أرشيف الرأي

نعم.. لسنا مصر ولا تونس

كم يرى اليمنييون أنفسهم في الآخرين خاصة إذا كان هذا الآخر ثائرا أو مظلوما، نعشق صورة المظلومية ونتصورها دائماً في أنفسنا عندما نرى الفلسطينيين والأفغان والعراقيين حتى تصورنا أنفسنا هدفا للأمريكيين حتى بدون مبرر.

اليوم نتصور الجيش اليمني هو ذاته الجيش المصري اوالتونسي وعلي محسن الأحمر هو الطنطاوي أو رشيد عمار، لكنه للأسف ليس كذلك ولايجوز التوهم بإن الجيش اليمني مؤسسي مثل سابقيه أو جيش نظيف بلاحروب أهلية وفساد مثل سابقيه. فهل يجوز اليوم أن نذكر بتاريخ علي محسن الأحمر الاسود؟ لايهم، لكن يكفي التذكير إنه شريك أساسي لعلي عبد الله صالح في الحكم وقائد معركة الأرض المحروقة في صعدة وهي جزء من اليمن لاجزء من أرض عدو خارجي.

هذه المشكلة لها علاقة بأزمة حقيقية في طبيعة تفكير اليمنيين ناتجة عن كون علاقتهم بالعالم لازالت سلبية فاليمن لازالت دولة معزولة ولايعني دخول التلفزيون والانترنت إنها صارت جزء من العالم، بل نحن قطعة منبوذه في الجزيرة العربية ولاننظر للبحر بإعتباره نافذة واسعة للعالم بل اغلقنا أهم منافذه وهي عدن وصرنا مجرد متلقي للحدث العالمي يتماهي معه ويقلده بأفق ضيق لايتسع لأي اختلاف ناهيك عن خلاف.

خرجنا مستلهمين النموذج المصري.. البعض يريد أن يكون وائل غنيم وآخرون رغم أنف الجيش اليمني يريد أن يجعله مثل المصري لكننا نموذج مختلف. نحن دولة لاتوجد فيها مؤسسات قوية واجهت الطغيان الجبار الذي جثم على الصدور مثل مصر أو تونس بل دولة تمتلك مجتمع قوي هو من تحمل العبء الأكبر في مواجهة الطاغوت الحاكم. إذن قوتنا تكمن في المجتمع وليس بالجيش أو أي من مؤسسات الدولة وهي جميعها جزء من النظام لاتنفصل عنه. فنحن بيئة لاتنقصها الحرية لم نتعرض لاهانات الشرطة مثل تونس ومصر بل بيئة ينقصها الانضباط والتنظيم.

علينا تحديد أولوياتنا كما هي ليس كيفما شاءت مصر وتونس، نحن في أمس الحاجة لتنظيم في بيئة شديدة الصعوبة وخطورة النظام مستمدة من إرث تاريخي ثقيل لايمكن تجاوزه بسهوله. توحد اليمنيون لأول مرة منذ عام 90 لكنه توحد هش وظاهري في مواجهة عدو مشترك ولكن ليس في صياغة هدف مشترك. لذا الشباب المستقل والشريف الذي اشعل شرارة الثورة هو المسؤول بالصياغة التنظيمية للثورة التي بدأ يختلط فيها الحابل بالنابل وصرنا نرى وجوه معروفة بالفساد تتصدر المشهد، الثورة في هذه الحالة قد تنجح في اسقاط الرئيس ولكن ليس النظام وهنا مكمن الخطورة بنصف ثورة تتعثر مثلما تعثرت ثورات اليمن السابقة والوحدة فيما بعد.

هذا الشباب لابد له من ايجاد مخرج تنظيمي للحالة العبثية الحاصلة وتعطيه شكل من الجدية للخارج. وهذا أمر ليس بمستحيل لشباب استطاع أن يحقق نصيب من المصداقية ورصيد من النجاح في الساحة يؤهله للقيام بهذه المهمة الشديدة الصعوبة لكي ينجح في تحديد أولوياته وماهي الشروط التي يمكنه القبول بها من الرئيس علي عبد الله صالح ومايجب رفضه وكيفية الرفض بشكل ايجابي، لأنه في النهاية هامش المناورة ضعيف فالرئيس محكوم بالحسابات الدولية التي تمنعه من استخدام العنف والشباب محكوم بالبيئة المتفجرة التي يعمل بها، لذا كما حدد الرئيس أولوياته بمصالحه الشخصية فعلى الشباب أن يحدد أولوياته بحسب بيئته ومايراه أقل الضرر حتى لاتمتد الأزمة وتضر البلاد أكثر مما تنفع أو تتشعب بشكل يصعب السيطرة عليه.

* كاتبة يمنية مقيمة بالقاهرة

زر الذهاب إلى الأعلى