استقالة زعيم المعارضة في تركيا عقب فضيحة جنسية بعد أيام من عرض شريط مصور على الإنترنت يظهره في جلسة حميمة فاضحة مع إحدى أعضاء الحزب من نواب البرلمان يعيد مرة أخرى تداخل الشخصي والعام في حياة السياسيين ومدى وجاهة الفصل بينهما في ساحة تعج بالمتربصين والأعداء.
لم يتردد دنيز بايكل في اتهام الحكومة بأنها هي من دبرت هذه 'المؤامرة غير القانونية وغير الأخلاقية' ضده وهو من وقف ضدها بقوة في قضية الإصلاحات الدستورية، فيما لم يستبعد آخرون وجود أصابع خفية داخل تنظيمه،حزب الشعب الجمهوري، حيث أشارت بعض استطلاعات الرأي إلى أن هذا الحزب، الذي أسسه كمال أتاتورك ويضم النخبة العلمانية في البلاد من قضاة وقادة جيش وكبار موظفي الدولة، سيحقق نتائج أفضل إن هو اختار زعيما آخر غير بايكل الذي يتزعمه منذ 1992.
وسواء كانت الحكومة هي من يقف وراء الفضيحة، تدبيرا أو تغاضيا، أو أنها الصراعات الحزبية الداخلية، فإن الأكيد أن أي سياسي حصيف، في السلطة أو المعارضة، يجب أن يكون منتبها إلى هذا السلاح الفتاك الذي يمكن أن يشهر في وجهه أو يرديه صريعا سياسيا في أي لحظة. وفي بلدان لا تتورع عن استخدام هذا السلاح أو لا تمانع كثيرا في اللجوء إليه الكل مهدد بلا استثناء: من هو في السلطة وخطر على باله يوما أن ينشق عنها أو يستقوى عليها بأطراف أخرى، من هو في السلطة كذلك لكن طموحه وسوس له أن يفكر أو يسعى إلى منصب أرفع كثيرون هم المتكالبون عليه، من هو في المعارضة وتجاوز في نشاطه أو احتجاجاته سقف التسامح الأقصى المسموح، من هو في المعارضة وتوهم أنه على قاب قوسين أو أدنى من تسلم زمام الأمور في البلاد بالطرق الشرعية أو بغيرها.
بإمكان دنيز بايكل أن يتهم الحكومة بما يشاء لكنه لم يستطع أن يتطرق لصحة الشريط الذي جمعه بنائبة برلمانية عن العاصمة أنقرة أو أن يعترف صراحة بأنه أخطأ بإقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج ومع امرأة متزوجة، أو أن يعتذر لزوجته ولم لا لعائلة رفيقته في الحزب والبرلمان وقد دفعت معه ثمن تصفية حسابات لا ترحم. وهو في كل ذلك لم يلح على شيء إلحاحه على أن 'الذين يقفون وراء هذه المؤامرة فعلوا ذلك لأسباب سياسية' وأنها مؤامرة ' لا تستهدف شخصا واحدا، بل نضال حزب الشعب الجمهوري من اجل الدفاع عن الجمهورية والديمقراطية ودولة القانون'.
وطالما أن الرجل، وقد تجاوز السبعين وله في السياسة باع، يدرك مدى وحشية غابة السياسة، حتى في بلد توصف فيه حكومته الحالية بالميول الإسلامية، فلماذا لم يكن حريصا على استقامته الشخصية والنأي بنفسه عن مواطن الشبهات؟ ليس مطلوبا من الساسة أن يكونوا قديسين أو أنبياء ولكن عليهم وقد اختاروا دخول معترك الشأن العام أن ينتبهوا لكل كبيرة وصغيرة، ليس في العلاقة بالنساء والغراميات غير المشروعة فقط ولكن أيضا بكل ما له علاقة بالمال وفساده المتعدد الأوجه من صفقات مشبوهة أو عمولات أو رشوة واستغلال نفوذ، فهذه أمور أطاحت في إسرائيل مثلا برؤوس حكومات ونافذين كثر.
المصريون لديهم مثل شعبي جميل يختصر القصة كلها: إمش عدل يحتار عدوك فيك!