"احتلت اليمن المرتبة الرابعة عربيا جاء بعدها كل من السودان والعراق والصومال.. في انتشار الفساد وذلك حسب نتائج التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية للعام 2010 الصادر في برلين الثلاثاء 27/10/2010م".
نعم هكذا يشير التقرير كل عام وبلادنا في فساد... وكل عام ونحن في غمرة أفراحنا بأعيادنا الوطنية الثورية المباركة التي استهدفت بقيامها انتشال اليمن الأرض والإنسان من ربقة الفساد السياسي المستبد والمتخلف والكهنوتي الكريه، والفساد الاستعماري للمحتل البغيض.. يأتي مثل هذا التقرير الدولي لمنظمة الشفافية في هذا الوقت ليفسد الفرحة في نفوس الملايين من أبناء بلد الإيمان والحكمة ليذكرنا بالسرطان القاتل للفرحة في القلوب، والابتسامة على شفاه الجماهير التي تنفست الصعداء بين عام وآخر خصوصا بعد قيام الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد..
التي يأتي التقرير الدولي باعتباره تقييما محايدا لمسارات نجاحها أو إخفاقها في تحقيق الأهداف التي أنشئت من اجلها والمهام التي أنيطت بها... في بلد ندعي انه يتمتع بالشفافية واستقرار أوضاعه حسب ما يزعم القائمون على أمره.. في بلد يعترف الجميع بوجود الفساد، والجميع يشتكي من الفساد، والجميع يتحدث عنه لدرجة الملل والضجر، في بلد يعيش تحت ظلال الفساد وثماره اليانعة.. والغريب أن هذا الفساد يظل ذلك الأمر المبهم..
في بلد نحسب انه يتمتع بالشفافية وحرية التعبير والرأي وحرية الصحافة، وحكومته تنفذ بالحرف الواحد إملاءات "الحريصين" على الإصلاح المالي والاقتصادي في الداخل والخارج من منتجي الجرعات السعرية المهلكة سعيا لكسب المزيد.. وله مجموعة من الأصدقاء "المتصدقين" والذين عاهدوه على عدم تركه وحيدا ضحية للمعاناة ونتائج الفساد المدمرة..
نقول ذلك لأننا فعلا معترفون جميعا بوجود هذا البعبع المتخفي " الفساد والمفسدين" ولكننا لسنا جميعا متفقين على مبررات وجوده بهذه الصورة الفجة والفاضحة في بلادنا.. من خلال التقرير الدولي لمنظمة الشفافية الدولية ومن الإنصاف وحتى لا يقول قائل إن الفساد ظاهرة عالمية وما علينا إلا أن نرضى به بيننا – ولا شك أن من يتحجج بهكذا تفسير أو مبرر للسكوت عما يجري – فهو إما احد رموز الفساد وجهابذته أو انه في اقل الأحوال مستفيد من حالة الفساد واستمراره وتفشيه – وكلاهما عدو لهذا الوطن وخائن لهذا الشعب.
ومن الإنصاف ومن باب الشفافية والصراحة مع النفس، وما تقتضيه الحقيقة يبقى لزاما توضيح بعض الفروقات بين أوضاع اليمن ودولته ومؤسساته الرقابية وهيئته المختصة بمكافحة الفساد.. وبين الدول العربية التي جاءت في ذات المستوى الفاسد في التقييم الدولي، حيث لا مجال للمقارنة أبدا مع أوضاع الدول العربية الثلاث المشار إليها.. فكلنا يعلم ويدرك أوضاع السودان وخصوصيات حكومات ولاياته وجغرافيته ومكوناته السكانية، وغيرها من المشكلات على المستوى الداخلي ، وما يتعرض له من مؤامرات تستهدف وحدته واستقلاله على المستوى الخارجي، فضلا عن ملاحقة قادته..
