المشكلة في رئاسة الدولة أنه لا توجد مدرسة تعلم الرئيس أن يصبح رئيساً، وإنما هو يُنتَخَب ويتعلم مهنة الرئاسة وهو يمارسها، وفي بلد ديموقراطي هو لا يكاد يتخرج رئيساً بالممارسة حتى يترك المنصب ويأتي مَنْ يخلفه ليدخل «كُتّاب» الرئاسة بدوره.
الدكتور محمد مرسي يتعلم الرئاسة الآن، وكان بين أول الدروس ألا يعِد بما لا يستطيع الوفاء به، فالمئة يوم الأولى لم تحقق شيئاً من وعود خفض أسعار الخبز أو المحروقات، أو إنهاء زحام المرور، أو زيادة النظافة، أو الأمن الذي شهد زيادة ملحوظة في عمليات البلطجة والإرهاب في شمال سيناء.
أمضيت يومين في القاهرة بين جدة والمنامة، فقد رأيت أن ذلك أفضل من أن أعود غرباً إلى لندن ثم أغادرها إلى البحرين شرقاً. ورأيت أصدقاء مصريين وزائرين عرباً، وحاولت أن أجد في العهد الجديد ما يشجع على التفاؤل، فأنا لم أذهب لأنتقد وأزيد هموم المصريين، ووجدت أن مساحة الممارسة الديموقراطية زادت كثيراً فهناك الرأي وضده كل يوم في وسائل الإعلام كافة.
السيدة المصرية التي تمنّت على زوجها أن يأخذها في المساء إلى محل «غالٍ» أخذها إلى محطة بنزين. غير أن أهم ما يشغل المصريين هذه الأيام هو الدستور القادم والجمعية التأسيسية التي تكتب مواده مع تُهَم بسيطرة الإخوان المسلمين والسلفيين عليها، وتهديد أعضاء وأحزاب بالانسحاب منها.
لا أستطيع هنا أن آتي بشيء لم يثره المصريون مرة بعد مرة في موضوع الدستور، فأكتفي بالإشارة إلى «مليونية الشريعة» في ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي فقد شهدتها مع قرب الميدان من مكاتب «الحياة»، وضمت أحزاباً وتيارات إسلامية تريد تطبيق الشريعة غابت عنها جماعة الإخوان.
أحاول أن أتجنب أي نكد أو انتقاد حتى لا أزيد على هموم المصريين وهي كثيرة كما أسلفت، فأقول إن كل تظاهرة في مصر توصف بأنها «مليونية» مع أن ميدان التحرير حتماً لا يتسع لمليون متظاهر، ما يعني أن التظاهرات الأولى ضد نظام حسني مبارك بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 لم تضم مليون مصري.
كنت في عشاء «فلول» ضم حو إلى 30 صديقاً، بينهم أربعة وزراء سابقين، وقال لي صديق أثق بمعرفته أن ميدان التحرير كله لا تتجاوز مساحته 50 ألف متر مربع إلى 60 ألفاً، والمتر المربع الواحد لا يتسع لأكثر من ثلاثة متظاهرين، فإذا امتلأ الميدان كله بالمتظاهرين من دون منصة واحدة للخطباء أو التلفزيون أو غير ذلك لا يتجاوز المجموع مئتي ألف متظاهر على أعلى تقدير. وهكذا فتقديري أن «مليونية الشريعة» ضمت بضعة ألوف في غياب الإخوان.
أرجو أن يفاجئنا حكم الإخوان بتحقيق معجزة اقتصادية، وإذا كانت وعود الرئيس لم تتحقق في مئة يوم، فلعلها تتحقق في ألف يوم، أو ثلاثة آلاف يوم، قبل أن تقوم ثورة الجياع على الثورة.
مرة ثانية أو ثالثة لن أنتقد، والإيجابية التي طلعت بها هي أن أقول للمصريين ألا يشكوا، وأن يفكروا أنه مهما ساءت أوضاعهم يظلون أفضل حظاً من السوريين هذه الأيام.
وهكذا فأنا أفضل أن أختتم بملاحظات عن اللغة لا تستثير أحداً، ففي القاهرة قرأت الصحف كلها خلال يومَيْ إقامتي، وهي ذكرتني برأي قديم لي هو أن المصريين لهم جرأة على اللغة ليست لعرب الشمال، فالمصريون يعرِّبون كلمات أجنبية تدخل قاموس الاستعمال اليومي، كما أقرأ في تحقيقات زميلتنا أمينة خيري في «الحياة»، أو يطوِّعون كلمات عربية قديمة للتعبير عن واقع عصري جديد. أما الشوام فيحاولون ألا يخرجوا على النص المتوارث أو عنه.
كل مَنْ يعمل يخطئ، فلا أحد معصوماً، والصحافة ليست استثناء، وأنا منها ولي نصيبي من الخطأ. ولاحظت في صحف القاهرة كثرة استعمال حرف الجر «باء» بدل «في» في العناوين مثل «بالقاهرة» و «بالزقازيق»، ولعل ما يبرر ذلك ضيق المساحة المتاحة للعنوان.
هناك فرق بين الحرفين ربما كان أفضل مَثل عليه الشعر المشهور: «يقولون ليلى في العراق مريضة...» فالمعنى أن ليلى موجودة في العراق، ولو قال الشاعر: يقولون ليلى بالعراق مريضة لاستقام الوزن وانكسر المعنى لأنه يصبح أن العراق هو مرض ليلى.
أقول يا ليتني «الطبيب المداويا» مكتفياً بليلى (لقد لامني في حب ليلى أقاربي / أبي وابن عمي وابن خالي وخاليا) وأترك للدكتور محمد مرسي أن يداوي أوجاع مصر ثم أرجو له النجاح.