هكذا هي أمريكا في تعاطيها مع حلفائها بالعالم، تستر عورة الحاكم ما بقي لها طائعا حاميا لمصالحها في بلده وجاعلا ثروات شعبه تحت تصرف شركات الهيمنة الأمريكية ، فتغض الطرف عن فساده وفساد حاشية حكمه وقمعه لكل صوت يعارض سياساته حتى وان وصل الأمر إلى ارتكاب جرائم إبادة بحق شعبه..
فليس الأمر في نظر أمريكا يستحق الالتفات إليه، طالما وان كل هذا يتم بعيدا عن مماس دائرة المصلحة الأمريكية ولا يقترب إلى حافة أبار النفط ومخزون الغاز الطبيعي ، وطالما بقي بطش الحاكم بشعبه لا يؤثر بانسيابية دخول وخروج قواتها من و إلى هذا البلد، ولكن هذا الغطاء الأمريكي على كل الانتهاكات التي يرتكبها هؤلاء الحاكم سرعان ما يزول بمجرد أن يكون هذا الحاكم قد أصبح منتهي الصلاحيات ولا يقوى على الحفاظ على دائرة حكمه فضلا عن عجزه على الحفاظ على مصالح أمريكا، وأصبح بالتالي عالة عليها والتسليم في نهاية المطاف بحقيقة ان الحفاظ على مثل هؤلاء الحاكم إلى ما لانهاية هو ضربٌ من المستحيل..
ولقد رأينا كيف تخلت عن أصنامها في اندونيسيا حين تركت سوهارتو يواجه مصيره المخجل في فوهة بركان الغضب الشعبي لشعبه الذي أوسعه نهبا وفساداوتنكيل طيلة أربعة عقود مريرة، بعد أن ضلت حامية له ولعشيرته الاقربون،وهي تعرف جيدا سوء حكمه وفساده وبطشه، وكانت قبل ذلك بأكثر من عقدين من الزمن قد تخلت عن اقرب حلفائها بمنطقة الشرق الأوسط حين لم تقبل حتى ان يلوذ إليها حليفها الفار من ثورة الشعب الإيراني (شاه إيران) المخلوع،لولا أن سارع السادات لحاجة في نفسه بقبوله كضيف إلى حين، والحالة مشابهة بمصير (بينوشيت) الأرجنتيني الذي سام بلاده وشعبه سؤ العذاب بحماية أمريكة وغطاء غربي قبل ان ينتهي به المطاف أمام بوابات محاكم لاهالي فوق كرسي المعاقين حركيا، بعد إسدائه خدمة مجانية لأمريكا واسقط عام 73م النظام التقدمي برئاسة الثائر (سلفادورألليندي) المقاوم للهيمنة الأمريكية على بلاده وبلاد القارة اللاتينية جمعا.
وآل مصير رجل أمريكا دكتاتور أقصى الشرق( الفلبين)ماركوس بمعية زوجته (اميلدا)عام 86م بعد ان طغى وتجبر برعاية أمريكية وغربية ايضا، ولكن زلزلة الشعب كانت أقوى وأعتى من حكمه المتهاوي إلى هوة ما لها قرار.
ومن نافلة التأكيد على صدق ما نقوله فإننا نورد أيضا نموذج للدكتاتور المقبور( سياد بري) وكيف ضل لعقود يبطش بشعب مسحوق مثل شعب الصومال تحت مظلة الحماية الأميركية التي حولت هذا البلد إلى مجرد ساحة لمناورات قواتها العسكرية تحت مسمى ما كان يعرف بمناورات (النجم الساطع) بغية الهيمنة على منطقة تعتبر أهم منابع الطاقة بالعالم ومحاولة السيطرة على منفذ بحري هام كباب المندب..
ولكن حين أزفت ساعة التغيير الدولية ولم يعد ثمة حاجة لإقامة مثل هذه المناورات ولم يعد لبقاء قوات كبيرة في هذا البلد القاحل أهمية تذكر بعد ان تغير المشهد الدولي وتهاوى المعسكر الاشتراكي الذي طالما أرهق أمريكا لعقود، سرعان ما أدارت أمريكا ظهرها لهذا الطاغية وتركته مثلما تركت شعبه يهوي في مكان سحيق، فلم يعد لقنينة ويسكي أمريكي فارغة حاجة للاحتفاظ بها.
