بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بالإضافة إلى فشل الحزب الاشتراكي اليمني في إدارة جنوب اليمن خلال ربع قرن من الحكم بالحديد والنار؛ كان لزاماً على قيادات هذا الحزب أن تقوم بترقية وتعديل مبادئها وإيديولوجياتها بحيث تكون مناسبة للمناخ الرأس مالي الجديد والسائد، فالحزب لا يستطيع مواجهة تبعات الانفتاح الفكري إبان تحقيق وحدة شطري اليمن في عام 90 من القرن المنصرم، وهذا الانفتاح –على سبيل المثال- ساعد أبناء المحافظات الجنوبية على ممارسة شعائرهم الدينية بكل أريحية كما يحدث في الشمال، بعدما كانت مبادئ الحزب ترفض ذلك وتفرض عقوبات صارمة لمن يمارس أي نشاط ديني واصفة الإسلام برمته بأنه (فكر رجعي وإقطاعي ومتخلف) كما جاء في كتاب (دعوة صادقة لتوبة صادقة) لصالح بن محمد حليس اليافعي ص54 الصادر عن مكتبة المؤيد- الرياض.
وفي 1993م، سعى أقطاب الحزب الاشتراكي للانفصال، بعدما حصلوا على 56 مقعداً فقط من مقاعد مجلس النواب الـ301. وبهذه النتيجة، أحست قيادات الحزب بتقلّص شعبيتها في جنوب اليمن، في حين أنها دخلت الوحدة اليمنية بهدف نشر الفكر الاشتراكي في شمال اليمن، ولكن الذي حدث، أن حزبي المؤتمر والإصلاح شاركا الحزب الاشتراكي في جنوب اليمن بعدما كان الجنوب كله اشتراكياً، رافق ذلك رواج بسيط للفكر الاشتراكي في بعض المناطق بشمال اليمن وتحديداً بعض المناطق المحسوبة على قبيلة "بكيل" كما ورد في كتاب (انفصال يشعل حرباً) للكاتب محمد زين، وهذه الحسبة تُشير إلى خسارة فادحة للحزب الاشتراكي وإنذار بأفول نجمه في شبه الجزيرة العربية، وقد تجلى هذا الفشل في الانتخابات المحلية سنة 2001م حين حصل الحزب الاشتراكي على 4% فقط من إجمالي نسبة عدد المقاعد.
بعد انتهاء الحرب وفشل مشروع الانفصال، بالإضافة إلى فشل أحزاب المعارضة في مجابهة حزب المؤتمر الحاكم، دعت حاجة الحزب الاشتراكي إلى قبول فكرة التحالف مع حركة الإخوان المسلمين سنة، متغاضياً عن العداء التاريخي بينهما، وذلك بهدف إنقاذ الحزب الاشتراكي اليمني من التلاشي -بهذا كان لحركة الإخوان المسلمين في اليمن الفضل في إبقاء الاشتراكية على قيد الحياة السياسة اليمنية- كما أن هذا التحالف كان سبباً إضافياً ودافعاً بالحزب الاشتراكي إلى تطعيم إيديولوجياته ببعض الإصلاحات الفكرية التي تضمن للحزب بقاؤه على الساحة السياسية.
لم يرق لكثير من قيادات وأعضاء الحزب الاشتراكي خطوة التحالف مع ما تعتبره عدواً تاريخياً، واستقال البعض من الحزب وانعزل كثير منهم النشاط الحزبي، وبقي آخرون في الحزب مع وجود تذمر داخلي يرفض هذا التحالف، وعندما ظهرت مؤخراً بعض التيارات التي تطالب ببعض الحقوق في جنوب اليمن؛ رأت قيادات الحزب الاشتراكي التي استقالت من الحزب، وتلك المتذمرة التي بقت في الحزب، أن ركوب موجة المطالب الحقوقية وتحويلها إلى مطلب سياسي، وسيلة سهلة وقادرة على إرجاع أمجاد الحزب الاشتراكي وحكم جنوب اليمن من جديد بعيداً عن مشقة التعددية الحزبية والتنافس السياسي.
تم ذلك، وأصبحت قيادات وأعضاء الحزب الاشتراكي المتمردة على الأمانة العامة للحزب، والرافضة لشراكة الإخوان المسلمين؛ هي من تقود ما يسمى بحراك جنوب اليمن، وحولته من حراك يطالب برد الحقوق، إلى تمرد يطالب بدولة جنوب اليمن التي كان يحكمها النظام الاشتراكي قبل عام90م. وقد أشار إلى اشتراكية الحراك، القيادي الحراكي "عبد الحميد طالب" عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، وذلك عبر حوار صحفي، عندما أكد بأن الحراك هو الاشتراكي والاشتراكي هو الحراك، وأن أكثر من 80% من الحراك هم من أعضاء الاشتراكي(الشرق الأوسط21- يونيو2010م).
يعتبر تمرد كثير من قيادات الحزب الاشتراكي على أدبيات الحزب الملتزمة بمبدأ الوحدة اليمنية والشراكة السياسية مع الإخوان المسلمين؛ سبباً رئيسياً في تذبذب وعدم وضوح مواقف الأمانة العامة للحزب الاشتراكي حيال الأحداث الجارية في اليمن، وقد يتضح للمتابع هذا التذبذب والتناقض، عندما يقرأ تصريحات الدكتور عيدروس النقيب -رئيس كتلة الاشتراكي في البرلمان- عبر الصحف، أو يشاهد الحوارات التلفزيونية مع الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي، وهذا التناقض وعدم الوضوح ناتج عن فشلهم في قيادة الحزب وعدم قدرتهم على التحكم بأعضائه. وهم بمواقفهم غير واضحة هذه، يحاولون وضع رجل مع حركة الإخوان وبقية الأحزاب المعارضة والمؤمنة باحمرار خط الوحدة اليمنية، والرجل الأخرى مع رفاق الأمس المطالبين بانفصال جنوب اليمن عن شماله، والرافضين لتحالف الاشتراكي مع خصمهم التاريخي (الإخوان المسلمين) أو ما يسمونهم بأصحاب الفكر الرجعي والإقطاعي المتخلف.
ملاحظة: كتبت المقال أعلاه في سبتمبر 2010م، يومها أرسلته إلى الصحف ليقوموا بنشره، فإذا بصديقي الكاتب الجميل عادل الأحمدي يتصل بي ويطلب مني بصفة أخوية عدم نشر المقال، وبقي لنصف ساعة يدافع عن الحزب الاشتراكي في تلك المرحلة، وبسببه راسلت الصحف وطلبت منهم عدم النشر.. ولم ينشر في الصحف باستثناء موقع غير معروف اسمه "ردفان برس". اليوم الحزب الاشتراكي يرفع دعوى قضائية ضد موقع نشوان نيوز الذي يملكه عادل الأحمدي بسبب مقالات رأي..!!