اخيرا نجح الحراك في حشد مئات الالاف من اليمنيين لإحياء الذكرى السابعة لإعلان التصالح والتسامح المتزامنة مع الذكرى السنوية لأحداث 13 يناير المأساوية ،هذا النجاح الملفت جاء بعد تراجع التفاعل الشعبي مع فعاليات الحراك في السنوات الثلاث الاخيرة جراء توالي الانقسامات داخله وتجذر خلافات قياداته ،الامر الذي خلق حالة من اليأس والاحباط بين انصار الحراك جعلهم يعزفون عن المشاركة في فعالياته حتى جاءت ثورة فبراير2011 لتفجر الحماس الثوري في ساحات وميادين اليمن ،وهو ما استغله الحراك لصالحه بتحويل ساحاتها وبالذات في الجنوب إلى نقطة انطلاق لاستئناف نشاطه الميداني.
- ركز الحراك في الاشهر الاولى من عمر الثورة على الدفع بأنصاره لاختراق ساحات عدن وحضرموت والمحافظات الاخرى ،تلاها سيطرة انصاره على تلك الساحات وتغيير شعارها المرفوع من اسقاط النظام إلى المطالبة بالانفصال.
-في هذه الاثناء ومن اجل استقطاب شرائح اخرى في الجنوب ضاعف من حجم الحملة الاعلامية والنفسية في وسائل اعلامه لتضليل الرأي العام وكان ذلك على مرحلتين الاولى ركز فيها على تشويه ثورة فبراير في نظر ابناء الجنوب عبر الترويج لمزاعم بسرقة الثورة وفقدان الامل بقدرتها على التغيير ،بعد ذلك ركز في المرحلة الثانية على تأليب المواطنين ضد الرئيس المنتخب وحكومة الوفاق باعتبارهم امتدادا للنظام السابق المحتل للجنوب منذ حرب 94م .
- رغم التأثير الايجابي لهذه السياسة على الرأي العام في المحافظات الجنوبية واليمن عموما بما يخدم اجندة الحراك ،الا ان التأثير كان محدودا وبطيئا ،لذا لجأ اعلام الحراك في الاشهر الاخيرة إلى المبالغة فيما يخص فعالياته ،فتلاعب بالصور والمشاهد وبالغ كثيرا في الارقام ،فكان الحديث عن مشاركة مئات الالاف في ذكرى ثورة اكتوبر الخالدة ،وتحول هذه الايام عند الاشارة اليها لتسميتها بالمليونية الاولى مع ان الجميع يدرك ان المشاركين فيها لم يتجاوزوا الـ15 الف شخص، بل أن الحراك ظهر في تلك الفعالية في اسوأ حالاته .
- بعدها حرص الحراك على الترويج في اعلامه لمليونية عيد الاستقلال المجيد قبل اسبوع من حلولها، رغم ان عدد المشاركين في المهرجان لم يتجاوزوا اصلا المئة الف شخص ،مع ملاحظة ان الحراك اغلق جميع الشوارع الفرعية للشارع الضيق الذي مرت منه الجنازة ، ولولا حالة الغضب الشعبي التي سادت بسبب حادثة مقتل الشهيدة فيروز وتشييع جثمانها في صباح يوم الفعالية لما تمكن الحراك من حشد نصف ذلك العدد .
- استمرأ الحراك اللعبة لدرجة انه في فعالية التصالح والتسامح لم تعد المليون كافية في نظره ، فتحدثت بعض مواقع الحراك عن مشاركة 2 مليون شخص في عدن ومليون في المكلا بل ان الحماس دفع بعض قيادات الحراك الثانوية إلى مضاعفة العدد كالشيخ صالح الغامدي الذي ذكر في اتصال مع عدن لايف مساء يوم 13/1 ان عدد المشاركين في عدن بلغ ثلاثة ملايين ومليون في المكلا .
- المعروف للجميع ان عدد ابناء الجنوب يقدر بـ5مليون منهم اكثر من مليون ونصف مغترب في السعودية والخليج ودول اخرى ،كما ان هناك مئات الالاف يعيشون في صنعاء ومحافظات شمالية اخرى ،طيب الان بهذه الحسبة في هناك عجز منيين نغطيه ،ولو استمر الحراك بهذا الشطح اخشى أن يبدأ اعلامه بالترويج للفعالية القادمة في ذكرى اعلان الوحدة بأن 5ملايين سيشاركون في فعالية عدن و2 مليون في المكلا، يا اخوان اليمنيين طيبيين وبسطاء لكنهم ليسوا اغبياء فاكذبوا بفن وابتعدوا عن الشطحات المضحكة .
