنة التي تعيشها البلاد وسيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة.
ويقول مراقبون، إن الكثير من شركات ومؤسسات القطاع الخاص بدأت تصفي نشاطها إما ببيعها أو تأجيرها، نظرا للمضايقات التي تمارس ضدهم، بالإضافة إلى ظروف الحرب والحظر البحري والجوي الذي أدى إلى توقف الاستيراد.
ويرى رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، أن المضايقات التي تعرضت لها مجموعة شركات هائل سعيد انعم، وإعلانها وقف نشاطها، تفتح الباب أمام انهيار القطاع الخاص اليمني.
وقال نصر: "ما تبقى على دخول اقتصاد اليمن مرحلة الانهيار الكامل، هو استقرار سعر الصرف ودفع المرتبات، قبل أن يترنح بفعل سياسات غبية".
وأضاف، "الأخطر من هذا كله أن ينهار القطاع الخاص، فهذه الكارثة لن تكون قاصرة على رحيل رجال الأعمال إلى الخارج، بل بضياع رأس المال الحقيقي لصالح طبقة طفيلية تنشأ مستفيدة من فوضى الحروب وتراكم ثروة منتزعة من بطون ملايين الجوعى والمشردين".
وأوضح نصر أن القطاع الخاص في اليمن ظل متماسكا رغم هول الكارثة، وحاول الصمود إزاء استنزاف أسوأ عاصفة اقتصادية يشهدها اليمن.
وأشار إلى أن قطع العلاقات مع العالم، ووضع القيود أمام التحويلات المالية من وإلى اليمن، وصعوبة فتح الاعتمادات، شكل أولى خطوات الانزلاق نحو الخطر، وتلته سلسلة من التطورات كانت الحرب أبرز مظاهرها، لتنهك اقتصادا هشا في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه على أقل من دولارين في اليوم.
وقال: "كان القطاع الخاص أبرز المتضررين، ولعل آخر تلك الضربات الموجعة القرارات التي اتخذتها جماعة الحوثي للتضييق على سفر رجال الأعمال".
وأكد نصر أن المؤسسات الرسمية أصبحت ضحية مصالح ضيقة، بل وتتحول إلى نقطة عبور للمشتقات النفطية نحو السوق السوداء، فيما المصانع تغلق أبوابها والشركات تستجدي كميات الديزل".
وقررت سلطات الحوثيين، التي تسيطر على مؤسسات الدولة، تعويم المشتقات النفطية وفتح الباب أمام القطاع الخاص لاستيرادها، لكنها لاحقا عمدت إلى ابتزاز التجار المستوردين للوقود، ومنعت دخول الكميات المستوردة عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرتهم.
ويؤكد الخبير الاقتصادي ورئيس مصلحة الضرائب السابق، أحمد غالب، أن ثمة انهيارا ماليا بسبب توقف النشاط الاقتصادي في مجمله نتيجة الحرب، خاصة القطاعات الإنتاجية والخدمية، بسبب ندرة المدخلات.
وحذر من انهيار القطاع الخاص، نتيجة هجرة رأس المال ورجال الأعمال، وتدمير المصانع والبنى الأساسية، وجفاف المزارع، وتجميد نشاط الدولة، واقتصار وظيفة الموازنة على تمويل المجهود الحربي، في حين تستقر المرتبات الأساسية في حدودها الدنيا بدون نفقات التشغيل، بسبب شح الموارد.
وقال غالب، إن قرار المنع من السفر لمن تبقى من رجال المال والأعمال، وعدم السماح بأخذ أكثر من عشرة آلاف دولار، أثارا فزع هذه الفئة، وجعلاهم يبحثون عن وسائل ولو كانت أكثر كلفه لتحويل مواردهم إلى العملة الصعبة، وإخراجها أولا بأول، وهو ما فاقم الضغط على سوق العملات.
