كان فجر يوم الثلاثاء الموافق للثالث من شهر مارس من العام المنصرم ، كان آخر عهد للأستاذ الراحل عمر عوض بامطرف بالدار الفانية ، فلقد أسلم الروح إلى بارئها عن عمر ناهز الواحد والثمانين عاما، وفي عصر ذلك اليوم ووري جسده الطاهر الثرى ، ولكن ذكراه العطرة ستظل تحيا بيننا بنسائمها الزكية.
والراحل طيب الله ثراه من مواليد عدن في الثالت عشر من شهر أغسطس من عام 1928م ، عاش فيها ونمى وترعرع ، درج في حواريها وأزقتها ، ودرس في مدارسها ، ثم صار بعد ذلك مدرسا فيها . تنقل في وظائف عدة ، كان آخرها عمله كبيرا للمحاسبين في مصفاة عدن قبل إحالته للمعاش في العام الأول من العقد الأخير من القرن الفائت.
وكانت له ، رحمه الله إهتمامات أدبية ومسرحية ، فلقد نشر عددا من القصص القصيرة في عدد من الصحف العدنية التي كانت تصدر إبان الإستعمار البريطاني ، ومنها صحيفة الذكرى ، كما نشر في مجلة أخبار المصافي ، وهي المجلة التي حدثتكم عنها في مقال سابق ، والتي كانت إدارة العلاقات العامة وبإشراف الأستاذ الراحل حامد لقمان في فترة طويلة من عمرها ، تقوم بإصدارها.
وفي الجانب المسرحي قام بتأليف عدد من المسرحيات الإجتماعية الهادفة وأشرف على إخراج عدد من المسرحيات بمعية فرقة المصافي التمثيلية ، ليس هذا فحسب بل كان الراحل محاضرا في السبعينيات من القرن الفائت في قسم المسرح في معهد الفنون الجميلة، كما وقدم عددا من البرامج الإذاعية . لم يمنعه إنشغاله بالعمل الوظيفي من أن يكرس قدرا غير قليل من وقته وجهده للمسرح الذي كان _ رحمه الله _ يعشقه حتى الثمالة ، ويرى فيه سبيلا من سبل التوعية والتثقيف، وكان قد جمع محاضراته في إضبارة إستولى عليها أحدهم ، وقام بطباعتها في كتاب ، حاملا إسمه لا إسم صاحبها الحقيقي، مما أثار حفيظة أستاذنا الراحل، وأنبرى لذلك الدعي وشكاه إلى وزير الثقافة حينها عبدالفتاح إسماعيل ، لكن صدور الكتاب أوقع وزارة الثقافة ووزيرها في حرج فما كان من حل سوى إقناع الأستاذ عمر عوض بامطرف بالقبول بالأمر الواقع ، وقد حكى لي هو نفسه رحمه الله هذه الحكاية وأخبرني بإسم الكتاب والكاتب ، لكنني لم أستأذنه بالكشف عنهما ، ولو أنني فعلت فما كان ليأذن لي بذلك كما أظن ، فما أخبرني بالقصة للتشهير به ، ولكنه كان حديثا ذا شجون جمعني به في واحدة من المرات القلائل التي جمعتني بهذا الشيخ الوقور ، والذي كان يراسلني ويحلو له أن يطلق علي صفة صديقي ، على الرغم من فارق السن الكبير الذي يفصل بيننا ، إلا أنه كان يرى ، ورأيه حق أنه في الأدب والثقافة ، فإن الجامع بين إثنين لايمت للسن بصلة.
نشرت له هذه الصفحة بصحيفة " 14 أكتوبر"، أيام أن كان يشرف عليها الأديب والشاعر جلال أحمد سعيد مقالات عن تاريخ المسرح في 220 حلقة ، وكانت موسومة ب"رحلتي مع المسرح ... من أثينا إلى عدن"، وفي أحد لقاءاتي معه رجوته أن يجمع هذه الحلقات وينشرها في كتاب .. مخافة أن يستولي عليها أحدهم ويدعي أنها له ، فالمؤمن لايلدغ من جحر مرتين ، فأخبرني حينها أن الصديق الشاعر عبدالله باكداده مدير عام الثقافة في عدن ، قد اقترح عليه أن تقوم إدارة الثقافة بنشرها مجتمعة في كتاب ، وقد استحسن أستاذنا هذا الإقتراح وشكر عليه الشاعر باكداده ، لاسيما وأن الدولة لم تتكفل بطباعة أي كتاب له من قبل، والمسرحية الوحيدة التي أصدرها بعنوان جسر البطولات كان إصدارها على نفقته الخاصة.
ولقد مر عام منذ رحيله وما أدري هل تسلم مكتب الثقافة في عدن مخطوطات الكتاب ونامت في درج أحدهم ، أم أنها لما تزل نائمة في ثنايا مكتبته ولما يسلمها أولاده لمكتب الثقافة ، فإن كان الأول فهذه دعوة للإسراع بطباعة الكتاب لما له من أهمية في تأريخ الحياة المسرحية في العالم عموما ، وفي عدن واليمن بشكل خاص، وإن كانت الثانية، فهي دعوة لبنيه للإسراع بتسليم المخطوطات لمكتب الثقافة ممثلة بالشاعر والأديب عبدالله باكداده، فلعل صدور الكتاب يكون بادرة منا تظهر عرفانا وإجلالا لشيخ المسرحيين الوقور ، الراحل عن دنيانا جسدا ، الباقي فينا روحا وعطاء الأستاذ عمر عوض بامطرف.