من عدن،التي كانت( قرية) حتى عام1994، وأصبحت(مدينة بااااهرة) بعد ذلك التأريخ ،حسب ما ظهر علينا قبل أيام قليلة ذلك الخطاب المدني جدا جدا، الذي أعلن للناس اكتشافه المثير بأن عدن كانت قبله( قرية) متخلفة لا تعرف المدرسة ولا المستشفى ولا الماء ولا الكهرباء وأصبحت في عصره اليوم( مدينة) متخمة بالانجازات العملاقة ، نرحب بكم لاستعراض ما ستسعفنا به الذاكرة ولو نتفاً قليلاً من تليد ماضيها (القروي) المتخلف إلى طارف حاضرها (المدني) المتطور جدا جدا.
فبعد أن كانت هذه (القرية) المتخلفة منذ مطلع القرن العشرين قبلة لكل العقول الباحثة عن العلم التنوير الديني والدنيوي، ومنارة إشعاع للفكر والصحافة والتعدد السياسي والحزبي والرياضي ونموذجا رائعا للتعايش بين مختلف قاطنيها على تعدد ديانتهم ومعتقداتهم وثقافاتهم،ودوحة يستظل بظلالها كل من يقصدها من كل الأصقاع، أضحت اليوم و بعد أن تحولت إلى (مدينة راقية جدا جدا ) بعد ذلك العام (التسعيني) تنام وتصحا على تسعف حزبي وقمع سياسي واضطهاد صحفي وتهميش ثقافي وفكري. فإصدار صحيفة حرة لا تدور بركب فرقة (حسب الله) ضربٌ من المخاطرة ونوعا من الانتحار أو سيرا على رؤوس الأصابع في أحسن الأحوال، مثلما أضحى العمل الحزبي فيها مشيا بجوار الحائط خشية من أن يرى العين الحمراء كل من يفكر بأن بمقدوره ان يعكر مزاج صاحب البلاط أو ينال من سكينة هذه (المدينة) التي تتجشأ بنادق وتعاف شهيتها الأقلام ... عجبي
وبعد أن كان لهذه المدينة ،(القرية )سابقا ميناءا ينافس اكبر موانئ العالم حركة وازدهار ،هاهي اليوم وفي زمن عدن (المدينة)توشك أن تغلق أرصفتها بعد أن سلمت لشركة غير منافسة وبطريقة صفقات (الحرامية) بحسب اعتراف رسمي وأصبح عمال هذا الميناء في مزبلة صندوق المعاشات يرتصون بطوابير لا تنتهي، ومن تبقى يوشك أن يلحق بمن سبقه... عجبي.
في هذه (القرية) وحتى أمدٌ قريب قبل عام النصر المؤز94م كان لا يعرف ساكنيها أن شيء اسمه انقطاع للمياه وان حدث انقطاع لا يتعدى ساعات قليلة تشعر السلطات حينها عبر وسائل الإعلام تنبيه للمواطنين عن وقت ومدة الانقطاع والمناطق التي سيشملها الانقطاع الذي لا يتجاوز ساعات فقط ،هذا حين كانت عدن قرية. أما بعد أن صارت مدينة فقد اصحب الناس فيها يتمنون أن يمر يوما واحدا يتوفر فيه الماء دون انقطاع وخالي من تلوثاته المقرفة، بل والأشد طرافة بالأمر ان عدن (القرية) لم تكن تعرف شوارعها وأزقتها( الحمير) كوسيلة لنقل الماء عكس حاضر عدن المدينة التي أصبحت (الحمير) تجوب شوارع المعلا والشيخ عثمان لبيع الماء وباللتر المقسط. وكذلك كان حال شبكة الصرف الصحي في عدن (القرية)، فيكفي ان نقول ان عدن كان لديها في ذلك الزمن (القروي) فرق مناوبة تحت أمرة أي قروي من قرويي هذه القرية باتصال هاتفي يتم إحضارها. أما في زمن عدن المدينة فيكفي ان نعرف ان هذه الشبكة أصبحت متهالكة، على الرغم من أن هذه الشبكة أصبحت اليوم مؤجرة للمواطنين من خلال دفعهم لما يسمى (رسوم المجاري) الباهظة السعر تضاف إلى فاتورة الماء الشهرية(تخيلوا أن يتم تأجير شبكة (البلاليع) أكرمكم الله للمواطنين، مع العلم إن تطوير هذه الشبكة غير موجود برغم ما تشفطه من أموال حرام، مع انتشار البيارات في عهد عدن (المدينة).. عجبي
وكذلك كانت خدمة الكهرباء في (قرية عدن) لا تعرف الانقطاع إلا فيما ندر فضلا عن سهولة الحصول على إدخال هذه الخدمة بعيدا عن سمسرة اللصوص عبر ما فرضوه من طريق للسرق والاحتيال أسموها (بالكلفة المشتركة) تورد مبالغها الطائلة إلى صنعاء( المدينة)... عجبي.
