الشباب في الساحات يعيشون اليوم حالة ترقب وانتظار ما الذي سينبثق عنه فجر اللعبة السياسية وقد أضحوا ريشة في مهب رياحها .. ينتظرون الجديد بدلا من أن يحققوه .. يترقبون الحدث القادم عوضا عن أن يصنعوه .. فرض عليهم السياسيون منحى أخر غير إسقاط النظام ومحاكمته إلى محاورة النظام ومغادرته ..
الثورة اليوم أضحت ضمن الأجندة السياسية خاضعة للتفاوض والتدخلات العربية و الدولية وخيوطها تشعبت وصارت بيد العديد من الذين يجيدون لعبة الشد والجذب وكل طرف يحرك عروس اليمن بما يمسك بها من الخيوط كيفما شاء .. وأهل السياسة في بحرها يسبحون ومن ماءها العكر يشربون .. وعلى نتانة طينها ينامون ولا يفكرون في حالة هؤلاء الشباب في الساحات .. شباب مخلص غيور .. وطني جسور .. وكثير منهم لا يجد ثمن كوب شاي وقد تراكمت عليه الديون وغير ذلك من المشاغل والهموم .. وينظرون إلى الفرج القادم فلا يظهر وقد طال بهم القهر .. الثورة اليوم ميدانها طاولات المفاوضات والحوار لا ساحات التغيير والإصرار .. التغيير قادم بقرار من سوق عكاظ لا من مخيمات الأحرار .. صار عند الكثيرين قناعة أن الثورة الشبابية اليوم هي ورقة ضغط فقط يستخدمها وجهاء السياسة للوصول إلى نقطة وفاق وخطوط اتفاق وأنها كملايين الشعب اليمني تنتظر ما الذي سيسفر عنه الغد من حلول ومخارج .. والثورة عند البعض لم تطح بعلي صالح بل أطاحت به ضربات حاشد وقذائف يوم الجمعة .. وعند البعض الأخر أن اللقاء المشترك هو الذي أخر نصر الثورة الشبابية باللجوء إلى المبادرات ولولاه لكانت قد انتصرت منذ زمن وحققت هدفها الرئيس إسقاط النظام ..
ولكن هل ثورة الشباب كيان شعبي مستقل يدير الأمور باقتدار؟! أم هم شباب لهم انتماءات سياسية محددة ومرجعية تنظيمية مؤكدة ؟ فلقد رأيت شابا في مؤتمر صحفي يعلن باسم مجلس ثورة الشباب أن أمام نائب الرئيس عبد ربه منصور24 ساعة ليشكل مجلسا انتقاليا وإلا فإنهم سيشكلونه بأنفسهم .. وهذا الشاب صاحب انتماء سياسي معروف ولا يستطيع مطلقا أن يقدم على تشكيل لجنة صغيرة ناهيك عن مجلس انتقالي إلا بأخذ الموافقة الكاملة من قياداته التنظيمية.. وهو كذلك سؤال يجيب عنه واقع الحال ففي شبوة مثلا أجد كل الثابت على التواجد في مخيم التغيير هم شباب كيان سياسي محدد .. إلا ما كان من وجود عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة يعرفون بشباب التغيير يتواجد منهم على الدوام المشرف الأستاذ صالح الكديم والذي يشكل لوحده بمواقفه المشرفة ثورة بذاتها ..
والأمر عينه ينطبق على بقية الكتل الخمس المنضوية تحت مسمى اللقاء المشترك فليس لهم تواجد فاعل في المخيم ولا هم ضمن أفراده الذين يرابطون فيه ويبيتون .. إلا ما كان من تواجد مؤثر وقوي لأحجار بناية الحزب الاشتراكي التي يقع فيها جزء كبير من النشاط بينما يكتفي بعض رموزهم بحضور مسيرة أو إلقاء كلمة بين الحين والأخر .. وأما بقية الأربعة من المشترك فليس لهم عندنا ينبوع ولا ساقية .. وأنا هنا لا أتكلم عن الاتفاقات السياسية والتنسيقات التنظيمية فيما بينهم على مستوى القيادات العليا من خلال التواجد الجزئي والمعنوي وغيرها من الترتيبات وإنما أتكلم عن الأساس القائم عليه العمل .. تخطيطا وتنظيما وأداء ومتابعة .. وأنا أثق تماما أن مثل هذا هو السائد في بقية المحافظات بنسب متفاوتة تميل جميعها إلى كيان واحد .. هم قادته ورجاله .. وهم لجانه وجباله .. ويقع عليهم الجانب العملي والقلق النفسي بينما يكتفي أكثر البقية بالتنظير والتحليل من بعيد أو الحوار والتشاور من قريب ..
وهذا الواقع الموجود لا يلغي فاعليتهم وجهدهم ولا يشكك في وطنيتهم وإخلاصهم لقضية الوطن .. ولا يعني إلغاء وجودهم والانقلاب عليهم كشركاء في مواجهة المحن .. ولكنه مجرد وضع النقاط على الحروف .. فكم قيل أن اللقاء المشترك قفز على ثورة الشباب واستثمر جهدها لصالحه ولم يقدم شيئا لها بل أنه قد عرقل مسيرتها نحو النصر .. والصحيح أن الإصلاح قدم أعظم شيء في هذه المرحلة فقد ترك اسمه وعلمه ككيان لا يخفى ولا يختفي قي الملاحم والمواجهات وسار مع الآخرين بما تسموا به مقنعا جميع أعضاءه بأن ينسوا انتماءهم التنظيمي في ساحات التغيير لأن الثورة اليوم ثورة شعب ووطن .. والإصلاح لا يحتاج ككيان سياسي أن يحمله أحد .. بل هو بكل أريحية وتجرد قد حمل اللقاء المشترك والشباب على أكتافه وسار بهم بهمة رجاله وشبابه ونساءه وفتيانه إلى حيث يراه الأفضل للبلاد .. وليس في ذلك أي مَنّ ٍ أو أذى ولكن ليُعرفَ الماء من السراب.
وسنرى جميعا بعد تحقق المراد كيف ستفرغ الساحات من روادها بمجرد إشارة واحدة من القائد السياسي محمد قحطان وفي مقدمة المغادرين القائدة الشعبية السيدة توكل كرمان .. لأنهم شباب منظم متماسك البنيان .. ولئن تسموا بما شاءوا .. الشباب أو الشيوخ .. فهم رأس التغيير والكفاح .. هم أساس الثورة حقا .. شباب التجمع اليمني للإصلاح .. هذا هو الواقع .. وليرض من أحب وليغضب من أراد .