بينما نحن والحمد لله ننعم بتوافق دولي وموقف شبه موحد تجاه دعم الاستقرار والوحدة والأمن والدعم الاقتصادي، وتجاه كل ما يعترض اليمن من تحديات.... وكذلك يعرف القاصي والداني مشاكل العراق المحتل والغير مستقر سياسيا منذ احتلاله عسكريا من الولايات المتحدة، وسياسيا من قبل إيران العام 2003م، أما الصومال فحدث ولا حرج دولة في مهب الريح لا وجود لها وتعاني من حروب داخلية منذ عقود، وشعب جائع ضائع مشرد.. بمعنى آخر لا غرو إذا ما كان الفساد قد تمكن من هذه الدول وبهذا الشكل.. وربما من الطبيعي أن تفرز مثل هذه الأوضاع من المآسي والمعاناة والاختلالات ما يفوق قضية انتشار الفساد في هذه الدول..
وبمعنى أوضح إن انتشار الفساد في يمن الثورة والوحدة الديمقراطية، اليمن المتمتع بالأمن والاستقرار وبدعم الأشقاء والأصدقاء... أمر أصبح لا مبرر له على الإطلاق.... وعلى هؤلاء المتحججين والمبررين، والمتجاوزين لحقائق الواقع... أن يتركوا هذا الشعب الطيب وجماهيره العريضة.. تعيش أفراحها لعلها تخفف بهذا الفرح والابتهاج بعضا من معاناتها الحياتية التي سببها الفساد والمدافعين عنه بصورة أو بأخرى..
ولعل الجماهير بهذا الفرح تستشعر أن الثورة اليمنية ما تزال خالدة في النفوس، وان أهدافها الستة السامية ما تزال عنوانا لتجاوز كل مآسي الماضي، وان حب الوطن سيظل مغروسا في القلوب.. وأن "الثورة" بالتالي بذكراها وأفراحها البلسم الذي سيداوي الجروح ويقضي على أصحاب النفوس المريضة العابثين بمقدرات الوطن، والمستهترين بقيم الولاء والانتماء لهذه التربة الطاهرة...
والسؤال الذي لا بد من طرحه بالمناسبة للمعنيين بمثل هذا التقرير الشفاف.. هو هل تستطيعون تحسين صورة البلاد ومن ثم صورة الدولة اليمنية التي ندعي ونصدق جميعا أنها دولة حديثة بمؤسسات وطنية ناهضة متطورة، وإبعادها عن شبح الفضائح الرسمية الدولية عبر منظمات معنية بكشف المستور والمكشوف.. أو فضولي دولي عبر (ويكيليكس)؟ ثم لماذا هذا التنغيص المتوالي الباعث على القهر والأسف في ذات الوقت، ومحاولات قتل الفرحة والبهجة...... ثم.. إن جماهير عريضة من أبناء هذا الشعب الصابر. يستعد اليوم ليعيش فرحا جديدا وقد بدأ فعلا مع أشقائه في الخليج العربي باستضافته للمهرجان الكروي الكبير.. "خليجي عشرين" فهل سنفرح مع أشقائنا دون تقارير منغصة.
أيها المعنيون بكل هذا الحريصون على العمل بشفافية، وتدعيم عرى المناخات الديمقراطية التي هي مبعث افتخار لليمن واليمنيين، وليست نذير شؤم كما يريد أن يصورها البعض الذي لا يستطيع العيش إلا في ظل الأنظمة الشمولية والاستبدادية الظلامية التي رفضها شعبنا، وضحى في سبيل الخلاص منها بالغالي والنفيس عبر عصور من المواجهة والكفاح والاستبسال.. أما هؤلاء البعض المريض بالأهواء الفاسدة الحالمين بعودة عهود ما قبل الثورة والوحدة هم هؤلاء الذين استغلوا المكاسب الثورية والوحدوية استثمارا سيئا بحثا عن تشويه صورة الثورة والوحدة.. ويريدون إقناع السذج بان أيام الإمام كانت أحلى، وان أيام التشطير كانت أروع.. إذا هؤلاء هم احد نتائج وثمار التغاضي وعدم التصدي بفعالية للفساد وهم أيضا حماته ومغذيه.. والمستفيدون الأول من انتشاره وتثبيته لتمرير مخططاتهم التآمرية على الوطن ومكتسباته في الثورة والوحدة والأمن والاستقرار.. هم هؤلاء المستهينون بقيم الحرية وأعداؤها الحقيقيون... كيف لا وهم قد تنكروا وانحرفوا بالممارسة الديمقراطية المبنية على المبادئ والأهداف التي صاغتها الثورة اليمنية الخالدة والتي ستبقى نبراسا يضيء للأجيال القادمة طريقها نحو الغد الأكثر إشراقا وتشبثا بالقيم والمبادئ الأصيلة لهذا الشعب العريق تاريخا وحضارة.
