آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

شكرا يا أمير

قليلة هي الخطب الرسمية العربية التي تحمل مضمونا مهما، فجل ما يقال في محافلنا العربية ما هو إلا خطابة لا معنى لها، إلا أن خطاب الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، في القمة العربية الاستثنائية بليبيا، كان مختلفا، وتاريخيا؛ حيث وضع الفيصل النقاط على الحروف، وسمى الأشياء بأسمائها، وهذا ما نحتاجه كعرب، أكثر من الشعارات التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

وتجلى ذلك الأمر حين تحدث الفيصل عن رأي بلاده بمبادرة الانفتاح العربي على دول الجوار، خصوصا عندما قال عن المبادرة: «إننا ننظر إليها باعتبارها نابعة من شعور بتآكل الدور الإقليمي للنظام العربي في محيطه ومركزه، مقارنة بتصاعد دور بعض الدول الأخرى، ناهيك عن استمرار التحدي الإسرائيلي..»، وهذه هي القراءة الصحيحة.. فالدور العربي يتآكل، ليس فقط أمام إسرائيل، بل أمام إيران أيضا.

يقول لي من أثق بخبرته ورصيده السياسي الكبير: «ماذا يريدون من مبادرة دول الجوار؟ لا أفهم ما الذي يريده الأمين العام، هل ننفتح على إيران وهي تتوغل في أراضينا، وتختطف القرار السياسي العربي، وتغذي الصراعات بيننا؟ نحن في حالة ضعف، نعم، لكن ننفتح على إيران في هذا الوقت، هذا خطأ فادح»!

وهذا ما أكده الفيصل في كلمة بلاده؛ حيث شدد على ضرورة ترتيب البيت العربي أولا، من خلال العمل الجاد، والالتزام بالمقررات الصادرة عن القمم العربية، واستشعار خطورة ما يحدث في دولنا، وهو ما نراه بوضوح، في العراق الذي تتدخل إيران لتعطيل تشكيل حكومته؛ لأنها تريد من يتبع لها، وليس من اختاره الناخبون، في انتقاص واضح، وفاضح، للعملية السياسية في العراق. والأمر نفسه في لبنان، ويكفي تأمل ما يقوله حسن نصر الله هذه الأيام، ناهيك عن تغذية الانقسام الفلسطيني من خلال دعم حماس. والمسألة لا تتوقف هنا؛ فهناك التدخل في اليمن، والاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية، وهناك الأموال الإيرانية التي تخترق كثيرا من دولنا الخليجية، وشبكات التجسس التي يتم اكتشافها في الخليج العربي.

ولذا، فليس من المنطقي مطالبة العالم العربي بالانفتاح على دول الجوار، والمقصود هنا، بالطبع، إيران، في الوقت الذي تعتبر فيه طهران أحد أهم أسباب عدم الاستقرار في المنطقة. ومن هنا تأتي أهمية كلمة الفيصل، وجديتها، خصوصا عندما ذكر العرب بما هو أهم من الانشغال بجدلية دول الجوار غير المنطقية، وهو ما ينتظر السودان؛ حيث قال للعرب بكل صراحة: «لا يمكن تبرير بقاء أعضاء جامعة الدول العربية على الحياد تجاه ما يحصل في السودان..»، مضيفا: «إن خطر الانفصال لا يمكن أن تتحقق معه أية مصلحة للسودان، ومصلحة الطرفين، في نظرنا، أن نساعد السودان في تخطي هذه المخاطر بأن يكون الاستفتاء نزيها لا تمارس فيه ضغوط قد تؤدي - لا سمح الله - إلى نتائج لا تحمد عقباها».

وعليه، فالأجدى للعرب أن يصححوا أوضاعهم بدلا من مكافأة إيران بجائزة لا تستحقها. وهذه هي الحقيقة، وإن أغضبت، وهذا ما يجعلنا نقول، وبامتنان، لسعود الفيصل: شكرا يا أمير.

زر الذهاب إلى الأعلى