إن كنت ساكنا في العاصمة الألمانية برلين أو زائرا لها .. وخطر ببالك أن تتمشى في نهاية الأسبوع في شوارعها و أن تقوم بجولة تزور خلالها ساحاتها و معالمها السياحية فإنك و بلا شك لابد أن تشاهد العلم اليمني مرفوع في ساحة ما من ساحات المدينة و على الأغلب ستكون في الساحة العامة أمام بوابة براندنبورغ الشهيرة في برلين ..
وان شعرت بإزدياد خفقان قلبك لمنظر تلك الاعلام التي تسلب ألباب عشاقها كما شعرت أنا .. فإتجه صوب
تلك الاعلام و أضمن لك أن تعيش جوا غير ذاك الذي ألفته في مدينة كبرلين .
تحت الأعلام المرفوع بشموخ يبعث على الفخر ستشاهد مجموعة من الناس أغلبهم من الشباب - ذكورا و إناثا - حين تقترب منهم أكثر و تتأمل في تفاصيل وجوههم التي يملأها الحماس.. و تستمع إلى هتافاتهم التي تكاد تُسمع كل أرجاء المدينة الأكبر في ألمانيا سينتابك إحساس غريب ، إحساس سينسيك للحظات أنك في قلب القارة العجوز .. ففي تلك اللحظات لن ترى تلك الوجوه الأوربية التي تملأ المكان ، و ستتناسى كل تلك الشقراوات الاتي وقفن بجانبك ينصتن بإهتمام و ينظرن بتمعن للصور و اللافتات التي يحملها حاملوا الأعلام .. في تلك اللحظات ستفقد احساسك بعظمة مدينة برلين و ستشعر أنك انتقلت فجأة إلى ساحة تغيير حقيقة كتلك التي تشاهدها في صنعاء أو تعز أو عدن.
منذ البدايات الأولى للثورة الشبابية السلمية في اليمن في شهر فبراير الماضي كانت الجالية اليمنية في ألمانيا عموما و الطلاب الدارسين فيها خصوصا من السباقين في الانضمام للثورة .. و رغم بُعد المسافة بينهم و بين ساحات الاعتصام في العاصمة صنعاء و مدن اليمن الاخرى .. تلك المسافة التي ربما قد رأها البعض في الدول الأخرى عائقا للمشاركة الفعالة في الثورة .. لم يرى شباب وشابات اليمن في ألمانيا هذه المسافة و هذا البُعد عائقا بل اعتبروهما ميزة قرروا من خلالها إيصال الثورة اليمنية في بث حي بالصوت و الصورة إلى المجتمع و الحكومات الأوربية ، فاتخذوا من ساحات برلين ساحات تغيير و حرية أقاموا و ما يزالون يقيمون فيها العشرات من الإعتصامات و الواقفات الإحتجاجية الأسبوعية في نهاية كل أسبوع منذ بداية الثورة إلى الآن ، هذا إلى جانب الإعتصامات الطارئة كتلك التي أقاموها في جمعة الكرامة أو في أحداث 18 سبتمبر و إلى جانب العديد من الوقفات و الإعتصامات في مدن ألمانية أخرى كهامبروغ و بون و فرانكفورت وغيرها ، و لعل ابرز تلك الاعتصامات الطارئة هي تلك الوقفة الإحتجاجية الحضارية التي قاموا بها أمام الفندق الذي أقامت فيه السفارة السعودية احتفالا بمناسبة عيدها الوطني و دعت اليه كبار المسئولين الألمان و سفراء دول العالم .. فكان لوقفتهم بالغ الاثر في احراج النظام السعودي أمام الرأي العام الألماني و العالمي جراء ما يقدمه من دعم لنظام صالح و جرائمه .
كما لم يقتصر عمل هؤلاء الشباب الذين تجمعوا تحت شعار ( من أجل يمن جديد ) في دعمهم للثورة على إقامة الاعتصامات و الوقفات الإحتاجية بل قاموا بإرسال العديد من الرسائل إلى العديد من الجهات الألمانية والأوربية و الأمريكية .. إلى جانب انتزاعهم في مارس الماضي إعترافا من سفير اليمن في ألمانيا بالثورة الشبابية و التي أعلن إنضمامه اليها إلا أنه تراجع عن هذا الانضمام فيما بعد .. كما فعل الكثير من السفراء الذين تراجعوا عن انضمامهم للثورة بعد أن عادت الروح تدب في النظام من جديد .. و ربما مما يجدر ذكره هنا أن السفارة اليمنية في برلين حاولت مرارا و تكرارا أن تقيم وقفات إحتجاجية ومسيرات لدعم نظام صالح إلا أنها لم تنجح في حشد مؤيدين .. رغم كل المغالطات التي كانت تبثها بين الطلاب بأن السفارة تنظم هذه الاعتصامات من أجل اليمن لا من أجل النظام و أن شعاراتها لن تحمل أي دعم لصالح أو لنظامه بل ستكون دعما لحقن الدماء و انهاء العنف و العودة للحوار لحل الازمة .. و رغم كل الإغراءات المادية من تحمل أجور المواصلات و خلافه إلا أنها لم تستطع أن تحشد أكثر من 15 طالبا في أكبر تلك الاعتصامات.
نسأل الله عزوجل أن يكون لقائنا القادم لقاء فرح و احتفال بالنجاح الكبير للثورة و السقوط النهائي لبقايا النظام .. هذه هي الجملة التي يرددها شباب مبادرة من أجل يمن جديد في ألمانيا دوماً في نهاية كل وقفة أو مسيرة إحتجاجية ، و هي ما أختم بها الان على أمل أن يكون اللقاء القادم لنكتب سويا النهاية السعيدة للاعتصامات الثورية و البداية الجدية لبناء اليمن الجديد .