[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

لجنة الشئون العسكرية.. على قدر أهل العزم تأتي العزائم

بين متفائل ومبدٍ لعدم التفاؤل من بعض الأسماء التي تضمنها القرار الرئاسي رقم (29)لعام 2011 الذي أصدره نائب الرئيس؛ عبدربه منصور هادي، بتشكيل "لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار" يتحتم على من ضمّت القائمة أسماءهم أن تكسر كل التوقعات التي تضعهم في دائرة الفشل، وأن تترجم لجنتهم-عمليا-الطموحات الحقيقية لمنتسبي المؤسسة الدفاعية والأمنية، بما يجعلهما مؤسستين وطنيتين خالصتين؛ تأتمران بأمر الوطن، وتنأيان عن أي صراع سياسي من شأنه جرهما إلى معتركات دامية لقاء تحقيق أهواء شخصية لأي من الفرقاء في الحاضر والمستقبل.

قد يكون من المشجع لهذه الخطوة وبدء عملها، تحقق تشكيل حكومة الوفاق الوطني في اليمن في مسارها التوافقي المجمع عليه، وهو ما يدفع بنا أكثر لإبداء جانب التفاؤل في هذه المرحلة الحساسة والحرجة. أقول هذا، وأنا أحاول أن أدلي بدلائي، في محاولة لقراءة القادم وطرح بعض الأفكار التي تختلج في نفوس الكثير من أبناء هذا الوطن، متجاوزا كل التوقعات السالبة التي يبديهما المتابعون إزاء هذه اللجنة وما يُتوقع منها من نتائج تلمس في الواقع، وبخاصة في ما يتصل بإنهاء النزاعات المسلحة والتوترات الأمنية القائمة، وفي مسألة تحقيق تكامل قوتي الدفاع والأمن، وفق هيكل قيادي مهني، بهوية وطنية موحدة، تقدس ولاءها لله ثم للوطن وتنبذ أي تبعية لأي جماعة أو شخص بعينه.

ومن هنا، أقول: إن هذه اللجنة تقف أمام اختبار صعب، ومهام جسيمة وشديدة التعقيد، يسترعي تهيئة المناخ المناسب لها من كل الأطراف اليمنية، وتوفير الإمكانات المختلفة في سبيل تحقيق مهامها.غير أن أول ما يجب اتخاذه -برأيي- هو وضع خارطة طريق مجدولة زمنيا وفق المهام والأهداف، بحيث لا يتجاوز مجالها الزمني مدة مرحلتي انتقال السلطة التي حددتها آلية المبادرة بعامين، ومن ضمنها البند المتعلق باللجنة العسكرية للأمن والاستقرار، حيث من المتوقع أن تنشأ خلال هذه المرحلة وقائع واختلالات أمنية مشابهة لما سبق، وستكون في صلب اختصاصها، وبتلك الخارطة، يمكن لهذه اللجنة تحقيق ما أنيط بها، ما لم يعترِ سبيل التنفيذ تدخلات محبطة للأعمال والقرارات تتقاطع مع الرؤية الوطنية التي يمليها الواقع المتشح بالقلق وانعدام الثقة والانهيار.

إن هذه اللجنة-على كفاية أعضائها وقدراتهم المعروفة- ستواجه الكثير من الصعاب والعراقيل التي قد تعصف بها، حيث سيثار الكثير من الجدل حول مضامين الأداء، والآليات المتبعة، واللجان الفرعية المنبثقة عنها، رغم وضوح المسائل التي حددتها آلية المبادرة وبنود قرار تشكيل هذه اللجنة، وأحسب ما قد يجمع أولئك على الوفاق وتجاوز نقاط الاختلاف، أن كثيرا من أعضائها قاسى مرارة شعف التغيير والتحديث في هاتين المؤسستين من خلال مواقع أدائهم الوظيفي، ثم إنني أؤمِّل أن يجد هؤلاء مساحة واسعة لاتخاذ القرار أو التوصية به، لما من شأنه تحقيق النتائج المتوخاة والشعور بها عمليا، في تجاوز الشرخ الكبير في بنية القوات المسلحة تحديدا.

وحتى لا نكون مفرطين كثيرا في تفاؤلنا، من كون أن مسألة تحقيق محصلة موجبة عالية وسريعة أمر موثوق به من هذه اللجنة، وفق ما خطط له، فإن علينا أن نشير إلى ما يمكن أن يكون درسا مسبقا وتجربة هامة ينبغي الاستفادة منها، ألا وهي خطوة دمج القوات المسلحة والأمن في مرحلة ما بعد تحقيق الوحدة عام 1990م، وكيف أن تلك المرحلة لاقت الكثير من الصعاب والعراقيل المجهضة لها، ثم ما لبثت أن لفظت تلك الخطوة أنفاسها في منتصف الطريق، ولم تُبعث فيها الحياة ثانية إلا بعد ما عرف بحرب صيف 1994م، حينما كان مصدر القرار واحدا، وعلى علاته التي جاءت بما نحن عليه اليوم من الانقسام والتشتت.

وفي مسألة إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن، وإعادة تأهيل من لم ينطبق عليهم شروط الخدمة في هذين الحقلين، أجد أنها مسألة طال انتظارها؛ وهي على قدر من الأهمية والحساسية معا، بما يلبي استعادة وتنمية الروح القتالية والأمنية، والقدرات الأخرى اللازمة لمنتسبيها، إلا أنه قد تبدي لي وأنا أتابع توصيف أعضاء هذه اللجنة ممن لم يذكروا بالاسم، أنني لم أجد وزير المالية!! فهل يا ترى سيكون موضوع الهيكلة إداريا فحسب؟! في حين كانت الأصوات في الساحات الثورية تدغدغ مشاعر العسكر في مواقع مرابطتهم-وقد أُهرقت دماؤهم جداولا- بأمانٍ كثيرة من شأنها أن ترفع من مستواهم المعيشي!!

وأخيرا؛ علينا أن نعي أن إعادة بناء القوات المسلحة والأمن في اليمن - بما جرى توصيفه في المبادرة وآليتها التنفيذية بالهيكلة- ليس فحسب تحويل القوة من كفة إلى كفة أخرى، أو تفتيت الولاءات المتعارضة مع الولاء الوطني، أو عملية تعيين أو نقل أو إقصاء، بل إنها إعادة البناء المادي والمعنوي لجسد مزقته الولاءات، وجرى العبث به في الكثير من المعتركات الخاسرة، على أن يرافق ذلك، غربلة محتوى هاتين المؤسستين من القوة الوهمية التي ستكون -على نحو ما كانت عليه أرقاما مظلِّلة- فيما لم يجرِ اتخاذ هذه الخطوة، وحتما أنه إن لم يتم ذلك، ستكون بؤرة من بؤر الفساد المالي والإداري الذي يؤسس لفشل مستقبلي رغم جهود هذه الهيكلة.

*باحث في شئون النزاعات المسلحة والبيئة

زر الذهاب إلى الأعلى