لم يكن هناك أي مفاجأة على الإطلاق في عودة الرئيس/ علي عبدالله صالح فجر الجمعة قبل الماضية إلى صنعاء تماماً مثلما لم يكن مفاجئاً على الإطلاق عدم تضمن خطابه عشية عيد ثورة 26 سبتمبر أي جديد...
صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية طلبت منه عدم العودة إلى اليمن لعدة أسباب وصحيح أن صحته ومقتضيات مرحلة التعافي والنقاهة من آثار الحادث تتطلب منه البقاء في بيئة صحية خاصة قد لا تتوفر له داخل اليمن، إلا أن من يعرف الرئيس صالح وطباعه جيداً يدرك أنه لن يقبل أي إملاءات تفرض عليه فعل شيء غير مقتنع به، في حين أنه يمكن أن يفعل ذات الشيء المطلوب لكن بطريقته وإخراجه هو وفي الوقت الذي يحدده بنفسه بحيث ينسب الفضل له لا إلى من طلب منه فعل هذا الشيء... وبالقدر ذاته فإن المتفائلين الذين تصوروا أن الرئيس صالح كان سيعلن استقالته أو نقل صلاحياته لنائبه في خطابه الذي ألقاه عشية العيد الـ49 لأول ثورة يمنية قضت على حكم الفرد والعائلة في 26 سبتمبر 1962م كانوا مخطئين، بلا شك فالرئيس صالح يلقي عادة خطاباً تقليدياً سنوياً في هذه المناسبة لا يتضمن أي مفاجآت إلا، فيما ندر ولم يكن متوقعا بحال من الأحوال أن يلقي قنبلة من نوع استقالته أو نقل صلاحياته في خطاب كهذا... بل إنه لم يتطرق حتى لأسباب عودته رغم أنه أكد أن حالته الصحية مستقرة لكنه لازال بحاجة لمزيد من التأهيل – بحسب عبارته – وبالفعل فقد بدا متعباً في ذات اليوم عند استقباله منتخب الناشئين بحضور طبيبه الخاص وهو أمر يحدث للمرة الأولى في لقاء عام يجري داخل اليمن... ولقد تعمد الرئيس صالح في ذلك الخطاب الذي انتظره العالم كله أن يؤكد التزامه بالمبادرة الخليجية واستمرار تفويضه لنائبه عبدربه منصور هادي بتوقيعها في محاولة واضحة لتخفيف حدة الانتقادات الإقليمية والدولية له منذ عودته إلى صنعاء التي اعتبرتها تلك الانتقادات مؤشراً سلبياً باتجاه المزيد من تعقيد الأزمة القائمة.
وهاهو قد مر أسبوع كامل منذ عودته اتسعت خلاله المسافة بعيداً عن إمكانية توقيع المبادرة، مما يجعل تشاؤم المحيطين الإقليمي والدولي في محلهما... ودون كلل أو ملل ودون جدوى أيضاً يبذل الرئيس صالح وطاقمه جهوداً لا معنى لها لإقناع الداخل والخارج بأن المعارضة هي من يعرقل توقيع المبادرة وتنفيذها (!) فهو يخاطب علماءه المجتمعين بحسب ما جاء في سبأ بأن (جهود ومبادرات الأشقاء والأصدقاء لحل الأزمة قوبلت بالتعنت والرفض) وكأن المعارضة هي من يرفض توقيع المبادرة، ويطلب منهم فتوى بشأن الرافضين للحوار والخارجين على الشرعية الدستورية... فيما نائبه يلتقي بالسفراء الخليجيين والدوليين ليقول لهم إن لقاءه بهم هو (فاتحة خير للتنفيذ العملي للمبادرة الخليجية) وفي لقاء سبق هذا اللقاء بيوم واحد مع السفير الأمريكي يقول النائب إن (اللجنة الأمنية العسكرية ملزمة بالتهيئة لبحث آلية تنفيذ المبادرة الخليجية) مع أن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة يؤكد اتفاقه عليها مع النائب والمعارضة... وفي الوقت ذاته يتهم وزير الخارجية المعارضة من على منبر الأمم المتحدة بأنها تفتعل الأزمة القائمة، الأمر الذي يعطي مؤشرات من خلال كل ما سبق على أن النظام يتجه لاستخدام القوة المسلحة لقمع الثورة الشبابية مستنداً على فتوى شرعية حكومية واتهامات للمعارضة يحاول تسويقها للعالم دون جدوى حيث شهد الأسبوع الماضي أقسى حملة إقليمية ودولية ضد الرئيس صالح ونظامه منذ اندلاع الثورة الشبابية قبل تسعة أشهر... والأمر الذي يؤكده العالمون ببواطن الأمور بأن النظام سيمضي في الخيار العسكري وهو متمسك بالمبادرة الخليجية في الوقت ذاته، فإن نجح في خياره المسلح كان بها ما لم فسيذهب للتوقيع على المبادرة ليتمتع بالحصانة القضائية الواردة في بنود المبادرة وهو على ثقة أن المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي سيرحب بذلك حتى ولو أدت مغامرة الحسم العسكري إلى خراب نصف البلاد!.
يبدو الوضع الحالي كما ألمحنا الأسبوع الماضي نتاجاً للمرونة البالغة التي أبداها ويبديها المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي مع النظام بغرض تجنيب اليمن صراعاً مسلحاً وهي ذاتها – أي هذه المرونة – التي ستقود اليمن إلى هذا الصراع في ظل الزئبقية الساخرة التي يتعامل بها النظام مع الخليج والغرب والأمم المتحدة ومحاولاته المكشوفة لكسب الوقت... ورغم ما يقال مؤخراً بأن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لليمن جمال بن عمر لم يعد لديه من خيار بعد أن فاض به الكيل سوى مغادرة صنعاء خالي الوفاض بهدف استصدار قرار دولي بتنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية - التي اتفق عليها مع نائب الرئيس والمعارضة - تحت الفصل السابع ولا يستبعد أن يتم التلويح بعدد من الإجراءات ضد الحكومة اليمنية من نوع تجميد أرصدة قادة النظام وحظر استيراد الأسلحة وتحريك ملف المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من الإجراءات القاسية بهدف الحيلولة دون إشعال النظام لصراع مسلح في اليمن والمضي في تنفيذ المبادرة دون أي تلكؤ أو تلاعب خاصة أن الموعد الذي كان تم اقتراحه لإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة هو 25 ديسمبر القادم أي قبل نهاية العام... فهل تنجح دول الخليج ودول الغرب والأمم المتحدة في إنقاذ اليمن من المغامرات العسكرية التي يريد النظام خوضها في الفترة القادمة؟!.