لا تشعر حكومة المؤتمر الشعبي العام بأي مسؤولية تجاه ما يحدث في البلد.
لقد تعرض اليمن لأعتى الأزمات، أثناء أغلبية المؤتمر وتداول اسمه على أنه الحزب الحاكم، ويحاول النظام السياسي، أو يحاول الرئيس على وجه التحديد معالجة تلك الأزمات بمعزل عن أي حضور حزبي للمؤتمر، ولو من قبيل مراعاة البرتوكول السياسي لوضع الحزب الحاكم..
لقد تواطأ العقل السياسي اليمني كله على أن المؤتمر مجرد واجهة وأداة ضمن فكرة أن الجميع متفهم ما هو قائم أصلاً، دون أن يفكر أحد (من المعارضة مثلاً) أن يحاكم المؤتمر وفقاً لبرنامجه السياسي وليس وفقاً لمستوى علاقة المؤتمر الحقيقية بالرئيس.
هذا التواطؤ على فكرة أن المؤتمر مجرد أداة منح الحزب الحاكم حالة الاسترخاء التي يشعر بها الجميع.
كل مبعوثي الأزمات يخرجون من باب دار الرئاسة ولم يغادر أي منهم بوابة اللجنة الدائمة.
وحين يأتي دارسٌ ما بعد زمن من الآن ليبحث عن المسؤولية السياسية لأزمات اليمن ما بين 94م-2010م، لن يفكر في حقيقة العلاقة بين الرئيس والمؤتمر، أو بين الأخير والقدرة على الفعل السياسي، فهو سيتساءل عن السياسات التي اتبعها الحزب الحاكم إزاء كل أزمة.
ربما يذكر محلل خارجي فكرة الأداة تلك، لا على سبيل تفهّم استرخاء الحزب الحاكم ووجاهة عجزه عن الفعل بقدر ما سيضع فكرة الأداة تلك ضمن قائمة إخفاقات الحزب.
هل حدث أن قام النائب الإصلاحي عبدالرزاق الهجري مثلاً بالتواصل السياسي مع برنامج المؤتمر الشعبي العام، وبطريقة موضوعية يقوم فيها عبدالرزاق بإحصاء فقرات التزام المؤتمر بالاستقرار مثلاً..
يبقى التواصل كله ليس بين حزبين وطرفين (سلطة ومعارضة) بقدر ما هو بين مجموعات محسوبة على أمرٍ واقعٍ له أقوياؤه الذين يحددون مستوى العلاقة بين الأطراف، وليس بين سياسيي التعددية والديمقراطية.
على مدى ست دورات انتخابية لم يتعلم المؤتمر مراكمة قدراته كحزب حاكم، ولم تتخلق داخله حالة حزبية، ولم تتمكن التجربة الديمقراطية ذاتها من تنمية وجودها السياسي ومعاييرها بمنأى عن تحكم الأساليب التقليدية في التدافع السياسي، لذلك يتمتع المؤتمر بالحق فحسب في تمثيل الرئيس أثناء مفاوضات اللجنة العليا للانتخابات وتوزيع نسبها.
أما فيما عدا ذلك فلا يبدو أن المؤتمر معني حتى بسمعته البرتوكولية كحزب حاكم أثناء مواصلة الرئيس اتخاذ التدابير بشأن كل شيء ولو من قبيل احترام الأداة وحقها في أن تكون مجرد أداة لمعالجة أزمات صعدة والجنوب.
كأن يحدد الرئيس أسماء مجموعة من أعضاء اللجنة العامة على أنهم لجنة معالجة تداعيات الحراك الجنوبي وتحديد طبيعة التواصل مع قياداته، وأن يعلن عن تلك اللجنة على أنها جاءت عقب سلسلة اجتماعات مؤتمرية، ونحن سنفهم الأمر، وقد نفكر أن هذا الإجراء نوع من تمرين المؤتمر على مستقبل ما قد يكون فيه حاجة ملحة لحزب حاكم.