في عدن (القرية) التي كان التعليم حتى مراحله الجامعي مجاناً وإجباريا على الجميع، فضلا عن توزيع المنح الدراسية لمستحقيها دون رشوة أو عبر (إحراج القيادة العليا)، فقد أصبح التعليم اليوم في عدن( المدينة) وباعتراف رسمي في أسوى حالته، وكمثال وليس للحصر فقد أصبحت عمليات الغش بالامتحانات في نهاية كل عام عبر مكبرات الصوت من جوار فصول الامتحانات، وكله بفلوسه طبعا. أما المنح الدراسية فيتم منحها عبر وساطات وبيع وشراء وسمسرة لأصحاب الحظوة ،ومن يريد ان يعرف أكثر عن حال التعليم في عدن المدينة فما عليه إلا أن يبحث عن جوال الوزير(صالح باصرة) ليجد لديه الخبر اليقين، وكيف هدد مؤخرا بنشر فضائح وزارته عبر موقع ويكليكيس...
في العهد القروي لعدن كان التطبيب مجاني وللجميع ويكفي ان نقول ان الطبيب في ذلك العهد كان يضع سماعة أذنه على قلب الطبيب بينما اصبح اليوم وفي زمن عدن المدينة يضع سماعة اذنه على جيب المريض.!
في عدن( القرية) كان مشاهدة مظاهر عسكرية ودبابات وأطقم وحاملات الجُند يثير حفيظة الناس واستهجانهم على الرغم إنها (قرية) حسب توصيفهم لها مؤخرا، أما وقد أصبحت (مدينة) في عصر الحكم المدني جدا جدا، فقد أصبح منظر الدبابات والعربات والعساكر بمختلف بزاتهم العسكرية وهي تجوب الشوارع وحتى الأزقة هذا علاوة على تفحيط مواكب المشايخ والأعيان القادمين من المدينة صنعاء إلى القرية عدن سابقا المدينة حالياً، أمرا حضاريا وجزء من الهوية والثوابت المثبتة.... عجبي
في عدن (القرية) حتى عام 94م كان إحضار أي جاني أو مطلوب أمام أي جهة قضائية أو أمنية يتم عبر( ورقة استدعاء) مكتوبة ترسل عبر مراسل رسمي، كانت كفيلة لإحضار الجاني أمام غريمه للتقاضي أمام قضاء يحكم بالقانون وليس عبر تحيكم بنادق أو ذبح رأس بقري أمام مبنى حكومي أو قصر شيخ، أما في زمن عدن (المدينة) فقد أصبح إحضار المطلوب أو حتى غير المطلوب يتم عبر (طقم عسكري) مؤجرا بالزلط لا يقل عن عشرة ألف بالمهمة الواحدة،هذا في زمن عدن المدينة ولله دره من تطور( شعبٌ يحمد الله يمشي إلى الوراء) على قولة الشاعر.
في قرية (عدن) نتذكر ان ظاهرة الثأر لم تكن لها مكان وبهذه الوقاحة ،وكان مجرد التفكير بأخذ الثأر من أي خصم في هذه القرية يعتبر نوعاً من السخف وبعيد المنال لمن يرومه، أما بعد أن أمست عدن (مدينة المدائن) فقد أصبح القتل فيها نوع من التنزه والفسحة، ،حيث أصبح بمقدر القاتل أن يشتري سلاح جريمته من أطرف عسكري (طفشان) بهذه المدينة ويقتل ببرودة أعصاب ثم ينصرف إلى سوق القات. .. عجبي.
هذه فقط شذرات متفرقة من حال عاصمة اليمن الديمقراطي ( قرية) عدن، (وهنا أول مرة اعرف إن دولة عربية كانت عضوا بالجامعة العربية والأمم المتحدة كانت عاصمتها قرية)، وعينات متفرقة من حالها بعد أن أصبحت اليوم والحمد لله (مدينة ) .
ليس تطور الشعوب وازدهارها هو فقط عبارة عن بناء عمارة سكنية هنا أو سفلتة كيلو مترات من الطرق هو من صلب مهام السلطات أصلا، بل إن بناء الإنسان وإشاعة العدل وبناء مؤسسات الدولة لتقوم بمهامها بدلا عن اختزال حياة الناس ومصائرهم بمزاج السلطان وحاشيته من الحكام، وما يمنون عليه من هبات وحسنات على ألأصحاب الأصليين للأرض والثروة, فضلا عن قلبهم أي( الحكام) للحقائق بطرق تكرار الأكاذيب عن حاضر مزدهر ومستقبل أفضل، يعرف الناس انه حاضر بؤس وشقاء، ومستقبل تيه وضياع..