أربعون شاباً عبقرياً وألمعياً من شباب هذا الوطن المنكوب بحكومته وقفوا يعرضون اختراعاتهم وأفكارهم الجديدة، بهامات مرفوعة وأنوفٍ شامخة ووجوه مبشرة وواعدة.. في المعرض الأول للمخترعين اليمنيين الذي أقيم في كلية الهندسة الأسبوع قبل الماضي في جامعة عدن، لم يلتفت إليهم الإعلام الرسمي كثيراً ولم يعطهم حقهم في التعريف والإشادة والافتخار بما أنجزوه، بل مرت عليهم الكاميرات باستحياء شديد وكأنها تسقط واجباً ليس إلاّ..
بينما أمثال هؤلاء الشباب هم الوجه الحقيقي الوضاء لهذا الوطن وهم من سيرفعون غداً اسم اليمن عالياً في المحافل والمؤتمرات العلمية الدولية وهم صُبح اليمن البهي وغده المشرق بإذن الله..
هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم معيناً ووطنهم مكاناً وبالعلم وسيلة ومطية هم أولى بالتكريم من منتخب الهزائم والفضائح الكروية.. لكننا أمة لا تقدر نوابغها لأنها لا تفكر بعقلها.. لذلك فهي تنفق على "الكورة" وتستقدم لها مدربين بملايين الدولارات ليحققوا لنا الخيبات والنكسات في المحافل الوطنية والإقليمية.
في الوقت الذي تنفق الحكومة على "الكورة" بسفاهة لا حدود لها تستكثر أن تنفق عُشر ذلك على البحث العلمي وتطوير الجامعات ورفد مكتباتها بالمصادر والمراجع والوسائل العلمية الحديثة وإنشاء المعاهد والمدارس الفنية ومراكز التدريب المهني والتقني في محافظات الجمهورية.. ناهيك اللطش الذي يطال الهبات والمنح التي تخصص لهذا المجال..
إن شبابنا بحاجة إلى تعليم وتأهيل حقيقي غير هذا الذي نحشي به عقولهم في المدارس فيتخرجون لنا كتبة وأنصاف متعلمين إلا ما رحم ربي وقليل ما هم.. وعندما لا نكرم هؤلاء المبرزين بأفكارهم ولا نحتفي بهم ونسلط الأضواء على ابتكاراتهم ولا نعمل على إخراج مبتكراتهم إلى الواقع العملي أو الإنتاج الصناعي ونجعل كل إمكانياتنا تحت تصرفهم ليبدعوا.. فإننا بذلك نقتلهم معنويا وماديا ونرغمهم على الكفر بوطنهم أولاً وباليوم الذي فكروا فيه بشيء مفيد ثانياً ونجعلهم عرضة لمن يغرر بهم للهجرة أو الانحراف ثالثاً..
كيف نحتفي بمن "يزبط كورة" ونصرف لهم الملايين مكافأة ولا نحتفي بمن يعصر عقله ويسهر ليله ليطلع لنا بفكرة عبقرية ؟ إن الفكرة أنفع وأجدى من الكورة والغناء وبقية الترهات السخيفة.. ومنذ العام 1997م يوم بدء الإعلان عن إنشاء جائزة المرحوم(هائل سعيد أنعم) للعلوم والثقافة وخلال أكثر من "13" سنة من مسيرتها الرائعة وحتى اليوم نلاحظ أن كل البحوث المقدمة في المجالات العلمية والهندسية والتكنولوجيا لا ترق إلى مستوى المعايير العلمية التي حددتها الجائزة نتيجة ضعف البنية التحتية العلمية في الجامعات اليمنية لهذه المجالات.. بينما الحبل على الجرار للعلوم الأخرى وخاصة الإسلامية واللغة العربية والآداب وأمثالها.
