للأسف فقد أصبح موضوع (الحوار) وسيلة للمزايدة السياسية بين أطراف العمل السياسي تجاه بعضهم البعض، ولم يعد أحد يجرؤ على التعاطي مع فكرة الحوار المطروح على الساحة بشكل محايد،
لأنك إن قلت إن هذا الحوار لم يعد مجدياً لإخراج اليمن من مشكلاته الحالية ستجد من يجلدك بسياط النقد والتجريح باعتبارك عدواً للحوار، وإن قلت إنه لا حل لهذا البلد إلا بالحوار فستجد من يجلدك بنوع آخر من السياط...
ففي حين يرى البعض أن الحوار اليوم هو المنقذ للبلاد والعباد فإنه يمكن أن يصبح بعد أيام فقط وبكل بساطة متاهة ومضيعة للوقت وارتهان للابتزاز السياسي بين الأطراف المعنية!
دعونا نقول بصراحة وصدق.. هذا البلد يحتاج أولاً وثانياً وثالثاً إلى استعادة هيبة الدولة وسيادة القانون وإنهاء كل مظاهر الفوضى التي أثرت سلبا على الأوضاع العامة، وجعلتنا مشغولين بالسياسة والاتهامات ليل نهار، وكأننا البلد الوحيد في المنطقة الذي لديه معارضة ولديه فساد، ولديه أوضاع اقتصادية صعبة وفقر وبطالة...
إقرأوا صحف المعارضة والصحف المستقلة في جميع دول المنطقة التي لديها حرية صحافة وستجدوا ما يشيب من هوله الولدان، وستجدوا مآسٍ ومشكلات وفقر وتخلف مثل ما هو عندنا وأكثر، إلا أن حكومات هذه البلدان لا تشغل نفسها بالمعارضة ليل نهار كما هو حالنا بل تشغل نفسها بتوفير أفضل الأجواء لاستقطاب الاستثمارات، ومعالجة كل ما يعيق الاستثمار من اختلالات وفساد..
كما أن حكومات هذه البلدان لا تضيع وقتها في الحوارات السياسية بل تشغل نفسها بالحد من كل ما يمكن أن يؤثر على هيبة الدولة أو يخيف الاستثمار أو يؤثر على الخدمات العامة المنوطة بالدولة... أحزاب المعارضة في تلك البلدان تقول ما تشاء في صحفها لكن حكوماتها تظل مشغولة بواجباتها الدستورية وتقصي أسباب الفساد ومعالجتها خاصة ذلك النوع من الفساد الذي يحول دون إنجاز المشروعات الكبرى المتعلقة بالبنية التحتية أو المرتبطة بجلب الاستثمارات، والضرب بيد من حديد على كل ما من شأنه أن يؤثر على هيبة الدولة!
لقد قلنا وسنظل نقول إن الأمور اتضحت في الآونة الأخيرة بما لا يدع مجالا للشك في فهمها... فالمعارضة تريد إنهاك النظام وإرهاقه بكل السبل، وهي تريد أن تصل إلى تعطيل كل شيء في البلاد بحيث لا يمضي أمر ولا ينفذ قرار إلا بموافقتها ورضاها مع استمرارها في المعارضة في الوقت ذاته...
فالحوار الذي كانت وستظل تريده هو ذلك الحوار الذي يتحول في لحظة من اللحظات إلى مؤسسة تحكم جميع مؤسسات الدولة، بدليل أنها تقول اليوم أن اتفاق فبراير أصبح مصدر شرعية المؤسسات القائمة بمعنى أنه أصبح يحكم حتى الدستور والقوانين النافذة حتى لو لم تصرح بذلك، وهي تستثمر في سبيل تحقيق أهدافها كل الأخطاء التي يقع فيها الحزب الحاكم وحكومته، وتعمل على إضعاف هيبة الدولة بكل الصور!
لذلك كله جاء حديث الرئيس علي عبدالله صالح عن اتفاق فبراير قبل ثلاثة أيام صادقاً كل الصدق في اعتباره خطأ، لأن الناس يتساءلون اليوم وهم يتشككون هل ستجري الانتخابات في موعدها المحدد العام القادم؟ وبغض النظر عن جدوى هذه الانتخابات وحجم التغيير إلى الأفضل الذي ستصنعه فإنها حق دستوري يجب أن يجري في موعده للحفاظ على المشروعية الدستورية، وعدم إدخال البلاد في أزمة الشرعية التي هي في غنى عنها بكل تأكيد..
وخلال الشهور الثلاثة عشر القادمة يجب أن تكون المهمة الأولى للحكم هي استعادة هيبة الدولة، وهيبة النظام والقانون كما جاء في الأولوية الثامنة التي وجه الرئيس الحكومة بتنفيذها ضمن الأولويات العشر، وفي ظني أن تجسيد هذه الأولوية رغم ترتيبها الثامن سيمهد الطريق لتنفيذ باقي الأولويات بسلاسة ويسر وسهولة، فالدول والأنظمة والحكومات هي (هيبة) أولاً وأخيراً، وهذه الهيبة لا تُفرض بالقوة والقمع، ونشر القوات في كل مكان كما قد يتصور البعض بل بفرض سيادة القانون واحترام النظام وتعزيز الأمن والاستقرار وإنهاء مظاهر الفوضى، وهذا كله هو ما يحتاجه المواطن، ويبحث عنه ويفتقد إليه...
فإن نجحت الدولة في ذلك وهي قادرة بكل تأكيد سنجد المعارضة وقد جاءت للحوار بكل احترام لأنها هي نفسها في أشد الحاجة للإحساس بهيبة الدولة وسيادة القانون والتغلب على مظاهر الفوضى، ولأن الحوار إن جرى اليوم لن يزيد عن أن يكون حوار طرشان وكسباً للوقت والرهان على المزيد من الإرباك والإرهاق للحكم، ذلك أن الحوار نفسه يحتاج لأن يجري في أجواء صحية بعيدة عن التوتر وشد الأعصاب والاختلالات الكبيرة في بنية النظام السياسي الذي تشكل المعارضة نفسها وجهه الآخر.