- عوامل مختلفة :
-رغم ماسبق اعتقد أن الحراك قد تفوق على نفسه هذه المرة بنجاحه في حشد مايقارب الـ300الف شخص في فعالية التصالح والتسامح ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما السبب الكامن وراء هذه القفزة الكبيرة للحراك وما خفاياها؟ في تصوري ان هناك عوامل مختلفة كان لها دور رئيسي في هذا الحشد سأوجز اهمها في التالي :
1- حشد الحراك للفعالية تحت شعار (التصالح والتسامح ) الذي يحظى بإجماع كل اليمنيين وليس ابناء الجنوب فقط ،بمعنى ان الشعار المستخدم هو شعار محل اجماع وليس محل خلاف ،لذا لم يكن مستغربا ان يشارك في الفعالية قيادات مؤتمرية واصلاحية واشتراكية جنوبية من مؤيدي الوحدة والفيدرالية إلى جانب مؤيدي الانفصال وفك الارتباط والجنوب العربي ،بمعنى أن كل المشاركين في الفعالية مؤيدين للتصالح والتسامح لكن مشاركتهم لا تعنى تأييدهم للانفصال.
2-التفاعل الكبير لأبناء عدن مع الفعالية رغم رفض الكثير منهم للانفصال ،لكن رغبتهم الشديدة في دعم الجهود الرامية لطي صفحة ابشع المجازر دموية في تاريخ اليمن الحديث ،والتي كانت عدن ساحة لها يفسر ، سبب هذا التفاعل.
3-مشاركة عشرات الالاف من ابناء تعز والبيضاء في الفعالية ،فقد انشغل المواطنون في المحافظتين في الايام الماضية في الحديث عن مئات السيارات والحافلات التي توجهت صوب عدن على مدار يوميين متتاليين قبل الفعالية ،كما ذكرت بعض المواقع المحسوبة على الاصلاح عن تكفل جماعة الحوثي في المحافظتين بأجور نقل المواطنيين إلى عدن لدعم حليفهم التقليدي ،ولاشك ان الناصريين في تعز كان لهم دور محوري في ذلك ،المهم أن هذه المشاركة أكدت أن التصالح والتسامح لايمكن حصره على منطقة واستثناء المناطق الاخرى ،كما اكدت أن تعز (قلب الثورة النابض) ستظل ذخرا ومددا بشريا لجنوب الوطن قبل شماله ،ويبدو أن الاشادة التي جاءت في البيان الصادر عن فعالية التصالح بالثورة الشبابية ،كانت تعبيرا ضمنيا عن امتنان الحراك لهذه المشاركة .
4- الدور الكبير الذي لعبه الرئيس هادي والحكومة في انجاح الفعالية عبر التوجيه الصارم لقيادة محافظة عدن والاجهزة الامنية فيها ولقادة المعسكرات المرابطة في محيط عدن والمحافظات المجاورة بالسماح للقادمين من المحافظات الاخرى بدخول عدن ،وكذا تجنب أي مواجهة أو احتكاك مع المشاركين في الفعالية بل وتوفير الحماية لها كما ذكره محافظ عدن في تصريحاته الاخيرة .
-بل أن تلك القيادات تعاملت مع الفعالية بمرونة خيالية فاقت كل التوقعات ،فلم تتخذ أي اجراءات عقابية ضد الجنود الذين قاموا برفع العلم الشطري فوق مبنى إدارة أمن عدن المحاذي لساحة العروض،بل أن معظم تلك القيادات سمحت للألاف من الجنود بحضور الفعالية ولكن بزيهم المدني،وكل ذلك ظهر وكأن الدولة سخرت امكانياتها لإنجاح الفعالية، وفي اعتقادي أن هذه بادرة مشجعة ومؤشر عن رغبة النظام في تبني نهج التصالح والتسامح في عموم اليمن.
-تناقل اعلام الحراك لخبر يفيد باعتقال شباب الحراك لثلاثة ملثمين مندسين خلال محاولتهم تشويه صورة الرئيس هادي، يحمل في طياته رسالة من الحراك يعبر فيها عن امتنانه لموقف هادي الايجابي من الفعالية ،وفي الوقت ذاته محاولة التشويش على موقف الرئيس من الانفصال واثارة اللغط حوله ،وهى محاولة بائسة ،لان وحدوية الرجل امر مفروغ منه وغير قابلة للنقاش تحت أي ظرف من الظروف.
