أرشيف الرأي

لهذه الأسباب أرفض الانفصال

أولا أود أن أوكد هنا أن من حقي أن أقول رأيي كما هو حق لغيري الذي ليس من حقه مصادرة الآراء لأنها لا تتفق مع وجهة نظرة ثم فرض وجهة نظر واحدة.

لا يمكن لأي شخص أن يدعي الصواب المطلق والحصري في رأي ما، أو يدعي أنه يمثل شعب الجنوب بكل مكوناته أو أنه الناطق الرسمي باسمهم.

رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب وليس من صلاحية أي أحد ان يزايد على وطنيتي أو حبي لبلدي وأهلي أو أني أعمل لصالح شخص ما أو فكر ما.

لا داعي لكيل الاتهامات والدخول في النيات والصيد في الماء العكر.

من حقنا أن نقول ومن واجبهم أن يسمعوا ومن واجبنا أن نسمع لما يقال وأن نميز ونقارن ونوازن على علم وبصيرة وهدى بعيدا عن الضجيج والتشنج ورفع الأصوات.

رأيي سأعبر عنه بكل هدوء وقدر عال من الطمأنينة والارتياح النفسي فإن تشنج غيري فهو يعبر عن ثقافته بطريقته واسلوبه.

كتب لي أحد الجنوبيين قائلا: لا يحق لك أن تتحدث باسم الجنوب. قلت وهل يحق لك انت ذلك.

وكتب لي آخر: يريد معرفة رأيي في القضية الجنوبية الذي يتهمني في مطلع رسالته بأني بعت القضية.

ورأيت القضية الجنوبية مخيمة على مؤتمر الحوار ورأيت من يتبناها بصورة انفعالية وكأنه لا يريد سماع شيء دونها محدثا ضجيجا كبيرا..

الكثير ممن اعترضوا على ترشحي لمؤتمر الحوار يريد فرض وجهة نظر واحدة ممارسا أنواعا من الإرهاب النفسي والفكري.. ويريد أن أعبر عن رأيه وموقفه وأسلوبه فقط لأنه لا يسمح بتداول الآراء وتنوعها. فقط يقول: يجب أن تتقبلوا آراء الآخرين لكنه لا يقبل هو آراءهم وليس مستعدا لسماعها.

لابد عند عرض الآراء من قدر كبير من الهدوء النفسي والفكري وقدر آخر من الموضوعية والإنصاف والتعالي على المصالح الشخصية والمشروعات الضيقة.

سأسجل هنا أسباب اقتناعي بالوحدة ورفضي للانفصال.باعتباري أحد أبناء الجنوب لا يستطيع أحد أن ينكر ذلك وباعتباري أيضا عضوا في مؤتمر الحوار الوطني الشامل:

أولا: نشأت في قرية صغيرة من قرى الجنوب وسط أسرة فقيرة ومازالت كذلك كغيرها من الأسر الفقيرة التي تحيط بنا على اليمين والشمال ولم نكن حينها نملك الوجود الذي سلبتنا إياه الوحدة بل كان الوضع كما هو فلم تؤثر الوحدة فيه سلبا أو إيجابا، وهكذا هو حال الألاف من الأسر في الجنوب التي كان أغلى ما تملك بعضها ( مشمع ) وجهاز (تلفاز غير ملون) حيث كانت تعد من الأغنياء. أما اليوم فمنازلها مليئة بالكنب والشاشات المسطحة والأثاث الفاخر..

هل الوحدة سلبت حقي المسلوب أصلا أم أننا كنا أنادك أيام (الحزب) حقوقنا مصادرة وأصواتنا مخنوقة تحت شعار (لا صوت يعلو فوق صوت الحزب)

أسالكم يا سادة!! أين هي الممتلكات والتجارات (المؤممة) لتجار الجنوب الذي فروا بما بقي إلى دول الجوار؟! أين هو القطاع الخاص الذي صودرت حقوقه وأملاكه في ذلك الحين؟ أم أن الوحدة من فعل ذلك؟.

ألم تكن شركة (النصر) للتجارة الحرة في (خور مكسر) لا تعرفها ملايين الأسر بعيدا عن أسر متخمة ومقربة كانت ترتادها واين كنا نحن منها أو من السوبرات الكبيرة التي انتشرت في الشوارع والمدن.

كان الكثير من أبناء قريتي ومن أسرتي مغتربين في دول الجوار من قبل الوحدة فهل الوحدة هي من جعلتهم يغتربون.

