نجح الرئيس علي عبدالله صالح في خطابه الهام بالعيد الوطني العشرين أن يفتح صفحة جديدة بالفعل ونحن على مشارف العام الانتخابي للسلطة التشريعية في اليمن ، فجاءت توجيهاته بالإفراج عن كافة المساجين السياسيين للحراك والتمرد كافية لإثبات حسن النوايا الذي تبحث عنه المعارضة..
وتعززت هذه الأجواء الإيجابية بأضعاف ذلك من الانفراج بقراره إطلاق الصحفيين المحبوسين ووقف القضايا الخاصة بهم في المحاكم، وهكذا وجدنا أنفسنا صباح يوم 22مايو المنصرم في أجواء سياسية أفضل بكثير مما كان عليه الحال قبله...
ولم يتبق سوى انطلاق صافرة الحوار المسؤول والموضوعي الهادف إلى بحث التعديلات الدستورية الضرورية والتعديلات على قانون الانتخابات وتشكيل لجنتها العليا بموجب ذلك، ولابد لنا أن نتفاءل ولو بدون قناعة عميقة لأن عامة المواطنين يعقدون آمالا كثيرة على حوار الحكم والمعارضة بأن الأوضاع ستكون أفضل، ونحن معهم في هذا التفاؤل لو لم يكن إلا لمجرد تخفيف حدة الخطاب النقدي المؤسف بين الطرفين وبالتالي تخفيف حالة الاحتقان في الشارع السياسي، والبحث عن القواسم المشتركة بين الطرفين والتي تظل برغم كل شيء أكثر بكثير من القضايا المختلف عليها.
ومن المؤكد أن الحديث لازال مبكرا عن حكومة إئتلاف من الأحزاب الممثلة في مجلس النواب، فحديث الرئيس عنها في خطابه كان إشارة لاستعداده لتشكيلها على ضوء ما ستسفر عنه نتائج الحوار، فإن رأت أطراف الحوار ذلك فهو قد أكد لها مبكرا موافقته عليها، وهي في كل الأحوال – إن تشكلت – فلن تكون أكثر من حكومة تحضير للانتخابات، مع أن الحكومات من الناحية الدستورية والقانونية لا علاقة لها بالتحضير كون ذلك مناطاً بلجنة مستقلة... ولذلك فالأرجح أن ينصرف الجميع عن هذا المشروع خاصة بعد أن أعلن عدة قياديين في المشترك عن عدم قناعتهم بمشاركة أحزابهم في حكومة قبل الانتخابات... وسيكون من المنطقي بالفعل تشكيل مثل هذه الحكومة الائتلافية عقب الانتخابات حتى لو حافظ المؤتمر – وهو الأرجح – على أغلبيته النيابية...
وقد كان من المستغرب أن ذهب البعض ساسة وصحفيون للخوض في تفاصيل تشكيل حكومة ائتلافية وكأنها على الأبواب مع أن حديث الرئيس كان واضحا بما فيه الكفاية، فمن البديهي أن تشكيل مثل هذه الحكومة الآن ليس هو الحل، لأن الخطوة الأولى لحل سياسي يكمن في التحضير الجيد والمرضي للجميع للانتخابات النيابية القادمة والتي نأمل أن تتم في موعدها المحدد.
وقبل أن يرحل شهر مايو بآماله الجميلة التي أحياها خطاب الرئيس ومبادراته، أبت فرحتنا إلا أن تنغصها حادثتا مأرب وسفينة الحرية... لقد كان استشهاد الشيخ الشاب جابر الشبواني فاجعة بكل المقاييس لكل من عرفه عن قرب، فقد كان أنموذجا للشيخ المثقف الوطني الواعي المشبع بقيم الولاء لبلده وأمنه واستقراره، ولذلك لا غرابة أن استدرجته عناصر القاعدة لكمين تعرف أنها المستهدفة منه لذلك أرادت أن تضرب عصفورين بحجر بأن تغيب هذا الشيخ الشاب عن مسرح الأحداث وأن تفتعل فتنة بين قبيلته والدولة، فنجحت في الأولى وكادت أن تنجح في الثانية لولا الحكمة اليمانية...
إلا أن من الواجب هنا الإشارة بصراحة إلى أن (تنظيم القاعدة) هو المستفيد الأول من حرب الطائرات بتوسيع قاعدته اعتمادا على ما يحدث من أخطاء بفعل هذه الضربات غير الموفقة... وهذا يقودنا للقول بأن الأسلوب الأمني والسياسي الذي انتهجته الدولة في الفترات السابقة في مواجهة هؤلاء الإرهابيين كان أكثر جدوى وفائدة ونجح في حصر حركتهم والقضاء على كثير من عناصرهم وقياداتهم كما أنه – وهذا الأهم – لم يؤد إلى تساقط أبرياء أو توسيع التعاطف الاجتماعي مع عناصر هذا التنظيم...
ولذلك فقد أصبح من المؤمل إعادة النظر في آليات مواجهة القاعدة بما يحقق الغرض النهائي المنشود ويجنب بلادنا تكرار ما يحدث في باكستان والعراق.
أما ما ينبغي قوله في حق ما حدث من عدوان إسرائيلي إرهابي على سفن الحرية المتجهة لاختراق الحصار على غزة يوم الإثنين الماضي فهو التحية المستحقة لتركيا وحكومتها وقادتها ولكل الشخصيات التي رافقت هذه القافلة البحرية الرائعة، بما في ذلك النواب اليمنيون الثلاثة محمد الحزمي وهزاع المسوري وعبدالخالق بن شيهون الذين يستحقون منا كل تقدير واحترام والذين ندعو لهم بالسلامة والعودة إلى الوطن مكللين بالفخار.