آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

اتفاق الحوار خطوة مهمة نحو استقرار اليمن

استبشر أبناء اليمن وأصدقاؤه والحريصون على استقراره ووحدته من أبناء الأمة بالاتفاق التاريخي بين مختلف ألوان الطيف السياسي في هذا البلد العربي على الاحتكام إلى الحوار لحل الخلافات المختلفة ولتحقيق شراكة سياسية فعلية تُنهي الأزمات المستعصية.

وما يبعث على التفاؤل فعلا أن هذا الاتفاق ليس اتفاقا للمجاملة أو المناورة أو ربح الوقت، كل الدلائل تقول إنه اتفاق حقيقي وقد عبّر الرئيس علي عبد الله صالح بصدق بالغ عن قيمة هذا الاتفاق بقولة مؤثرة حين قال "نحن في سفينة واحدة وعلينا أن نبحر سويا".

وهذا يعني أن المهم في الاتفاق ليس تعداد المغانم ولا أن تكون الحظوة في المناصب العليا من نصيب حزب المؤتمر الشعبي الحاكم أو من نصيب جماعة "المشترك"، وإنما إنقاذ اليمن من الفتنة التي تحركت في كل اتجاه ما جعل اليمن قبلة للمؤامرات وساحة لتصفية الحساب بين قوى وأطراف خارجية، وطبيعي جدا أن لا تكون مهمة الإنقاذ مرتبطة بالنظام وحده، فالجميع مطالب بأن يمد اليد ليمنع السقوط ثم يأتي بعد ذلك اللوم وتحميل المسؤوليات ومحاسبة المقصرين.

ونعتقد أن أهم شروط الاتفاق التي نطالب بها الشركاء والفرقاء معاً هي أن ينسوا ما جرى في الماضي وألا يستغرقوا في التفاصيل ويتغاضوا عن الأصول، فاليمن يحتاج إلى جبهة قوية في مواجهة "القاعدة" التي أثبتت الأيام أنها تتعامل مع اليمن على أنه ساحة قتال وتصفية حساب مع الولايات المتحدة وبعض القوى الإقليمية الأخرى، وفي طريق هدفها صارت تستهدف قوت اليمنيين ومصادر رزقهم من خلال ضرب البنية الأساسية واستهداف السياحة وإشاعة الفوضى التي تحول دون قدوم الاستثمارات الخليجية والأجنبية ككل.

وبذلك تقطع الطريق على القيادة اليمنية في تنفيذ تعهداتها بالإصلاح الإداري ومحاربة الفساد والفقر والبطالة والأمية واستعادة هيبة الدولة كقوة فعل وتطوير وخدمة الصالح العام.

هذه معركة وجود بالنسبة إلى مختلف الأطياف اليمنية فإما أن يكون هنا استقرار وما يتبعه من توسيع لقاعدة الديمقراطية والحكم الرشيد وفتح باب التنمية والتطوير والتحديث، وإما أن تكون الفوضى وتتأجل خطط التطوير وتكتفي الدولة بتوظيف مختلف الإمكانيات للدفاع عن الوحدة والاستقرار.

ولا يقف الأمر عند "القاعدة" بل يشمل مختلف المجموعات التي تلتجئ إلى تدويل خلافها مع الدولة، فأن يرفع الحوثيون أو انفصاليو الجنوب السلاح في وجه الجيش والشرطة فهذا يعني أن الحوار أصبح مستحيلا، فليس هناك دولة ولا نظام في العالم يقبل أن يرضخ للابتزاز والتهديد، والأسوأ أن تتورط بعض المجموعات الانفصالية في التخابر مع قوى إقليمية وخوض حرب بالوكالة لفائدتها على حساب أمن الشعب اليمني واستقراره ودم أبنائه.

الحوثيون وضعوا اليد في يد طهران وصاروا يحاربون وحدة بلادهم من أجل أن تمتلك إيران مواقع نفوذ جديدة في صراعها مع الولايات المتحدة أو مع دول الخليج، وهذا خط أحمر ويحتاج إلى إجماع في لجان الحوار المختلفة كي تجعل مهمة الدفاع عن وحدة البلاد مهمة الجميع وليس النظام ولا الحزب الحاكم.

ليس هناك منطقة وسطى في هذا المستوى ولا يمكن بأي حال أن يقول حزب أو قبيلة أو شخصية وطنية أنه يتفهم دواعي الانفصال أو يبررها.

وإذا تحقق هذا الشرط، أي شرط التوافق على الدفاع عن الوحدة ومحاربة التفتيت ودعوات الانفصال تصبح بقية تفاصيل الحوار سهلة وكل القضايا قابلة للتفاوض، ومن حق المعارضة أن تطالب بالتعديلات الدستورية وتحديد موعد الانتخابات وشروطها وأداة مراقبتها.

وهي فرصة للحزب الحاكم كي يشجع مختلف القوى المعارضة على التمسك بالحوار ونهج الوفاق ويثبت للجميع أن الشراكة السياسية التي طالما دعا الرئيس علي عبد الله صالح إليها هي شعار حقيقي وخيار استراتيجي وأن الحزب قادر على الترفع فوق كل الصغائر من أجل المصلحة الاستراتيجية لليمن.

اليمن لديه قضايا أهم من الخلافات الحزبية وصراع الكراسي والمناصب في البرلمان أو غيره من مؤسسات الحكم، فهو مطالب بأن يؤهل نفسه لبناء التنمية التي تحارب الفقر والبطالة والأمية، والتأهيل يهم أساسا تطوير التعليم وربطه بالتكنولوجيا الحديثة حتى يكون قادرا على توفير اليد العاملة المختصة التي تشجع المستثمرين الأجانب على القدوم إلى اليمن والاستثمار فيه وحل أزمة البطالة، كما يشجع دول الخليج على استقدام العمالة اليمنية وتفضيلها على العمالات الوافدة من جنوب شرق آسيا.

وهكذا، فإن الاتفاق الذي تم بين المؤتمر الشعبي الحاكم وتكتل أحزاب "المشترك" يضع اليمن على سكة التفاؤل والاستقرار وبدء مرحلة التغيير الحقيقي.

زر الذهاب إلى الأعلى