منذ أن نشأت العلاقة الأخوية بين اليماني والسعودي، وهي علاقة سابقة على قيام المملكة والجمهورية في الدولتين، كان التاريخ "جغرافية متحركة" بين البلدين والشعبين، ولم تكن الجغرافية "تاريخاً ساكناً" على هذا الصعيد .. وما بين الأقواس تحوير على ذهنية المفكر الكبير جمال حمدان، رحمة الله تغشاه.
تأسيساً على ذلك، بل وقياساً عليه، يمكننا الاعتقاد بأن الإقليم الجنوبي والمقصود جنوب الجزيرة العربية هو وحدة تاريخية وجغرافية وإنسانية واحدة، وقد أكدت على هذه الحقيقة دراسات جيوفيزيائية من جهة، وانثروبولوجية من جهة أخرى، وسوسيولوجية من جهة ثالثة، ناهيك عن الدراسات التي لا تحتاج كأدلة أو كقرائن لكل أدوات العلم وقنوات التقنية، منذ زمن البداوة في شمال المنطقة ووسطها، والري في جنوبها وشرقها.
وقد تضاربت المصالح السياسية والاقتصادية، بل بلغت حدود "الاستراتيجية" في بعض الحالات، بين البلدين "فقط" وليس الشعبين .. غير أن الخلافات التي نشأت عن هذا التضارب، لم تكن يوماً سببا ً في تأسيس جدار عزلة بين البلدين والشعبين بأي حال من الأحوال، بل كان الشعبان والبلدان ينهضان في كل مرة من تحت رماد الخلاف، باتجاه صنع سماد النماء، على صعيد علاقات أكثر نمواً وتطوراً ورقيَّاً بين صنعاء والرياض سياسياً، وبينهما اجتماعياً واقتصادياً.
لقد تعددت الخلافات التي كادت من فرط حدَّتها احياناً أن تؤول إلى احترابات بين المملكة والجمهورية.. غير أن الدم الواحد كان يهتف في اللحظة الأخيرة، وبالتالي كان الشقيقان يلتقيان على خط تماس متعدد الألوان، يكون أحمر حيناً، وأخضر أحياناً، أو أصفر في غالب الأحيان والأحوال، لكن جميع ألوان الطيف هذه كانت تلتقي دائماً وأبدا ً على قاعدة علمية أرساها إسحاق نيوتن، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن جميع ألوان الطيف السبعة، إذا امتزجت، فإنها تنتج لوناً واحدا ًموحداً وهو الأبيض.
وهذا ما التقت عليه السعودية واليمن في كل المنعطفات التي ألقت بأم قشعمهما معاً. سواء على صعيد السياسة أو الاقتصاد أوالاجتماع، وباتت – بالتالي – تؤسس لعلاقة متميزة وراسخة بين شعبين يورق الدم في وريدهما وحدةً عضوية، ويأرق الهم في وعيهما قضية مصيرية، ويتداعى العضو في أحدهما بالسهر والحمى إذا اشتكى عضو في بدن الآخر.
ولهذا، حين دهمت فتنة "المتسللين "بلاد اليمن، لم تسلم السعودية من شرّها، كمنطق جدلي. فالجسم مشترك كما أسلفنا، وبالتالي يكون الضرر مشتركاً بالضرورة .. فإذا أقدم المتسللون على قتل مواطن أو جندي سعودي على خط التماس الحدودي، فكأنه قتل مواطناً أو جندياً يمنياً بالطبع.
إذ أن هذه الفتنة بالذات حين اندلعت،إنما كانت موجهة صوب الجسم الواحد والوعي الواحد، باعتبار أن اليمن والسعودية مشتركان في فصيلة الدم نفسها، على سياق الفكر أم على نسق المصير. فالطعنة في اليمن إنما هي طعنة في السعودية .. شئنا ذلك أم أبينا.. فلك الله يا يمن .. ويا سعودية.
رئيس تحرير صحيفة " الوحدة " صنعاء