لذلك نشكر الإخوة في مجموعة المرحوم "هائل سعيد انعم" الذين أعلنوا من خلال مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة وهذا تصريح لأول مرة يرى النور عبر هذه الصحيفة الغراء وعلى لسان الأخ مدير عام المؤسسة أمين عام الجائزة الأستاذ فيصل سعيد فارع إن المؤسسة ستتبنى في العام الجديد 2011 م تكريم الشباب المخترعين في إطار برنامجها السنوي في تكريم المبدعين وستعمل على المساعدة في تسجيل اختراعاتهم الجديدة لدى الجهات العلمية المتخصصة والمخولة في تقييم وفحص وتسجيل براءات الاختراع سواء إقليمياً أو دولياً بالإضافة إلى المساهمة في تحويل هذه الاختراعات إلى التنفيذ العملي على الواقع من التي يمكن تنفيذها في الوطن..
استغرب أنه لا يوجد حتى الآن إطار مؤسسي وطني يهتم بأمثال هؤلاء المبدعين وإخراج أفكارهم واختراعاتهم إلى العلن والاستفادة منها وحماية الحقوق الفكرية والإبداعية لهم.. كيف نستورد مدربين كورة ولا نستقدم خبراء تدريب؟ نستورد غرباء ونمنحهم الجنسية ليزبطوا لنا (الطبة) باسم الوطن ولا نستقدم معلمين وبروفيسورات يعلمون شبابنا مهارات الصناعة والزراعة والأبحاث العلمية.. ندفع ملايين الدولارات مرتبات ومكافآت لمدربين كورة التي لا تحتاج لمدرب أصلاً بينما نبخل بشدة وغباء أشد على دفع قيمة منحة دراسية في أميركا لطالب متفوق مثل(محمد العزعزي) الحاصل على معدل (99%) ليدرس الهندسة الجينية في أميركا رغم توجيهات الرئيس فجلس أكثر من سنتين يتردد بين (عدن) حيث يسكن و(صنعاء) حيث وزارة المالية التي رفضت تمويل المنحة لأنها تحتاج (25000) ألف دولار فقط في السنة ولمدة خمس سنوات وتحججت بعدم وجود اعتماد كافي لمثل هذه المنح.. فجاء الشيخ/ أحمد فريد الصريمة وسافر بالطالب على نفقته الخاصة.. بينما يوجد اعتماد كاف جداً لمبلغ (100,000) مائة ألف دولار شهرياً لمدرب "كورة" ومثلها لمساعديه!!!! هذا غير المكافآت والإجازات وتذاكر السفر وإيجار الفيلا والسيارة والسائق والخادمة الأجنبية ومصروف الجيب بالعملة اليمنية والهاتف السّيار بخط دولي مفتوح مجاناً ليفضحنا أمام خلق الله في كل مباراة تحمل اسم اليمن ثم نزيد نكافئ اللاعبين على هزائمهم التي ألحقوها بالوطن!!
تخيلوا مرتب شهر واحد لمدرب كورة كان سيغطي تكاليف منحة دراسية لمدة خمس سنوات في أميركا لنابغة يمني كان سيفيد الوطن مستقبلاً ويرفع اسمه عالياً بين الأمم..
إن نكرم المتفوقين من خريجي الجامعات ونحترمهم ونقيم الدنيا ولا نقعدها بنجاحهم وتفوقهم هو ما يجب أن يكون وليس الاحتفاء بغيرهم.. لماذا نقلد الآخرين الذين يشترون أفارقة يلعبون باسمهم فماذا جنوا وحصدوا من الكورة؟؟ زبطنا "كورة" بكافة المنتخبات العمرية فماذا جنينا غير الهزائم والسخرية الشديدة بنا وبوطننا ولو كنا أنفقنا.
هذه المبالغ على تعليم شبابنا الصناعة والزراعة والهندسة وتجهيز المعاهد والمدارس الفنية الموجودة وإنشاء معاهد جديدة لتأهيل الشباب للعمل في أسواق الخليج لكنا أفلحنا وتحسنت صورتنا أمام أشقائنا على الأقل وقبل ذلك أمام أنفسنا أولا بدلاً من هذا الضياع لشبابنا الذي نشاهده أمام أعيننا وهم يهيمون حيارى على وجوهم في الشوارع..
