[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

أزمة الرؤساء.. المصداقية

خرج الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، أمس، قائلا لمعارضيه: إن من يرِد الحكم فعليه أن يذهب إلى صناديق الاقتراع، وليس من خلال الشارع. لكن السؤال هو: أين مصداقية صناديق الاقتراع، سواء في اليمن، أو مصر، أو تونس، أو سوريا، أو غيرها من الجمهوريات العربية؟

الإشكالية التي تواجهها الأنظمة الجمهورية في العالم العربي اليوم ليست لأن الشعوب تريد التغيير وحسب، أو تطالب بالإصلاح، بل إن الإشكالية تكمن في انعدام الثقة والمصداقية بين الحاكم والمحكوم، وهو أمر رأيناه، تحديدا، في الدول التي تتعرض لزلزال المنطقة السياسي.. ففي مصر، بلغ حد التزوير في الانتخابات الأخيرة مبلغا قلب قواعد اللعبة كلها، و«على عينك يا تاجر»، ناهيك عن الإصرار على التوريث. وعلى الرغم من كل ما قاله مبارك إبان ثورة مصر، فإنه لم يكن له أي مصداقية في الشارع، بل إن المرة الوحيدة التي نجح فيها مبارك بالوصول إلى مشاعر شريحة عريضة من شعبه في أحد خطاباته التي تعهد فيها بتحقيق مطالب الشعب، صدم الناس في اليوم التالي ب«موقعة الجمل».

وفي اليمن، هاهو الرئيس يحكم فوق العقود الثلاثة، ثم يخرج قائلا: إن من يُرِد الحكم فعليه أن يذهب إلى صناديق الاقتراع!

وفي سوريا يخرج الرئيس، وأعضاء حكومته، متحدثين عن المطالب المشروعة لشعبهم، ثم فجأة يتحول حديث الإعلام الرسمي عن أن ما يحدث في سوريا مؤامرة خارجية، ويقوم الأمن بقتل 850 من السوريين، واعتقال ما لا يقل عن 9 آلاف من الشعب، ثم يعود النظام للقول، قبل أول من أمس: إنه، بناء على تعليمات الرئيس، فقد صدرت تعليمات حازمة وجازمة للأمن بعدم إطلاق النار، إلا أنه تم إطلاق النار، وقُتل متظاهرون!

والأمر نفسه كان في تونس بن علي؛ حيث لم تفد كلمة «فهمت عليكم»؛ لأن الثقة كانت مفقودة تماما. أما في ليبيا فالمصداقية لم تكن موجودة أساسا بين الحاكم والمحكوم حتى تُفقد، ويكفي هنا تذكر مقولة القذافي يوم خرجت الثورة الليبية؛ حيث قال إنه سبق أن عرض على الليبيين أن يتولوا شأن النفط بأنفسهم، لكن الشعب رفض.. ولا نعلم تحت أي تصنيف يمكن إدراج هذا الحديث، هل هو طرفة، أم...؟!

الشاهد أن الأزمة هي أزمة مصداقية؛ فالوعود عمرها عقود. فلا حاربت بعض تلك الأنظمة عدوا، ولا بنت أوطانا، بل قمعت شعوبها، ولو تم احترام صناديق الاقتراع وكرامة الناس، لما وصل حال منطقتنا إلى هذا الحد. والأدهى أنه في عالمنا العربي خرجت جمهورياتنا بمعادلة عجيبة، وهي لبنانية بالطبع؛ حيث «لا غالب ولا مغلوب». فمن يخسر الانتخابات يستمر في الحكم وتحت تهديد السلاح، مثل حزب الله، أو بضغط من إيران مثل حكومة نوري المالكي في العراق.

أزمة جل الجمهوريات العربية مع مواطنيها تلخصها المقولة الشهيرة: «لا يحزنني أنك تكذب عليَّ، ما يحزنني أنني لم أعد أصدقك»، وهذا لسان حال تلك الشعوب؛ لذا فإن وضع منطقتنا محزن ومخيف؛ لأن من يكذب لا يهمه القتل والتعذيب؛ فالكذب يهدم القيم كلها، أيا ما كانت.

زر الذهاب إلى الأعلى