[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

نجاد يضرب النعل في الاتجاه المعاكس

هناك مثل فارسي يقول «فلان يضرب النعل على العكس» ويقصد منه التضليل أو إضاعة الطريق لإفشال التعقيب ويتجه الطرف المقابل إلى الجهة المخالفة للقصد الفعلي.

ويقال إنه وفي الماضي القريب كان اللصوص وقطاع الطرق، لكي لا يفهم أحد من أين جاءوا وإلى أين ذهبوا وأي طريق سلكوا، كانوا يضربون النعل – أي حدوة الفرس - على أحصنتهم بشكل عكسي لتكون آثار أرجل الحصان على الأرض على عكس الطريق الذي سلكوه، وكانت هذه الخدعة تستخدم في الحروب أيضا.

واليوم يستخدم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأسلوب نفسه. وكلامه في مفترق طرق العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول أحداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001 في الإطار نفسه. وحول هذه الهجمات أعلن نجاد بنهج الدجل الخاص بالملالي «أن وجهة النظر الأكثر قبولا تقول إن هناك بعض الدوائر داخل الإدارة الأميركية نظمت الهجوم لوقف تدهور الاقتصاد الأميركي، وللسيطرة على الشرق الأوسط من أجل إنقاذ النظام الصهيوني».

وقال إن هذه النظرية يؤمن بها «غالبية المواطنين الأميركيين ومعظم الأمم والسياسيين حول العالم». وما لم يكن لدى الآخرين علم بخصائص ونهج وسلوكية نظام ولاية الفقيه وممارساته، فقد يظن أن هذا الهروب المدهش إلى الأمام وهذا الحد من المغالطة هو خطأ سياسي محض ومن أعمال شخص جاهل وقاطع طريق. إلا أن هذه ليست الحقيقة

. فخامنئي وأحمدي نجاد لم يلجآ إلى «ضرب النعل على العكس» بسبب خطأ في الحسابات السياسية أو من باب الصدفة، بل إن هذه هي حاجة ملحة وعملية وسلوك لا بد منه ولا خيار عنه، خصوصا أن نظام ولاية الفقيه في منزله الأخير وجد سياسة (الهجوم خير وسيلة للدفاع).

وللهروب من أصل الموضوع ولكي لا يقع في المصيدة، يتشدق ويتهافت ويتشبث بكل يابس، فتارة يتطرق إلى الهولوكوست، ومرة أخرى يتطرق إلى الحرب في العراق مدعيا أن الولايات المتحدة جاءت إلى العراق لتسقط صدام حسين ثم تأتي بالبعثيين إلى الحكم! ومرة أخرى يطرح حادث 11 سبتمبر. وهذا النظام لم يكن في معرض الهجوم ليطلق إلى زاوية الحلبة بالضربة القاضية ثم يتم رميه بعد ذلك إلى خارجها دون أن يتأسف عليه أحد، وفي غير هذه الحالة عليه أن يرد على الأسئلة التي لن يحتمل واحدا منها. ولهذا يضرب النعل على العكس كاللصوص وقطاع الطرق لكي يضل العالم الطريق ويفقد أثر أقدام النظام في صراعه معه.

نعم، إن أحمدي نجاد لم يذهب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحوار ولا للمقابلات الصحافية، بل ذهب بتكليف من قبل خامنئي وبشكل محسوب ومخطط له مسبقا إلى الجمعية العامة لإطلاق هذا الموضوع وغيره بشكل متعمد. إن الخطط المنهجية لهذا النظام واصطفافاته دوليا وخصوصا في خضم قرارات المقاطعة والعقوبات جعلته يعمل بكل ما أوتي من قوة على تحييد الضربة العسكرية المحتملة التي يجري الحديث عنها بشكل واسع الآن في الإعلام ويفتح مجالا كبيرا لها في الرأي العام العالمي، وهو جاهز لأن يدفع ثمن هذه المغالطات مهما كان المردود، من ضمنه الاستنكار الدولي الواسع ضده شرط أن يتاح له إكمال قنبلته النووية.

كتبت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في افتتاحيتها يوم 24 سبتمبر الماضي «في خطابه أمام الجمعية العامة عندما قال أحمدي نجاد إن هجمات 11 سبتمبر أعطت للولايات المتحدة حجة إرسال القوات إلى أنحاء العالم، بهذا القول ردم الباب وسده عمليا» وتضيف «واشنطن بوست»: «ولكن الخطاب العنيف لأحمدي نجاد كان مغايرا تماما أمام الموقف الضئيل للسيد أوباما».

خوف الولي الفقيه في إيران وفزعه من الضربة العسكرية المحتملة هو الذي أجبره على ضرب النعل على الاتجاه المعاكس بهذا الشكل في الساحة الدولية وهو يعكس جانبا من الموقف الداخلي لهذا النظام في مرحلة الاضمحلال والاستنزاف. ولن يكون هناك مناص عن إدامة الدجل والمناورة والتهريج عندما تنهار الأسس المعنوية لولاية الفقيه واحدة تلو الأخرى. وفي اللحظات ذاتها التي انطلقت تصريحات أحمدي نجاد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وعلى بعد مسافة أمتار وأمام مقر المنظمة الدولية جرت مظاهرات عارمة شارك فيها 20 ألف إيراني معارض وشخصيات عديدة وفي مراسم التظاهرة أدانت مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية في خطاب تم بثه بشكل مباشر من باريس إلى المتظاهرين (أدانت) سياسة استرضاء الملالي في إيران طوال الثلاثين عاما الماضية قائلة: «إن الحل الوحيد لمسألة إيران هو التغيير الديمقراطي بيد الشعب الإيراني ومقاومته».

نعم، هذا التغيير فقط سيجنب المنطقة ويؤمنها من التورط في دوامة الأزمات المتتالية.

* خبير ستراتيجي إيراني

زر الذهاب إلى الأعلى