آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

مضايقة ركاب عشر دول إسلامية

عادت السلطات الأميركية إلى الوراء خطوات في معالجتها مشكلة الإرهاب بعد ثماني سنوات من التجارب المختلفة أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر. رجعت إلى تصنيف الركاب، والدول، والملاحقات غير المجدية..

وكل ذلك بسبب راكب واحد نجح في الوصول إلى السماء الأميركية محملا بقنبلة سائلة، لحسن الحظ فشل في تفجيرها. مضايقة ملايين الناس بسبب إرهابي واحد فقط!

والتشدد في الإجراءات في الحقيقة سببه اتهام الأجهزة الأمنية بالفشل في درء الخطر في رحلة يوم الكريسماس من هولندا. هذه الاتهامات جعلت الأمن يبالغ في إجراءاته حتى لا يتهم بالتقصير، مع أننا نعرف أنه لا يمكن منع كل العمليات الإرهابية مهما بلغت قدرات التفتيش من تطور ودقة وصرامة. وما محاولة واحدة في سبع سنوات، إذا أضفنا إلى الأخيرة حادثة الرجل الذي حاول إشعال حذائه في الطائرة وفشل، إلا دليل على النجاح في محاربة الإرهاب وليس العكس.

لا أعتقد أنه يستحيل على إرهابي واحد التسلل وسط ملايين الركاب محملا بقنبلة سائلة كما فعل عمر عبد المطلب، النيجيري الذي وصل إلى سماء ديترويت. ومهما نفذت سلطات الأمن في المطارات من احتياطات سيكون ممكنا لواحد مثله اختراق كل هذه الحواجز وارتكاب جريمته لو توفرت للجهات المدبرة الوسائل، أي المواد المتفجرة وكذلك الانتحاري المؤهل لدخول البلد قانونيا. والتضييق على مواطني الدول التي يمكن أن يأتي منها الإرهابيون لا معنى له أبدا. فالإرهابي صعد الطائرة من مطار هولندي، وبتأشيرة متعددة الدخول إلى الولايات المتحدة، ولم يخرج من مطار في اليمن ولم يحمل جوازا مزورا.

وكون الإرهابي نيجيريا لا يعني أن تنظيم القاعدة عاجز عن استخدام جنسيات أقل إثارة للشكوك. وعندما تضيق السلطات الأمنية على مواطني عشر جنسيات إسلامية اليوم تكون قد تركت أربعين جنسية إسلامية أخرى يحتمل بينها إرهابي جاهز للتفجير.

ولو ضمت الأربعين دولة الأخرى إلى الجنسيات المشبوهة، ستسعى «القاعدة» إلى استخدام راكب صيني أو ألماني أبيض يكون من جنودها المخفيين. وحتى لو قرر مفتشو المطارات مضايقة كل جنسيات العالم، وفتشوا ثياب الركاب بدقة، فهناك احتمال أن تزرع المتفجرة السائلة في داخل جسم الإرهابي لا ثيابه، مما يجعل من المستحيل اكتشافها عند التفتيش باليد.

الذي أعنيه أنها لعبة القط والفأر لا يمكن حلها فقط من خلال استهداف ملايين الناس بالملاحقة على أمل منع فرد واحد في سبع سنوات من ارتكاب جريمة، والأرجح أنه يمكن أن تقع وفق نظرية الاحتمالات. القضاء على آيديولوجيا «القاعدة» والقضاء على «القاعدة» نفسها هما الحل الأهم.

والمبالغ الهائلة التي ستبذل في سبيل تحويل المطارات إلى قلاع عسكرية من أجل منع راكب واحد آخر، من الأجدى أن تنفق مثلها على محاربة الفكر الإرهابي والمتطرف عموما. ولدينا تجربة نجحت بشكل لا بأس به في السنوات القليلة الماضية، وغيرت معادلة المعركة، عندما انخرط العرب والمسلمون في مقاتلة «القاعدة»، لا الأميركيون والأوروبيون وحدهم.

الذي لا يفهمه كثيرون أن معظم الحرب الموجهة ضد «القاعدة» اليوم تنفذ من قبل عرب ومسلمين لا من أميركيين أو بريطانيين، ترونها في المغرب والجزائر ومصر والسعودية والأردن ولبنان والعراق وباكستان وإندونيسيا. هذه الاستراتيجية هي التي حاصرت الإرهابيين وليست قيود المطارات أو مضايقة المسلمين.

وهناك مئات العمليات الإرهابية الخطيرة أجهضت استباقيا، قبل أن يصعد الإرهابيون إلى الطائرات أو يصلوا إلى أنفاق القطارات أو يستهدفوا قادة كبارا. لم تقع بفضل المطاردة المستمرة لخلايا الإرهابيين والحصول على المعلومات عنها قبل أن تتحول إلى عمليات. ولهذا السبب يحتاج الأميركيون إلى دعم العرب والمسلمين في الحرب على الإرهاب أكثر مما يستفيدون من مضايقتهم والإشارة بإصبع الاتهام إليهم.

زر الذهاب إلى الأعلى