أعادتنا محاولة الاغتيال الغادرة التي استهدفت وزير الدفاع إلى متن التناقض الجوهري الذي أفرزته الثورة الشعبية السلمية ؛ ما بين نظام تبقى منه الآن رئيس سابق يعرقل عبر نفوذه ، وثورة شعبية ومعها السلطة التي دفعت بها إلى سدة الرئاسة من الجهة الأخرى.
وهذا يحسب لساحات الثورة الشعبية السلمية التي نفضت الغبار عن خيام المعتصمين ،فتحركت وحركت معها اليمن كلها ، وأخرجت عدو الشعب وأدوات القتل والارهاب عن طورهم فذهبوا إلى محاولة اغتيال وزير الدفاع وإرهاب العاصمة صنعاء ومدن اليمن بالسيارات المفخخة ، فأخرجونا من حيث لم يتوقعوا من توهان الزوايا السوداء المظلمة وحرب الجميع ضد الجميع التي بدأت تلوح في اليمن مع نمو الاستقطابات المذهبية والشطرية والنفوذ الخارجي وأقطابه ، إلى ساحة الشعب الحقيقية التي تهون من أجلها كل التضحيات لأن عنوانها واضح وقضيتها أكثر من عادلة.
ومرة أخرى يثبت لنا الرئيس الرصين عبد ربه منصور هادي أنه في أتم الجاهزية ؛ فقد أعادت لنا قراراته الأمل ولليمن العافية ؛ وجاءت في وقتها ؛ ولو أنها لم تصدر مباشرة عقب النكسة الأمنية التي تسلل منها العمل الغادر الجبان ، لكان الحال هو اليأس ؛ ولكن الرجل الأول في اليمن أمسك بزمام المبادرة حتى لا تتصور قوى العرقلة والإرهاب أن ساعتها قد عادت من جديد.
لا بد من تغيير شامل وإن طال السفر ، ولا مجال للمستقبل إلا بطي صفحة صالح ونفوذه وبقاياه ، كان هذا واضحاً أمس الأول في الثمن الذي دفعناه نتيجة ترك الفراغات من كل نوع ؛ فراغ في استعادة مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية ، وفراغ في التسريبات ، وفراغ في انشغال بقضايا هامشية لا تقع ضمن الأولويات مثل الحديث عن زواج الصغيرات كقضية دستورية ضمن أولويات الحوار الوطني ؛ وهو ما حول لجنة الحوار إلى مجال للسخرية والتندر في الشارع اليمني المثخن من مخطط الاستنزاف الذي يتبدى على شكل عمليات إرهابية وتفجيرات مشبوهة واستقطاب طائفي وشطري وعنصري وإقليمي في ظل انقسام في أهم مؤسسات الدولة.
في خطابه المشئوم بذكرى المؤتمر هاجم صالح جماعة «الزمرة» قائلاً انهم خرجوا من الباب في يناير 86 ويريدون العودة إلى السلطة من الطاقة. إذا جاز لنا القول بأن الجماعة السياسية تلك لا زالت موجودة ؛ وأن مجازاً؛ لمجاراته في أوهامه ؛ فعلى صالح ان يعرف أن المنافسة هنا تتم في ساحة التضحية من أجل اليمن وليس المنافسة من أجل السلطة وهو مجال لا يجيده ولم يعرفه مطلقاً لا حينما كان رئيساً ولا بعد أن أسبغ على نفسه صفة « الزعيم».
هل كان بإمكان أحد العيال الجدد اللامعين أن ينافس سالم قطن في التضحية من أجل اليمن ؛ سالم قطن الذي نزل إلى أرض المعركة ليعيد محافظتين إلى سلطة الدولة ولم يذهب للبحث عن امتيازات مهدي مقولة ، امتلاك المواكب المموهة والسيارات المصفحة ولبس النظارات المعكسة والتفنن الزئبقي في التمويه والمواكب ومقرات الإقامة ؟
بدوره يكون محمد ناصر أحمد قد نجا من محاولة الاغتيال السادسة خلال أشهر ؛ محاولات توزعت بين أرض المعركة في أبين وعدن ، وآخرها المحاولة الجنونية التي نقلت السيارات المفخخة المشئومة إلى قلب العاصمة بين المارة والتي أودت بثمانية شهداء من مرافقي الوزير والمواطنين المارين في المكان.
وهذا الإصرار على وزير الدفاع يؤكد معنىً واحداً ؛ أن الرجل يستهدف بسبب دوره الوطني الاستثنائي في العمل من أجل إنجاز توحيد المؤسسة العسكرية وإعادة هيكلتها وبنائها على أسس وطنية حديثة ، واستعادتها لتكون تحت تصرف سلطة الدولة الشرعية التي جاءت بها الثورة الشعبية السلمية.
سنذهب بعيداً ونشرق ونغرب ؛ باتجاه الحوار ، وباتجاه القاعدة ، نحو زواج الصغيرات وترف «الذهنية المنظماتية الهامشية» ، هنا أو هناك أو أي اتجاه ، سيعيدنا إلى نقطة الصفر ... نحو وجود الدولة أولاً ، بسلطة كاملة تدير كل مؤسساتها عبر قرار واحد ، وتبسط سلطاتها على البلد اولاً ، ومن ثم نبحث عن شكل دولته وعقده الاجتماعي الذي يعبر عن إرادة كل مواطنيه وفئاته ومكوناته.