-اما بالنسبة لاهتمام وحرص الرئيس هادي في انجاح فعالية التصالح ،فناجم عن قناعة الرجل بأن الانطلاق نحو المستقبل وبناء يمن جديد لن يتم الا بعد طي ملفات الماضي ،وفعالية التصالح واحدة من الخطوات المطلوبة لتحقيق ذلك ،وهاهو يؤكد في كلمته امام نواب البرلمان والوزراء على ان التصالح والتسامح صفة رائعة وانسانية ومطلوب من المهرة حتى صعدة .
5- الجهود المكثفة والاستثنائية التي بذلها كل من البيض وعلي ناصر لضمان نجاح الفعالية ،ويبدو انهما ارادا الحصول من هذه الفعالية على صك غفران شعبي ،يتم تحويله بعد ذلك إلى نص دستوري ،وفي السياق كان لافتا تكثيف على ناصر لتحركاته في الفترة الاخيرة عبر مجموعة من الاتصالات واللقاءات التي اجراها مع اهم الشخصيات الجنوبية في الخارج أو بالأصح تلك التي لعبت دورا رئيسيا في احداث 86م،وكان اهمها لقاءه البيض في بيروت ،وهدف ناصر من اللقاء اقناع البيض بإصدار بيان مشترك يعلنان فيه تصالحهما وتسامحهما وطي صفحة 86م ،وانتهاء صراع تياري الطغمة والزمرة.
-مع فشله في مسعاه حرص علي ناصر في الحد من اي تداعيات سلبية محتملة لذلك على معنويات انصار الحراك وعلى نجاح الفعالية ،فتحرك لإيجاد بديل يحمل في طياته رسالة مشابهة لتلك التي اراد ارسالها إلى الفعالية من لقاءه مع البيض ،وقد تمثل البديل في البيان المشترك الصادر في ختام اللقاء الثلاثي في الامارات وظم إلى جانب ناصر كل من سالم صالح محمد باعتباره احد قيادات ما عرف بالطغمة ومن ابناء لحج واحمد مساعد حسين باعتباره احد قيادات ما عرف بالزمرة ومن ابناء شبوة.
-معايير النجاح :
- تفاوتت الآراء في الشارع بين من يقول بنجاح فعالية التصالح والتسامح وبين من يرى عكس ذلك ،وفي اعتقادي ان نجاح أو فشل الفعالية مرهون بعدد من المعايير اهمها مدى تحقيقها للأهداف المتوخاة منها ، فاذا كان الهدف من الفعالية مجرد حشد اكبر عدد من الانصار ومحاولة تعزيز موقف الحراك التفاوضي مع الاطراف الداخلية والخارجية ،فان الفعالية في هذه الحالة تعتبر ناجحة ،وأن كنت شخصيا اراه نجاحا هزيلا ،كون مسألة حشد مثل هذا العدد من الانصار أمر ليس صعباً وبإمكان اشخاص واحزاب ان يحشدوا بصورة اكبر ،ولعلنا نتذكر أن الرئيس السابق ومنافسه الراحل فيصل بن شملان نجحا في انتخابات 2006م تمكنا من حشد مئات الالاف في مهرجاناتهما الانتخابية.
- اما اذا كان الهدف من الفعالية طي صفحة الماضي بكل مآسيه وبلورة شعار التصالح والتسامح على ارض الواقع وتجاوز الخلافات والانقسامات البينية ،ففي هذه الحالة تكون الفعالية قد فشلت بامتياز كونها لم تتمكن من تحقيق اي من تلك الاهداف ،وسأورد عدد من الادلة على ذلك الفشل :
1-لم تسفر الفعالية والنتائج المتمخضة عنها عن أي جديد فيما يتعلق بالتصالح والتسامح ،الذي مايزال مجرد شعار براق يردده انصار الحراك منذ 7 سنوات وحتى الوقت الراهن دون أن نلمس أي اجراءات عملية على الارض، فجوهر التصالح والتسامح يقوم على العفو عن القتلة بعد طلبهم الغفران من اسر الضحايا، مع اتخاذ الدولة اجراءات قانونية تضمن تعويضهم.
