في الأول من نوفمبر الماضي فارقت الأستاذة/ فوزية أحمد محمد نعمان –رحمها الله- الدنيا بعد رحلة حافلة بالعطاء في المجال التربوي والنسوي والاجتماعي وفي الشأن العام وهموم الوطن، وقد وضعت بصمات واضحة وآثاراً جلية في المجالات التي عملت فيها وخاصة المجال التربوي وتحديداً محو الأمية ونشر التعليم في صفوف النساء والفتيات .
وذلك من خلال المناصب والمهام التي تولتها، في وزارة التربية والتعليم أو في اتحاد نساء اليمن، وفي كل الأحوال والأعمال والمراحل، كانت فوزية نعمان رحمها الله تنطلق في أداء عملها والقيام بدورها من منطلقات وطنية ورؤى اجتماعية وجوانب إنسانية، وفي نفس الوقت كانت تراعي الثوابت الدينية والخصوصية الثقافية للمرأة اليمنية، فقد كانت متزنة وواعية وعلى قدر كبير من المسؤولية والإيجابية بعيداً عن التلون الثقافي والنفاق السياسي والتعصب الحزبي، فمع أنها كانت وكيلة وزارة التربية والتعليم وأمين عام اتحاد نساء اليمن وقيادية في المؤتمر الشعبي العام، إلا أنها كانت تقوم بعملها وتؤدي دورها على أساسٍ وطني ومهني وأخلاقي وإنساني.
والذي لا يعرفه الكثيرون أنها عانت خلال السنوات الأخيرة من المرض ومع ذلك لم تشك ولم تصرخ وتستغل موقعها ودورها ودور مكانة أسرتها، وإنما التزمت الصبر والاعتزاز بالنفس واستمرت في أداء عملها حتى آخر يوم من حياتها، وماتت -رحمها الله- وهي واقفة وصامدة ومؤمنة ومحتسبة، كيف لا وهي ابنة أستاذ النضال وحكيم اليمن ورائد الحركة الوطنية وأحد القمم الشامخة في تاريخ اليمن الحديث، إنه الخطيب والأديب والسياسي والمناضل الأستاذ/ أحمد محمد نعمان، الذي كان طوال حياته ونضاله يجالد بشجاعة نادرة وصبر عظيم، قوي التحمل لصروف الدهر ونوائبه، فلا تفزعه الأهوال ولا ترعبه قوارع الدهر..
ومن ذلك أنه تلقى خبر اغتيال ولده ونجله الأكبر بالرضا والصبر، مع أن عملية اغتيال وقتل ولده محمد أحمد نعمان كانت كالصاعقة على اليمنيين الذين خسروا بمقتله واحداً من نوادر حكماء ومفكري اليمن في القرن العشرين والأستاذ النعمان الابن مثل والده النعمان الأب، ومثله أخته فوزية الذين لاقوا في حياتهم وبعد مماتهم الجحود والنكران والتجاهل والتهميش، ليس لأنهم ليسوا من –شعب الله المختار- وإنما لأنهم من أسرة ذات تاريخ ناصع وماضٍ مشرق، وأسرة علم وأدب وجهاد ونضال ووطنية وتضحية وعطاء .
لقد توفيت الأستاذة/ فوزية نعمان في الأول من نوفمبر الماضي، ومر خبر وفاتها مرور الكرام، وسط شبه تجاهل رسمي وحزبي وحتى على المستوى النقابي ومؤسسات المجتمع المدني، فلم تكن الأستاذة/ فوزية نعمان تمتلك آليات النفاق السياسي ولا تجيد التلون الثقافي والاهتزاز الفكري، وإنما كانت صادقة مع نفسها وواضحة في تعاملها مع الآخرين، ومحافظة على مكانتها ومعتزة بالميراث الوطني لأسرتها بيت النعمان، وخاصة أبيها الأستاذ/ النعمان والذي سيظل علماً كبراً ورمزاً شامخاً في تاريخ اليمن الوطني الحديث .
وأسرة بيت النعمان تنتسب إلى نعمان مقبل علي شمسان، الذي كان له أولاد وأحفاد وكان لهم شأن وشهرة منذ أوائل القرن العشرين ونالوا حظاً موفوراً وتولوا أعمالاً حكومية في عهد الأتراك وخلال حكم الإمام يحيى حميد الدين وولده أحمد وكان لبعضهم أدوار كبيرة في تاريخ الحركة الوطنية وقد ظهرت هذه الأسرة في قرية الجبانة- إحدى قرى عزلة ذبحان بمحافظة تعز .