وأدت سيطرة المسلحين الحوثيين على العاصمة ومدن أخرى، إلى تفاقم أعباء الاقتصاد اليمني الهش، نتيجة الركود وتوقف النشاط الاقتصادي، وانخفاض التدفقات النقدية من المساعدات الخارجية.
كما أدى الصراع المسلح في مختلف أنحاء اليمن إلى إغلاق عشرات الشركات والمنشآت التابعة للقطاع الخاص، وهذا بدوره أدى إلى تسريح ملايين العمال وخفض رواتب من تبقّى منهم.
وأوضحت الغرفة التجارية في العاصمة صنعاء، أن القطاع الخاص تكبد خسائر فادحة بسبب الحرب، واضطر إلى تسريح 80 % من العمال والموظفين.
ويؤكد المحلل الاقتصادي اليمني، نجيب غلاب، أن لدى حركة الحوثي مخططا سيؤدي إلى انهيار المؤسسات الاقتصادية الرسمية، وتدمير القطاع الخاص، عبر عملية إنهاك مستمرة للاقتصاد المنظم بالقانون، وفي المقابل تأسيس سوق موازية قوية ومتماسكة ومنظمة لا يحكمها أي قانون رسمي وتديره أذرع المليشيات.
وقال غلاب لـ"العربي الجديد، إن أهم أهداف الحوثيين تدمير قطاع الأعمال العريق وتنمية فئة جديدة من رجال المال والأعمال تابعين للحركة.
وأضاف: "تعمل الحركة الحوثية على التدمير الممنهج لرجال المال والأعمال والصغار التجار، وإضعاف كل قوة اقتصادية لصالح السوق السوداء، واستنزاف الاقتصاد الوطني والتنمية بكافة جوانبها، ومحاصرة التعليم والتنوير، والاستناد على وعي غرائزي متخلف في إدارة الصراع، وبث الرعب والخوف، وتدمير النفسية اليمنية، وتزييف العقول والتلاعب بالعقول، عبر أعمال مخطط لها".
وفي خطوة قال إنها تهدف إلى تعزيز مكانة العملة الوطنية، أصدر البنك المركزي اليمني، مساء أول من أمس الأحد، قرارا بحظر التعامل بالعملات الأجنبية في المعاملات التجارية والخدمية الداخلية.
ونص قرار البنك على أن "جميع المعاملات التجارية من بيع أو شراء للسلع والخدمات، وكل معاملة أو عقد أو صفقة أو أي شيء أخر له صلة بالنقود يكون بالعملة الوطنية، الريال اليمني"، واستثنى القرار المعاملات والالتزامات الناشئة عن اتفاقيات دولية.
وذكر القرار الرسوم الدراسية والإيجارات والتعاقدات وخدمات الاتصالات كأمثلة للمعاملات الخدمية التي يحظر فيها استخدام العملات الأجنبية.
وأوضح محافظ البنك اليمني محمد بن همام، أن القرار يهدف إلى تعزيز المكانة السيادية للعملة الوطنية كوسيلة للدخول في المعاملات التجارية والخدمية الداخلية، وتحقيق استقرار أسعار السلع والخدمات.
كما يهدف القرار إلى توفير السيولة المناسبة الملائمة على نحو سليم، لإيجاد نظام مالي مستقر، بحسب محافظ البنك.
وأشار إلى أن القرار يهدف أيضا إلى تحقيق الاستقرار في سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وبما يصب في صالح تعزيز القوة الشرائية للريال.
وحدد البنك المركزي اليمني سعر الريال اليمني مقابل الدولار الأميركي عند 214.78 ريالا للشراء و214.91 للبيع.
وترفض المحلات التجارية في العاصمة صنعاء التعامل بالسعر الرسمي المحدد من البنك المركزي.
وفي مراكز التسوق ومحلات الملابس والعطورات التي حددت السعر بالدولار، يتم احتساب الدولار الواحد بسعر 250 ريال يمنيا.