شباب في عمر الزهور قدوته الأولى في الحياة (ميسّي وبرشلونة ورنالدو وريال مدريد والرويشد والجسمي وأنغام..!! فهل هؤلاء هم القدوة الحسنة لشبابنا؟ هل خلقوا للرياضة والغناء وكفى؟؟ ورغم نجومية (ميسي) فإن(الأرجنتين) في الحضيض صناعيا ومثله البرتغال بلد كريستيانو.. بينما الصين لا يوجد لها منتخب يصل إلى تصفيات كاس العالم وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم ومثلها اليابان وأميركا أعطوا الأولية كلها للعلم والتصنيع والزراعة وبقية مجالات الحياة وليس للكورة والغناء..
لماذا لا يكون البروفيسور خالد نشوان وكذا عبدالله فارس وغمدان الآنسي وأمثالهم القدوة الحسنة لشبابنا في الابتكار والنجاح فهما أول من ابتكرا الجيل الثالث لمحركات البحث الآلي عبر الكمبيوتر وقاما بتعريب كمبيوترات شركة (آبل ماكنتوش) ولماذا لا يكون (مهاتير محمد) صانع المعجزة الماليزية هو القدوة لنا في صناعة المعجزات الاقتصادية؟ ولماذا لا يكون (عبد القدير خان) في باكستان القدوة في كيفية صنع أسلحة تردع الطامعين في أرضنا وعرضنا ووطننا؟
لدينا الكثير من القدوة والقدرات بين شبابنا ولا يستفاد منها أو حتى يسلط الضوء عليها.. كم منكم سمع بعالم الزراعة اليمني البسيط (هود عاشور باسيود) في سيئون؟؟ هل استفدنا من خبرات هذه الرجل في طرق ابتكاراته لمعالجة أمراض النخيل والمزروعات وطرق تخليق عدة أنواع من الشعير..هل رآه أحد منكم عندما كانت قناة (السعيدة) مشكورة تعرض علينا تجاربه بكل تواضع وبساطة في مشاتله المتعددة وبين شجيراته ونخيله الباسقات ذات الطلع النضيد.. هل تذوقتم أنواع البلح التي قام بتعديل طعمها وراثياً؟
هذا العالم لو كان في بلد آخر لكان ثروة وطنية يحظى بكل التقدير والاحترام وهو كذلك في كل وادي حضرموت فقط حيث يعرفون قدره ومكانته.. فلماذا نجعل الرياضة والغناء من مجرد وسيلة لهو مباحة إلى غاية ومستقبل ومصير وقدوة حسنة ومثل أعلى لشبابنا؟ فماذا سيحدث لو وفرنا اعتمادات (المرياضة) وصرفناها في تجهيز وإنشاء الكثير من المعاهد الفنية والإدارية واللغات والهندسة والعلوم التطبيقية والمعاهد الصحية والتمريض والولادة ومراكز محو الأمية وتحسين حالة المشافي وزيادة أعدادها ومكافحة الأوبئة وتحسين الزراعة واستصلاح الأراضي وإيجاد فرص عمل للشباب وتأهيلهم للعمل خارج الوطن أليس هذا انفع واشرف للشباب والوطن والمستقبل؟
وختاما أقول لأبنائي الشباب المخترعين.. مرحى مرحى لكم نحييكم ونشد على أيديكم ونقبل جباهكم الوضاءة فرداً فرداً فأنتم وأمثالكم النجوم والكواكب الحقيقية في سماء الوطن حتى وإن لم يكرمكم أحد فأنتم الأكرم وأنتم أكبر وأجل من التكريم ذاته وأنتم الفجر الآتي والغد المشرق للوطن وبكم لا بسواكم ترتفع الهامات وتشرئب الأعناق ويزهو الوطن وتتفتح الأزهار وتنضج الثمار.