المصالحات العربية تشبه زواج المتعة، أي أن الطلاق يتم في أي لحظة متجاوزاً الأعراف التي تجعل الزواج رابطاً شرعياً بعقود تتماشى وطبيعة الحياة، ولعل هناك من يتذكّر كيف تتم الاتفاقات على وقف الحملات الصحفية،
أو دس المتآمرين عندما تنعقد القمم، أو اتصالات الزعماء ببعضهم، وغالباً ما تتبخر الالتزامات لضدها، ليعود النقض وانفجار المواقف على كل الجبهات..
لدينا قوائم كثيرة من المصالحات والاتفاقات ؛ فالفلسطينيون، والعراقيون والأفغان أعطوا وعوداً بإنهاء الخلافات وعودة الحياة الطبيعية، لكنها لم تصمد أمام واقع متكرر، أي أن الاجتماعات التي تمت كان في بنيتها يسود عقد مضاد، وهنا صار الاستثناء أن تتم المصالحات بروح الثقة والصدق..
في الدوحة وقّع خصمان جديدان هما الرئيس السوداني، وزعيم حركة العدل والمساواة بحضور سمو أمير قطر، والرئيس التشادي لإنهاء الحرب في دارفور، وبقيت قيادات أخرى لم يشملها الاتفاق لأسباب تبررها، وهنا لابد من إدراك أن المأساة كبيرة، وأن هذه النهاية طبيعية إذا ماعلمنا أن كل الحروب الأهلية وغيرها، تنتهي بسلام ويبقى المهزوم طرفاً في أي تسويات تنشأ عن ذلك حتى مع حالة انكساره..
في حالة السودان لم يكن البديل أفضل من تلاقي الفرقاء وإنهاء النزاع، لأن الكل غرق في الحرب وتكاليفها ومنتجاتها التي جعلت الخارج موجوداً في صلب الحرب، والدليل أن الرغبة في حسم القضية لا تزال ترقد على ألغام قادمة، ومع أن الحكومة مقبلة على انتخابات وربما انفصال الجنوب، وأن المحرك الداخلي، لا يقل تأثيراً عن المحرك الخارجي، فالرئيس السوداني يريد الخروج من الأزمات حتى لا يعطي فرصة الدخول لمنافسيه من نفس الباب على الترشيح للرئاسة، وهي اللعبة الطويلة في الانتخابات العربية والتي غالباً ما تكون لصالح الحكومة القائمة..
دارفور لا تحتاج المزيد من الدماء والتهجير والاتكاء على قوى خارجية تدعم أطراف الحرب، وإنما تحتاج العودة للأرض والبناء، وتأكيد المواطنة للجميع بدون فصل بمن عاشوا طبيعة سلمية طيلة قرون طويلة ، ولعل قضية البناء في مناخ سلمي، ستكون التحدي الأكبر للجميع..
في اليمن اتفاق آخر بين الحكومة والحوثيين، ومع أن أزمة الثقة تظل قائمة إلا أن الحوثيين كان رهانهم خاطئاً عندما دخلوا معارك لم يقدروا نتائجها، وقبولهم بالهدنة ثم بشروط الدولة اليمنية لم يأت طوعياً لصيانة رقاب من كانوا على درب الموت كضحايا بدون أسباب وجيهة، ولكنه ضغط الهزيمة، ومع أن النتيجة تأتي وفرضيات إنهاء مصادر الخلاف والعودة إلى الحياة الطبيعية أمر قررته نتائج الحرب، فإن التعاون على فتح النوافذ من جديد والقبول بمشاركة في الحكم وإعادة بناء ما تهدم يأتي لخدمة كل اليمنيين..
أما أن تعود الدائرة الجهنمية من جديد، فإن الخاسر سيكون اليمن كله بطوائفه وقبائله وكل نسيجه الاجتماعي، وتبقى عقدة نقض المواثيق مشكلة عربية، وإننا نأمل أن تكون السودان واليمن هما من يكسر هذه القاعدة وتثبتان الاتفاق من أجل السلام الوطني والأمن العام..