عليكم أيها القائمون على أمر البلاد والعباد في هذا الوطن، وانتم يا من ارتضيتم تحمل المسئولية والأمانة أمام الله سبحانه ثم أمام هذا الشعب، وقطعتم على أنفسكم العهود والمواثيق، وأشهدتم الله تع إلى ثم خلقه على تمسككم والتزامكم بما عاهدتم عليه..
نقول عليكم تقع مسئولية الحسم أمام هذا الفساد المستشري كالسرطان الخبيث.. ولو بالتدريج ، يعلم الجميع أنكم لا تملكون عصى سحرية للخروج من هذا الغول.. ولا يكفي أبدا ما سئم الجميع من سماعه من أخباركم المتعلقة فقط بالمطالبة بإقرارات الذمة المالية وإحالة المتخلفين إلى النيابة والأجهزة المختصة، ولكن الجماهير تنتظر أن تسمع منكم أنكم قد أحلتم رأسا كبيرا فاسدا إلى القضاء..
وخطوة كهذه بالنظر إلى طبيعة شعبنا وأصالته سوف تتكشف كثيرا من الأوراق وستسقط كثير من الرموز الفاسدة، وهذه هي حكمة الله في تنفيذ حدوده "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"، لان الهدف في الأساس ليس العقوبة في حد ذاتها لكن الهدف الأسمى، تحصين المجتمع، وردع العابثين، ووقف استشراء الفساد والعبث، وعدم تشجيع من في قلبه مرض، وبالتالي إعادة الحقوق وصون المال العام، وقبل ذلك كله فان مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين فيها أيضا إنقاذ للآخرين ممن في قلبه مرض من عواقب التورط في أكل المال الحرام والثراء الغير مشروع الذي يؤدي بصاحبه لخسارة الدنيا والآخرة..
وليس أمامكم من خيارات مع كل هذا الزخم المحلي والدولي في فضح ظاهرة الفساد في اليمن واستمرارها من عام لآخر وبنفس الوتيرة.. سوى أن تتخذوا إجراءات مخولة لكم ومن اختصاصكم ومن واجباتكم كأن تقيلوا رموزا للفساد، وتحيلوهم إلى القضاء، فأنتم بعد كل هذه التقارير الدولية في موقف لا تحسدون عليه، وإما أن تستقيلوا لتربأوا بأنفسكم عن فشل وعدم قدرة، أو ربما توصمون بالتهاون أو المداهنة التي نعلم يقينا أنكم لستم كذلك ولا ترضونه لأنفسكم، ولا نرضاه لكم أبدا.
يريد الجميع ويأملون أن يأتي تقرير منظمة الشفافية العام القادم 2011م ، وفيه كما جاء حول قطر لهذا العام " يريد الجميع وينتظر هذه الفقرة التي سيعتبرونها شهادة ووسام لكم وقبل ذلك ستهتف الجماهير لكم وتدعوا لكم وترفعكم فوق الهامات وهي العبارة التالية نرجو أن لا يخلو منها التقرير القادم بإذن الله وبتوفيقه لكم انه ولي ذلك والقادر عليه " وأظهر تصنيف منظمة الشفافية تحسن مراتب اليمن وارجع ذلك إلى تعزيز "اليمن" جهودها في مقاضاة المتورطين في الفساد إضافة إلى تعزيز دور هيئة مكافحة الفساد هناك" هذا أملنا للتقرير القادم.
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم عليك بالفاسدين والظالمين ومن سار في ركبهم.. اللهم عليك بهم اكفيناهم بما شئت وكيف شئت فقد عاثوا في البلاد... فأكثروا فيها الفساد.. وفضحونا بين العباد، ربنا وان لم يرعووا فصب عليهم صوط عذاب.. فانك للطغاة والظالمين لبالمرصاد... وأر شعبنا فيهم باسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.