حدة التعامل مع بعض القضايا ذات البعد الثقافي الخاص ينجم عنها أحياناً مآسي ولادة للحروب، فتعكس صورة عدم استيعاب الآخر، والتعصب والتعامل العنيف. ولا غرو في انعكاس هذا العنف على الخطاب الإعلامي والثقافي, فيبدو للملأ ألا ثقافة وطنية جامعة لمختلف الأطياف.
وهي حالة –كما يتراءى للبعض- عاكسة لخفوت التأثير الثقافي لمؤسسات الدولة في اليمن مما استفز القوى المناهضة لرسالة الرقي والتقدم والتطور لكي تعيث وسط الفراغ الفكري مستغلة أيضاً العناء الاقتصادي، وفي كل الأحوال يتساءل متسائل أين مؤسسات الدولة، وما هو دورها إزاء هذه التحديات؟
يطرح البعض أن المؤسسات الثقافية للدولة غائبة ومغيبة وعاجزة عن النهوض بدورها الحيوي والأساسي في سد الفراغ الفكري وصد آثاره السلبية. إلا أن خطة التنمية الثقافية التي أعدتها وزارة الثقافة منذ زمن قطعت لسان كل مدع بالعجز عن أداء رسالتها الإنسانية. بيد أن مهمة كهذه إذا لم تُعبأ بمحتوى فكري يعكس ثقافة وطنية جامعة فلن تفلح أبداً.
ليس المغزى من نشوء مراكز تنمية ثقافية الاقتصار على الهدف النبيل والمهم: تشغيل عاطلين+ بناء هياكل حاوية للعاملين ومكاتبهم وأدواتهم. قدر ما يجب شمولها وتركيزها على ملء الفراغ الثقافي للعاطلين المتحولين إلى عاملين ليباشروا دورهم في تنوير المجتمع أو توسيع أبواب التنوير له من مشارب فكرية متنوعة غير مقتصرة على جانب أو مذهب أو لون واحد وإقصاء باقي الألوان والأطياف.
المطلوب كما يرى بعض الباحثين المثقفين في ندوة "الثقافة اليمنية الواقع وآفاق المستقبل": ثقافة وطنية جامعة للثقافات الفرعية في مجتمعنا بدون قصد إذابتها بل لنكون منها نمطاً عاماً تتفق في إطاره الثقافات المتنوعة حول العموميات وأهداف المجتمع، أو ما يجوز تسميتها "ثوابت وطنية".
وأن تمضي الثقافة الوطنية والمثقفون الوطنيون إلى تعزيز وحدة المجتمع مع احترام تنوعه من خلال التكامل بين تلك الثقافات المتفقة على رقي وتقدم وتطور الوطن ونهضته وإن تباينت الأساليب السلمية فيما بينهم.
وتجعل الثقافة الوطنية من مهامها الأساسية: إلغاء حالة الأحادية، والتعصب والعنف بإحلال ثقافة الحوار بعد الإقرار بأحقية كافة الأطراف في التعايش السلمي والاعتراف بوجود وكيان الآخر ومراعاة ماضيه وتاريخه والعناية بتراثه كما مراعاة وتلبية حاجياته ومتطلباته الحاضرة.
بذلك تكون سمة الثقافة الوطنية، ثقافة الجمهورية والوحدة الوطنية.
جمهورية كل الشعب.. كل المواطنين.
وحدة وطنية بين مختلف فئات الشعب المتعدد الميول والاتجاهات والثقافات والمذاهب. وتوحيد رؤاهم إزاء المسائل الوطنية: البناء والسلام. بإعادة الثقة بين مكونات الدولة وأن لكل اليمن رئيساً وبرلماناً ونظاماً واحداً يستوعب كل اليمنيين لا يميز بين مذهب هذا وعرق ذاك، أو لون تلك وصنف هذي.
والتوكيد على أن الحكم الجمهوري ديمقراطي لكل الشعب، تكون بإرث نضالي شعبي من مختلف المحافظات لمواجهة مختلف الخصوم.
بين مهام الثقافة الوطنية الوصل بين الشباب وتوعيتهم بماضي شعبهم إنما دون إغراقهم في إحن الماضي وصراعاته وأزماته أو يعزلهم عن مهامهم الأساسية في حياكة شمس مستقبلهم ومستقبل أمتهم ووطنهم.
إقامة الصلة بين الشباب والتذكير بإيجابية اليمن في التاريخ القديم والحديث والمعاصر تهب دفعة طموح إلى المشاركة الفاعلة في بناء يمن جديد ومستقبل أفضل يسد الفجوة بين شبابنا داخل بعض المحافظات والعصر.
كما من المهام مواكبة الجديد، والانفتاح على الآخر في الجوار القريب والمحيط البعيد والاندماج دون ذوبان معهم.
إنها مهمة فكرية في الأساس في صلب التنمية الثقافية لا تميل إلى دعاية جوفاء أو إشهار للقائمين عليها إنما نقل المحتوى الشامل لأهداف الثقافة الوطنية، وهو ردم الهوة السحيقة بيننا وبين المستقبل، وإعادة وصل ما انقطع من مهام ينبغي أداؤها سداً للفراغ الفكري القاتل الذي عاث فيه أنصار ثقافة التخلف والانفصال. وإحياءً لثقافة الجمهورية والوحدة.