يأتي انتصار الجيش اليمني في المعارك التي يخوضها ضد تنظيم القاعدة في أبين بعد انتصار آخر حققه في صنعاء لا يقل أهمية عن انتصارات أبين، بل سيكون لكليهما نفس الانعكاسات الإيجابية على الوضع الأمني وعلى استمرار عملية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية.
أعني بذلك الانتصار تحرير اللواء الثالث الذي يعد أكبر ألوية الجيش اليمني وأكثرها تسليحا والمتمركز في الجبال المحيطة بالعاصمة صنعاء من سيطرة أنجال المخلوع، وذلك بعد ثورة قادها مجموعة من الضباط والجنود داخل اللواء الثالث تأييدا لقرار الرئيس عبدربه منصور هادي رقم (44) الصادر بتاريخ 6 أبريل 2012م والذي قضى بإبعاد قائد اللواء الثالث حرس جمهوري طارق صالح إبن أخ الرئيس السابق وتعيين اللواء عبدالرحمن الحليلي بديلا عنه، ورفضا للتمرد الذي كان يقف خلفه قائد الحرس الجمهوري أحمد علي صالح.
وعودة إلى صلب الموضوع، ومن خلال قراءة المشهد الذي رافق العملية الثورية وتحركات بعض الأطراف والجماعات المسلحة التي استغلت تردي الوضع الأمني وانشغال الجيش اليمني بالمواجهات التي نتجت عن تمرد الرئيس السابق على الإرادة الشعبية، يمكننا القول أن جماعة أنصار الشريعة التابعة لتنظيم القاعدة ليست المتضرر الوحيد فحسب من سقوط (ولاية أبين) بعد المعارك العنيفة التي استمرت لأشهر وشاركت فيها اللجان الشعبية إلى جانب ألوية الجيش..
بل أن سقوطها الذي يشكل تقدماً كبيراً في معركة اجتثاث تنظيم القاعدة في اليمن وبالتالي إعادة سيطرة الدولة وفرض نفوذها وهيبتها على المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم، سيشكل خسارة كبيرة لأطراف عديدة كانت مستفيدة من استمرار تردي الأوضاع الأمنية وغياب الدولة في عدة مناطق.. ومن بينها الأطراف أو الجماعات التي تبنت الخيار المسلح كوسيلة للتوسع وفرض السيطرة على المناطق التي تتواجد فيها سواء في الجنوب أو في شمال الشمال، مستغلة غياب الدولة خلال مرحلة الثورة التي عمد فيها المخلوع علي صالح إلى سحب الوحدات العسكرية من محافظات ومناطق عديدة لتعزيز حماية نظام العائلة في صنعاء، كما عمد إلى تسليم معسكرات ومخازن أسلحة بما تحتويها من معدات عسكرية وأسلحة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة إلى المليشيات والجماعات المسلحة سواء في الجوف أو عدن أو أبين أو غيرها، وذلك كنوع من العقاب الجماعي على الشعب الذي هد مشروع التوريث ووقف في وجه الاستبداد والعبث اللامحدود بمقدرات الوطن والسير بالمواطن اليمني نحو مستقبل مجهول وكارثي دون أي مبالاة أو أحساس بالمسئولية الجسيمة تجاه الوطن والشعب، كما يأتي تنفيذا للتهديدات التي مافتئ المخلوع يرددها منذ انطلاق الثورة ضد نظام عائلته واللوبي المحيط به.
وهنا يبرز أمامنا طرف ثالث متضرر من انتصارات الجيش وهزيمة تنظيم القاعدة الإرهابي واستعادة سيطرة الدولة على المناطق التي سلمها علي صالح للقاعدة، هذا الطرف يتمثل في بقايا العائلة ولوبي عصابتها، إذ أنه لم يعد يخفى على أحد محاولات لوبي العائلة الحثيثة والمستمرة الرامية إلى تقويض عمل حكومة الوفاق وإفشالها وإدخال البلاد في دوامة من النزاعات والحروب التي تنتهي بتحقيق تهديدات المخلوع علي صالح على أرض الواقع والتي حذر فيها من أن الدولة ستنهار وتتشظى إلى عدة دول في حال إصرار الشعب على إسقاط نظامه الاستبدادي من خلال الثورة الشعبية التي كانت بدورها نتيجة حتمية لاستبداد وعبث نظام المخلوع الذي قاد اليمن إلى قائمة الدول الفاشلة وظل يقودها بوتيرة أكبر نحو الانهيار الكامل.
تلك التشكيلة المتنوعة من المشاريع الصغيرة واللاوطنية، وإن اختلفت في أهدافها، إلا أنها اتفقت جميعها على الكيفية المشتركة التي تمكنها من تحقيق أهدافها معا، على أن يكون الوطن الموحد والمزدهر هو الضحية بالنهاية.
إلا أن الرياح في هذه المرة جاءت بعكس الأشرعة التي تدفع مشاريع تلك الأطراف، فضلا عن أنها جاءت على هيئة نار أتلفت تلك الأشرعة وأفقدتها القدرة على الاستمرار في دفع المشاريع الضيقة والقدرة على توجيه مسارها.
وهذا يضعها أمام خيارين لا ثالث لهما: أن تحتكم للحوار وتنتصر لحقوقها وقضاياها بالوسائل الحضارية والمشروعة التي لا تنعكس سلبا على مستقبل الوطن ولا تهدد حياة المواطن، وبالتالي سيكون عليها أن تتخلى عن العنف وتسلم أسلحتها للدولة، وهذا هو الخيار الأجدى والأكثر نفعا للوطن ولكل الأطراف. أما الخيار الآخر وهو الأسوأ، أن تستمر بتبني العنف وتلتزم بالخيار المسلح وهذا سيضعها في نفس المكان الذي وضع نفسه فيه تنظيم القاعدة الإرهابي، وسيكون من الضروري أن تفرض الدولة سيطرتها على كل المناطق، وسيكون عليها أن تتخذ كل الوسائل التي تمكنها من ذلك، حتى وإن كان اضطرت للخوض في مواجهات مباشرة مع تلك الجماعات، وهذا ما لا يتمناه ولا يريده أحد.
أخيرا، لا يمكنني في هذا الصدد أن أغفل القرار الأممي الأخير الصادر بالإجماع عن مجلس الأمن الدولي، والذي هدد بفرض عقوبات تحت المادة (41) من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على أي طرف يسعى إلى تقويض عمل الحكومة أو - التدخل في - وعرقلة قرارات الرئيس هادي، حيث سيشكل هذا القرار - إضافة إلى التحولات النوعية المذكورة آنفا - حائط صد أمام عبث الجماعات المسلحة التي تصر على تبني الخيار المسلح وسيلة لفرض مشاريعها اللاوطنية وترفض الاحتكام للحوار الوطني وتبني مشاريع سياسية تمكنها من العمل بكل مشروعية لما فيه خدمة الصالح العام، وحائط صد أمام عبث لوبي العائلة الذي يسعى من خلال كل أدوات القوة والنفوذ التي لا زال يسيطر عليها -عسكرية، مالية، وإعلامية- إلى إفشال المساعي الهادفة إلى إعادة الاستقرار الأمني واستعادة هيبة الدولة وفرض سيطرتها ونفوذها على كل مناطق اليمن، وكذا تسعى إلى الحيلولة دون إيجاد حالة من التوافق بين مختلف القوى على الساحة اليمنية تمهيدا للبدء في الحوار الوطني الذي ستتضح على ضوء نتائجه ملامح المرحلة السياسية القادمة، بل ستتضح على ضوء نتائجه ملامح الدولة القادمة برمتها.