هل كنا في الجنوب دولة تعيش الرفاهية والشوارع الراقية باستثناء شارع ( مدرم ) الذي بنته بريطانيا؟!

هل كانت (المهرة وأبين ولحج وسقطرى) تعيش حالة من الرقي والحضارة العمرانية في شبة الجزيرة العربية فنافست برقيها (دبي) (وأنقره) (وكوالانبور).

كلا يا قوم ... كانت المحافظات الجنوبية تئن من الفقر والفاقة والجهل والمرض.

السبب الثاني : أنني كشخص متخصص ومهتم بالتنمية أحب وخصوصا بعد الثورة أن تنظر بلدي إلى ما هو أبعد وأن توجه جميع طاقات أبنائها وجهودهم إلى هدف واحد هو النهضة والرقي وبناء اقتصاد قوي منافس في المنطقة يجلب الاستثمارات ويجعل اليمن بلدا منافسا للخليج بقوة يسترد موقعه ومغتربيه لاسيما وجميع العوامل بشهادة الخبراء متوفرة لنا، فقط نحتاج إلى توحيد الجهود ومضاعفة الطاقات والإنسان أغلى ما نملك، وكيف نستطيع جذب الاستثمارات وتحسين وضعنا المعيشي إذا كان المستثمر يحبذ ان يستثمر وسط 30 مليون شخص لافي وسط 6 ملايين.

اليمن لا تنقصها الثروة ولا الأيادي العاملة والا الموارد البشرية وغير البشرية ولا الموقع، اليمن ينقصها دولة مؤسسات ينقصها كفاءات تنقصها مهارات وهذه الدولة لم تكن في البلدين قبل الوحدة ولم تكن أيضا موجودة في البلد الواحد بعد الوحدة فهل الحل في إيجاد دولة المؤسسات ودستور الحقوق والحريات والتوجه في لدولة الاقتصاد المنافس أم الحل هو في التقسيم الذي يضعف ولا يقوي. ويبدد الجهود والثروات.

صدقوني لقد نجحت بعض دول الجوار في شغلنا بهذه القضايا والتقسيمات حتى نبقى عالة عليهم بعيدا عن القضية الكبرى التي ستجعلنا ملوكا لا عبيدا عندهم .

السبب الثالث :

هل الانفصال سيحل مشاكلي المعيشية التي كانت موجودة أصلا قبل الوحدة ؟

سؤال لن يجيب عليه الكثير لأنهم لم يفكروا فيه أصلا ولأن بعضهم يعتقد أن الأمور ستعود كما كانت عليه .

لكن يجب أن نعلم أن الأمور لن تعود كما كانت عليه (وما لذي كانت عليه) وستظهر الصراعات والسلطنات والمشروعات الخاصة وستتوالد المصالح والمطامع وسيضل المواطن يعاني في بيته بينما القوى تحترب وتتنازع .

أدعو إلى لحظة صفاء نفكر عن إجابة موضوعية تستند إلى معطيات الواقع وميزان القوى في الشارع هل سيحل الانفصال مشاكل أبناء الجنوب .

إن الظلم لا يدفع بظلم أكبر منه والنار لا تطفئ بمثلها وكل مشكلة الحل كامن في جذورها والوحدة ليست مشكلة بحد ذاتها لكن المشكلة فيمن شوه صورتها ،المشكلة في النظام الذي قامت الثورة لإزالته طمعا في دستور يكفل الحقوق والحريات وفي قضاء مستقل يسترد حقوقي وفي دولة مؤسسات أعيش فيها كريما.

لقد اسرعنا نحن للوحدة أملا في الخروج من هذا الوضع المزري الذي وضعنا فيه (الحزب الاشتراكي) حينها لنخرج إلى حرية وحقوق فلم نحصل عليها فهل نعود بعدها إلى ماكنا عليه أم نبحث عن أسباب الخلل وجذور المشكلة ونسعى للتصحيح والتعديل ونناضل كما ناضلت الشعوب حتى نصل في ظل اليمن الوحد إلى ما نسعى إليه.

هذه قناعتي وهذه اسبابي في رفض الانفصال والحفاظ على الوحدة التي نحن بحاجة للعودة إلى جمالها وبهائها ورونقها الذي حرمنا منه أقوام رحلوا إلى مزبلة التأريخ.

ولن أتحدث عن المسببات الدينية الشرعية الأصيلة بسبب يعلمه الكثير...

ولله عاقبة الأمور..

كتب/ الخضر سالم بن حليس اليافعي الجنوبي

عضو مؤتمر الحوار الوطني

زر الذهاب إلى الأعلى