تحتاج بعض الأمور إلى بعض الشروح.. يجب أن نعرف أن الوعي السياسي الجمعي في اليمن قد استجاب تماماً لضعف شخصية المؤتمر. وبالتالي لا مسؤوليته، ولا أحد في القرى النائية والبلدات يأخذ فكرة الحزب الحاكم على محمل الجد.
ولا يبدو أن فكرة سياسية مهمة ومعقولة على غرار (حزب حاكم) قد حصلت على أي تقدير يذكر في الوجدان السياسي اليمني.
لقد تم قتل هذه الفكرة الديمقراطية بالغة الأهمية من خلال إفراغ المؤتمر تماماً من قدرته على الفعل السياسي، ومن خلال اعتماد اليمنيين كلهم على ما يظنونه إدراك بواطن الأمور في صنعاء، وقد يخطر لأي يمني أنه في حالة أن فاز الإصلاح يوماً بالأغلبية سيكون رئيس الإصلاح الرئيس علي عبدالله صالح.
حالياً يفكر قادة المشترك مثلاً بالحجج ونقاط الضغط التي يمكن ممارستها مع الرئيس أثناء أي حوار مع المؤتمر، والمؤتمريون لا يدافعون أو يطالبون بالحفاظ حتى على ماء وجه الحزب.
ولقد جعلت تجربة المؤتمر من فكرة (حزب حاكم) شيئاً ليس له أي علاقة بأحلام التغيير. تدور طاقة فعل المؤتمريين السياسية في جملة طرق وأساليب تحدد حاجة الرئيس لوجود أي منهم، وليس حاجة المؤتمر الحاكم.
وتلحظ أنهم يتصرفون بتلك الطريقة التي يقوم بها محترفو جمع الأصوات في الدوائر الانتخابية، الواثقون تماماً من حاجة الجميع إليهم كل أربع سنوات.
لا التصريحات التي يدلي بها أعضاء اللجنة العامة تشير من قريب أو من بعيد لفكرة (حزب حاكم)، ولا الطباع السياسية ومستوى الثقة في القوة والنفوذ الشخصي أثناء التعامل مع الآخرين تفصح عن أن أحدهم يتصرف بشخصية قيادي في حزب حاكم..
في الانتخابات يشتري الناشطون المؤتمريون المواد الأولية من ورق وأقمشة من مخصصات المؤتمر التي تصل أولا، ثم تأتي المخصصات الرئاسية على أنها النقود الفعلية للانتخابات.
ويتكرس هذا المعنى مع مرور الوقت، وفي وجدان الجميع على أن المؤتمر ليس حتى مجرد أداة سياسية بقدر ما هو تسمية لكل من يحتاجهم الرئيس من أقوياء المناطق.
لا أحد يؤلف الكتب في اللجنة العامة، ولا أحد يقوم بالتنظير ويتجول بصلعته المثقلة بالعلم في أروقة اللجنة الدائمة. ولا يوجد نائب مؤتمري معني بالبطالة أو الأسر المنتجة والصناعات المتوسطة.
إنهم معنيون بدرجات وظيفية ورتب أحياناً، وكلها عند الرئيس، والرئيس في الأزمات كلها لم يقل يوماً (سيقوم المؤتمر الشعبي العام بمعالجة الوضع).
لاحظ الخطابات الرسمية لرئيس الحزب الحاكم وهو لا يشير من قريب أو من بعيد للحزب الحاكم.
ويسمع الجميع في صنعاء عن التدابير الجانبية التي يتخذها الرئيس لمعالجة الأزمات أو الحصول على مساندة لمواجهتها، يسمعون أسماء حزبية معارضة، ووزراء سابقين، ورئيس سابق، وقادة محاور، وشيوخ علم وقبائل، ولا يسمعون اسماً من الحزب الحاكم.