أما في العراق، فبعد أن كان صدام حسين الفتى الأمريكي المدلل بعقدين كاملين تقريبا بالمنطقة لتجعل منه رأس حربه بنحر إيران الثائرة بوجه الطاغية (الشاه) فقد كانت نهايته الأليمة على يد حليفه الاستراتيجي أمريكا، ولم يجديه نفعا تمسحه برداء الزعيم المقاوم الرافض للتدخل الأمريكي بالمنطقة وهو من حارب ثمان سنوات تحت حماية أمريكا، ولم ينقذه العزف على وتر تحرير القدس الذي حاول إقناع العرب عبثا إن الطريق إلى القدس تمر من بوابة كاظمة، وكانت خاتمته على النحو الذي شاهدنها، وان كان قد نال طفيف من التعاطف على الساحة العربية فقد نالها كونه اعدم على يد أمريكا وفي مناسبة دينية فقط،وغير ذلك فلم يتأسف عليه سوى القلة المخدوعة ببطولات وهمية زائفة.
هذه أمثله فقط للتدليل على كيف ان أمريكا تحمي الطغاة وقوى الاستبداد إلى حين ومن ثم ترمي بهم إلى قارعة الهوان بمجرد أن يكونوا عاجزين عن حماية مصالحها ,ومن يود يسبر اغوار هذه السياسة المهينة التي تنتهجها أمريكا ازاء حاكم من على هذه الشاكلة فما عليه الا ان يخوض في وثائق موقع ويكليكس الفاضحة.
و حين تنتج إرادة الشعوب عبر الانتخابات أنظمة بعيدة عن الولاء الأمريكي فأن أمريكا تذهب وبكل وقاحة لإجهاض نتائج الانتخابات بتواطؤ داخلي مثلما حصل في الجزائر مطلع التسعينات بفوز جبهة الإنقاذ ذات التوجه الإسلامي قبل أن يسحقها الجيش دون أن تنبس أمريكا ببنت شفة، ونفس التعاطي حصل تجاه فوز حركة حماس في الأراضي الفلسطينية،وكذلك تزين للحاكم العرب اليوم انقلابهم على إرادة شعوبهم بانتهاكهم للدساتير وتوريث المناصب للحاشية، وكل ذلك لن يتم إلا بعد استلام إشارة الضوء الأخضر من شرفة البيت الأبيض ،ولتذهب إرادة الشعوب إلى السعير إن لم توافق هوى راعي البقر الأميركي.!
اليوم أمريكا يعتريها الهلع والخوف على حلفائها من الحكام العرب بالمنطقة العربية، ونراها تهرع حثيثا لمد أسباب البقاء لهؤلاء الحكام، خشية من الغضب الشعبي العارم الذي بدأ يتشكل اليوم على مستوى الشارع العربي من أقصى المغرب العربي حتى أدنى مشرقه، فبذريعة مكافحة الإرهاب تحشد أمريكا قواتها جوا وبحرا وبرا لحماية هذه الأنظمة من شعوبها الساخطة من فسادها وبطشها وتبعيتها للغرب الذي يمتص ثرواتها ويطيح بمستقبل أجيالها..
ولكن من واقع منطق التجارب حين تعلم أمريكا أن هؤلاء الحكام الذين تحاول أن تستر عوراتهم المكشوفة بورق توت متساقط وعلى حساب الصورة الحضارية التي تحاول أن تسوق نفسها لدى العالم من إنها رمزا للعالم الحر ورائدة للديمقراطية وحامية للحقوق والحريات بالعالم، وهي تتحالف وتحمي أعتي وأبشع أنظمة القمع والاستبداد والفساد بالعالم فقط لأن هذه الأنظمة قد حفظت لها مصالحها، نقول انه حين تعلم أمريكا إن هؤلاء قد أصبحوا عبئا ثقيلا عليها ولم يعد من بقائهم ودعمهم مصلحة تذكر،فإنها لا تتورع في التخلي عنهم ورميهم في مكبات فضلاتها، ولسان حالها يهتف:اذهبوا إلى الجحيم لتجدوا أسلافكم هناك.
:خاتمة مع الشاعر الثائرأحمد مطر
قُتلَ ( السادات ) . . و(الشاةُ) هرب
قُتلَ ( الشاةُ ) . . و( سو موزا) هرب
و( ا لنمير يُ) هرب
و(دوفا لييه) هرب
ثمّ ( ماركوس) هرب
كُلُ مخصيّ لأمريكا
طريدٌ أو قتيلٌ مُرتقب
كُلُهم نِمرٌ , ولكن من خشب
يتهاوى عندما يسحقُ رأسَ الشعبِ فالشعبُ لهب
كلّ مَخصيّ لأمريكا على قائمةِ الشَطبِ
فعُقبى للبقايا من سلاطين- العرب