ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، أن الوكالة المركزية للاستخبارات الأميركية (سي.آي.ايه) باتت تعتقد أن فروع القاعدة وأجنحتها الضاربة قد غدت أقوى من التنظيم نفسه، الذي يعتقد محللو الوكالة أن قادته متواجدون في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان.
من الواضح أننا إزاء قضية لا تحتاج إلى تحليل ولا من يحللون، ففروع القاعدة في العراق والصومال واليمن وشمال إفريقيا هي من دون شك أقوى من المركز الرئيسي، إذا اعتبرنا أن الأخير موجود في باكستان وأفغانستان حيث يتوارى أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وبعض عناصر التنظيم، أو أنه التجمع الذي ينشط إلى جانب طالبان في حربها ضد القوات الأميركية في أفغانستان.
قد يماري بعض أنصار القاعدة في حقيقة الدور الذي يقوم به التنظيم في الحرب ضد قوات الناتو في أفغانستان ويميلون إلى تضخيمه، لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع هي أن دور التنظيم ليس بتلك القوة قياساً إلى حركة طالبان، وأن الأمر لم يتعدّ في واقع الحال تقديم بعض الخبرات التي ربما أصبحت متوفرة بمرور الوقت، مع العلم أن وجود أي عربي بين صفوف الحركة غالبا ما يعرضها للخطر، بينما يندمج عناصرها في صفوف الناس، يذهبون للقتال ثم يعودون إلى بيوتهم، وإن لم ينطبق هذا على الجميع من دون شك.
والحق أن تنظيم القاعدة لم يكن تنظيماً بالمعنى الواقعي للكلمة، أعني خلال مرحلة ما بعد الحرب الأفغانية ولجوء أسامة بن لادن إلى السودان مطلع التسعينيات، لكن الملاحقة الأميركية للرجل هي التي أسفرت عن تأسيس الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين عام 98، والتي اختصرت لاحقاً بتنظيم القاعدة الذي تشكّل من تحالف مريدي أسامة بن لادن مع بقايا تنظيم الجهاد المصري بقيادة الظواهري، الذين تقطعت بهم السبل بعد فشل العمل المسلح في مصر والمراجعات الشهيرة لقياداته.
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، لم يكن للفرع الرئيسي للتنظيم نشاط يذكر، فيما كان له نشاط لافت قبل ذلك تمثل في عدد من العمليات الكبيرة مثل عمليات نيروبي ودار السلام وعملية المدمرة "يو أس أس كول" في اليمن، لكن النموذج ما لبث أن أخذ في الانتشار بعد ذلك، عبر ظهور فروع جديدة أو التحاق مجموعات قائمة بالمركز ومبايعتها لزعيمه.
جميع الفروع التي يشير إليها تحليل "سي.آي.ايه" لم تكن ذات صلة مباشرة بالمركز، بل استلهمت النموذج ثم التحقت وبايعت بهذا الشكل أو ذاك، ويأتي في المقدمة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين (العراق) الذي أسسه الزرقاوي بمسمى التوحيد والجهاد، ثم بايع أسامة بن لادن بعد مراسلات نُشر بعضها.
الاستثناء الوحيد قد يكون قاعدة اليمن التي كانت موجودة منذ التسعينيات، ربما بسبب العلاقات الخاصة لقادة التنظيم مع أسامة بن لادن، الذي ينتمي من حيث الأصول إلى حضرموت، فيما كان بعض منهم ممن عملوا معه في السابق أيام أفغانستان، وهم الذين نفذوا عملية المدمرة المشار إليها (17/10/2000).
أما قاعدة الصومال (حركة شباب المجاهدين) فقد انطلقت هناك قبل إعلانها استلهام نموذج القاعدة وانتسابها إليه، وكذلك حال فرع شمال إفريقيا (الجماعة السلفية للدعوة والقتال) التي كانت تقاتل النظام الجزائري، الأمر الذي يذكّر ربما بتجربة تنظيم الجهاد المصري بقيادة الظواهري الذي انتقل من قتال العدو القريب (النظام المصري) إلى قتال العدو البعيد (الولايات المتحدة).
في ضوء ذلك، يمكن القول إن الولايات المتحدة هي التي أسهمت في هذا الانتشار الواسع للقاعدة، مع ضرورة الإشارة إلى عبثية القول بأن التنظيم مُنتج أميركي بالمعنى الحرفي للكلمة، لأن الذين شددوا الضغوط على النظام السوداني من أجل طرد أسامة بن لادن من السودان، لم يكونوا يعتقدون أن الأمور ستتطور على هذا النحو، تماما كما أن جورج بوش الابن لم يكن يعتقد يوما أن مغامرته في العراق وأفغانستان التي كان ينبغي أن تشكل "القرن الإمبراطوري الأميركي الجديد" بحسب تنظير مستشاريه، ستؤدي إلى هذا المسلسل من الهزائم والفشل.
خلاصة القول هي أن تنظيم القاعدة قد نشأ بسبب ظروف موضوعية تمثلت في العدوان الأميركي الصهيوني على المسلمين، ومن ضمنهم من كانوا يُعتبرون مقاتلين من أجل الحرية في أفغانستان، وما دامت هذه الظروف قائمة فسيتواصل حضوره بهذا القدر أو ذاك، تبعا لظروف أخرى تحتاج مزيدا من التفصيل في مقدمتها توفر الحاضنة الشعبية.
* كاتب أردني