2-فشلت الفعالية في توحيد صف الحراك وانهاء خلافات قادته وانقسام مكوناته ،ففي فعالية خورمكسر صدر بيانيين عن الفعالية الأول عن المجلس الوطني الأعلى للنضال السلمي لتحرير واستعادة دولة الجنوب فيما صدر البيان الآخر عن قوى الثورة الجنوبية التحررية.
3- لم يتوقف الامر عند صدور بيانيين في ختام الفعالية ،لانكشاف شكلية التصالح والتسامح الذي روجت له قيادات الحراك ،حيث فشلت معارضة الخارج في اصدار بيان موحد يخص التصالح والتسامح ،وبدلا عن ذلك صدرت عدة بيانات منها بيان علي ناصر وسالم صالح واحمد مساعد ،وبيان لحيدر العطاس ، واخر للجفري ومحسن بن فريد،وبذلك تؤكد قيادات الحراك انها لم تكن عند مستوى واهمية الحدث.
4-اذا كان فشل فعالية عدن راجع لصدور بيانيين ختاميين ،فأن الفشل في حضرموت كان مريعا ،كون المكلا قد شهدت اقامة فعاليتين منفصلتين في آن واحد الاولى أحياها أنصار أحمد بامعلم الموالي للبيض في منطقة الشرج والثانية نظمها أنصار حسن باعوم في حي السلام بالمكلا .
5-هناك تناقض صارخ بين شعار التصالح والتسامح وبين كثير من السلوكيات والمواقف التي شهدتها الفعالية ومن امثلة ذلك :
أ-يوحي شعار الفعالية بانها مخصصة لقضية التصالح والتسامح ،الا أن جميع الكلمات التي القيت في المهرجان والبيانات الصادرة عنها ركزت بقوة على مطلب الانفصال ولم يتطرق إلى التصالح والتسامح الا بصورة مقتضبة ، كما غابت صور واسماء ضحايا 86م عن الفعالية.
ب- حرص البيض على تجيير الفعالية لصالحه وتحسين وضعه في الفترة القادمة امام الوسطاء الاقليميين والدوليين الساعين لإقناعه بالمشاركة في مؤتمر الحوار بتوجيه انصاره برفع صوره بكثافة خلال الفعالية من اجل الظهور وكأنه الزعيم الاول لغالبية المشاركين في الفعالية ،ضاربا بعرض الحائط شعار التصالح ،وناسفا لجهود اللجنة التنظيمية للمهرجان ،التي رفعت صور تجمع عدد من قيادات الجنوب ،ومايؤكد زيف هذا التصالح حدوث اشتباكات بالمعلا بين انصار البيض وانصار باعوم بعد تراجع انصار البيض عن الاتفاق بعدم رفع أي صور خلال الفعالية.
ج-كان هناك تهميشا متعمدا لمحمد علي احمد والتيار الذي يمثله في الفعالية وتم ازالة المنصة التي نصبها صباح يوم الفعالية لا لشيء الا لإعلانه المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني رغم انه يتبنى ذات الاهداف الانفصالية ،كما كان واضحا تجاهل قناة عدن لايف نقل صورة وكلمة حسن باعوم في المهرجان.
ء-بدا لافتا توجيه البيان الصادر عن المجلس الوطني الأعلى للنضال السلمي لتحرير واستعادة دولة الجنوب انتقادات لقيادات الحراك الحالية دون تسميتها، وهو مايدل على تنامي الخلاف بين القيادات التقليدية للحراك وبين القيادات الشابة فيه ،كما انه يؤشر إلى بدء نوع جديد من الصراع داخل قوى الحراك في الفترة القادمة.
ه-اليس من الغريب أن يختار البيض فعالية التسامح للتهديد عبر شاشة عدن باللجوء إلى خيارات اخرى " العنف والقتل "؟اليس ذلك دليلا على عدم ايمانه وقناعته بجوهر التصالح والتسامح .
-يا اخوان التصالح والتسامح لايكون مع طرف ومعاداة طرف اخر ،اذا كان هناك توجه حقيقي ونية صادقة للتصالح والتسامح وطيء صفحات الماضي لابد أن يشمل جميع الاطراف وجميع مناطق اليمن ومختلف فترات الصراع، والا فانه مجرد خداع وضحك على الدقون ومتاجرة بدماء الضحايا وتلاعب بمشاعر اسرهم واستغلال سياسي رخيص لا اكثر ولا اقل.